الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعرفة، ومن لا يتصور شيئا لا يقر في صدره عظمته، وإنما يتصور الجاهل بالعلم حقيقة الدنيا، وقد عظمت في صدره، فعظم عنده من تركها
المبحث الثاني: دعوى عبادة الله تعالى محبة، لا خوفا، ولا رجاء
.
نقل ابن رجب رحمه الله جملة من أقوال المتصوفة في هذا المعنى، منها: قول علي بن الموفق (1)(2) اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حبا لجنتك فاحرمنيها، وإن كنت تعلم أنما عبدتك حبا مني لك، وشوقا إلى وجهك الكريم فأبحنيه، واصنع بي ما شئت (3)
وقال من وصف بأنه حكيم: إني لأستحي من الله عز وجل أن أعبده رجاء ثواب الجنة قط، فأكون كأجير السوء إن أعطي عمل
(1) أبو الحسن علي بن الموفق، المتوفى سنة 265 هـ. أخباره في: صفة الصفوة 2/ 634 - 635.
(2)
أبو الحسن علي بن الموفق، المتوفى سنة 265 هـ. أخباره في: صفة الصفوة 2/ 634 - 635. ') ">
(3)
ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة 2/ 634، وأورده ابن رجب في شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 127 - 128، وشرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 1/ 180، وشرح حديث (إذا كنز الناس الذهب والفضة) ضمن مجموع الرسائل 1/ 343.
وإن لم يعط لم يعمل، وإني لأستحي من الله أن أعبده مخافة النار قط، فأكون كعبد السوء إن رهب عمل وإن لم يرهب لم يعمل، وإنه يستخرج حبه مني ما لا يستخرجه مني غيره (1)
وقال أبو سليمان الداراني (2) الدنيا عند الله أقل من جناح بعوضة، فما قيمة جناح بعوضة حتى يزهد فيها؟
إنما الزهد في الجنة، والحور العين، وكل نعيم خلقه الله ويخلقه حتى لا يرى في قلبك غيره (3)
ولما سئل أبو سليمان عن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل؟
أجاب: أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة غيره (4)
ويقول الشبلي (5) من ركن إلى الدنيا أحرقته بنارها، فصار
(1) رواه أبو نعيم في الحلية 4/ 53 - 54، ونقله ابن رجب في التخويف من النار 36. ') ">
(2)
تقدمت ترجمته. ') ">
(3)
ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 341، وللداراني كلام في المعنى نفسه. يراجع: حلية الأولياء 9/ 276.
(4)
ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 342 ويراجع: حلية الأولياء 9/ 256 - 257، 274. ') ">
(5)
أبو بكر الشبلي البغدادي، اختلف في اسمه على أقوال بلغت عند ابن الجوزي ستة، منها أنه دلف بن جحدر، توفي سنة 334 هـ. أخباره في: حلية الأولياء 10/ 366 - 375، وصفة الصفوة 2/ 677 - 680، وسير أعلام النبلاء 15/ 367 - 369.
رمادا تذروه الرياح، ومن ركن إلى الآخرة أحرقته بنورها، فصار ذهبا أحمر ينتفع به، ومن ركن إلى الله أحرقه نور التوحيد، فصار جوهرا لا قيمة له (1)
ويقول حذيفة المرعشي (2) إن عبدا يعمل على خوف لعبد سوء، وإن عبدا يعمل على رجاء لعبد سوء، كلاهما عندي سواء (3)
ويقول وهيب بن الورد (4) لا تكونوا كالعامل يقال له: تعمل كذا وكذا، فيقول: نعم إن أحسنتم لي من الأجر (5)
ويقول حبيب أبو محمد (6) لأن أكون في صحراء ليس علي
(1) نقله ابن رجب في جامع العلوم والحكم 2/ 418. ') ">
(2)
حذيفة بن قتادة المرعشي، المتوفى سنة 207 هـ. أخباره في: حلية الأولياء 8/ 267، وصفة الصفوة 4/ 475 - 477، وسير أعلام النبلاء 9/ 283 - 284.
(3)
رواه أبو نعيم في الحلية 8/ 269، وأورده ابن رجب في التخويف من النار 37. ') ">
(4)
أبو أمية وهيب - عبد الوهاب - بن الورد بن أبي الورد المكي، المتوفى سنة 153 هـ. أخباره في: حلية الأولياء 8/ 140 - 161، وصفة الصفوة 2/ 530 - 536، وسير أعلام النبلاء 7/ 198 - 199.
(5)
ينظر: التخويف من النار 37، ويراجع: حلية الأولياء 8/ 155. ') ">
(6)
في طبعة استنشاق نسيم الأنس (حبيب بن أبي محمد)، وجاء على الجادة في (فتح الباري، لابن رجب 1/ 195) حبيب أبو محمد، وهو أبو محمد حبيب العجمي الفارسي البصري. أخباره في: حلية الأولياء 6/ 149 - 155، وصفة الصفوة 3/ 226 - 229، وسير أعلام النبلاء 6/ 143 - 144.
إلا ظلة (1) وأنا جار لربي عز وجل أحب إلي من جنتكم هذه (2)
وذكروا أنه رئي بشر بن الحارث (3) في المنام فقيل له: ما فعل معروف الكرخي؟ (4)
فحرك رأسه، ثم قال: هيهات حالت بيننا وبينه الحجب، إن معروفا لم يعبد الله شوقا إلى جنته، ولا خوفا من ناره، وإنما عبده
(1) تصحفت في استنشاق نسيم الأنس إلى: ظلمة. ') ">
(2)
ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 341، ويراجع: حلية الأولياء 6/ 153. ') ">
(3)
أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن الحافي المروزي البغدادي، المتوفى سنة 227 هـ. أخباره في: حلية الأولياء 8/ 336 - 360، وصفة الصفوة 2/ 596 - 603، وسير أعلام النبلاء 10/ 469 - 477.
(4)
أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي البغدادي، المتوفى سنة 200 هـ. أخباره في: حلية الأولياء 8/ 360 - 368، وصفة الصفوة 2/ 592 - 596، وسير أعلام النبلاء 9/ 339 - 345.
شوقا إليه، فرفعه الله إلى الرفيق الأعلى (1)
وقال بعضهم:
كلهم يعبدون من خوف نار
…
ويرون النجاة فضلا جزيلا
أو بأن يسكنوا الجنان فيعطوا
…
روضة من رياضها سلسبيلا
ليس لي في الجنان والنار رأي
…
أنا لا أبتغي بحبي بديلا
وبعد، فهذه طائفة من أقوال تكشف عن مذهب القوم في مقصدهم من محبة الله تعالى، ولا ريب أنها دعوى عريضة واسعة، وقد كانت محل عناية عند ابن رجب، من جهة الاعتذار عنهم في خطأهم فيها (2) ومن جهة تصحيح هذا الخطأ، وبيان مخالفته لما دلت عليه النصوص الشرعية (3)
فهذان مقامان انطلق منهما ابن رجب في نقد دعوى الصوفية في المحبة تساق هنا على وجه التفصيل:
(1) نقله ابن رجب في استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 382. ') ">
(2)
فقد عقد بابا ترجمه بقوله: "في أنس المحبين بالله، وأنه ليس لهم مقصود في الدنيا والآخرة سواه" وضمنه جملة من أقوالهم في هذا المعنى. ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 331.
(3)
يراجع أيضا: الاستقامة 2/ 65، 92. ') ">
المقام الأول: الاعتذار لأصحاب هذه الدعوى.
حاول ابن رجب رحمه الله تلمس العذر لمن أظهر هذه الدعوى، ومن وجوه الاعتذار التي ذكرها:
الوجه الأول: أن هؤلاء العارفين لهم ملحظان:
أحدهما: أن الله تعالى يستحق لذاته أن يطاع ويحب ويبتغى قربه، والوسيلة إليه، مع قطع النظر عن كونه يثيب عباده، ويعاقبهم.
فنعم الله تعالى على عباده تستوجب منهم شكره عليها، وحياءهم منه، وهذا هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم لما قام حتى تورمت قدماه، وقال:«أفلا أكون عبدا شكورا» (1)
والملحظ الثاني: أن أكمل الخوف والرجاء ما تعلق بذات الحق سبحانه، دون ما تعلق بالمخلوقات في الجنة والنار، فأعلى الخوف خوف البعد، والسخط، والحجاب عنه سبحانه، وقد قدم سبحانه ذكر هذا العقاب لأعدائه على صليهم النار في قوله:{كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} .
كما أن أعلى الرجاء ما تعلق بذاته سبحانه من رضاه، ورؤيته،
(1) رواه البخاري: كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل 181 رقم 1130، ومسلم 1227 رقم 2819.
ومشاهدته، وقربه (1)
الوجه الثاني: أن القوم أرادوا ذم العبادة على وجه الرجاء وحده، أو على وجه الخوف وحده، فمن عمل على إفراد أحدهما عن الآخر فهو مذموم، وهذا عند ابن رجب توجيه حسن (2)
الوجه الثالث: أن الذم واقع على من لم يلحظ في عمله إلا طلب الأجر فحسب (3)
ولذا لما قال حبيب أبو محمد (4) لأن أكون في صحراء ليس علي إلا ظلة، وأنا جار لربي عز وجل أحب إلي من جنتكم هذه (5)
علق على ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى محاولا تخفيف ما فيه من بشاعة، فقال:"قوله (من جنتكم) توبيخ لمن تعلق همته من العباد بأنواع نعيم الجنة المتعلق بالمخلوقات فيها، مقتصرا على ذلك"(6)
(1) ينظر: التخويف من النار 37 - 38. ') ">
(2)
ينظر: التخويف من النار 36، 37. ') ">
(3)
ينظر: التخويف من النار 37. ') ">
(4)
تقدمت ترجمته. ') ">
(5)
ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 341، ويراجع: حلية الأولياء 6/ 153. ') ">
(6)
استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 341. ') ">
ويذكر رحمه الله أن أبصار المحبين قد غضت من الدنيا والآخرة، فلم تفتح إلا عند مشاهدة محبوبهم يوم المزيد (1)
الوجه الرابع: أن هذا الكلام إنما صدر ممن صدر منه في حال سكره، واصطلامه، واستغراقه، وغيبة عقله، فظن أن العبد لا يبقى له إرادة أصلا، فإذا رجع إلى عقله وفهم، علم أن الأمر على خلاف ذلك.
فهؤلاء العارفون إذا رجعوا إلى عقولهم، وسكنت عنهم سلطة الحال وقهره وجدوا أنفسهم وإراداتهم باقية، فيشتاقون حينئذ إلى الجنة، ويخافون من النار (2)
المقام الثاني: النقض والإبطال للدعوى.
وقد تنوعت عند ابن رجب رحمه الله تعالى الوجوه الدالة على بطلان دعوى الصوفية في تجريد المحبة عن الخوف والرجاء، ومن تلك الوجوه:
الوجه الأول: أن هذه الدعوى منافية لحقيقة العبادة، ومناقضة لحكمة الله تعالى في خلقه.
فإن الله تعالى إنما خلق الخلق وأوجدهم لعبادته، الجامعة
(1) شرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 1/ 128. ') ">
(2)
ينظر: التخويف من النار 38. ') ">
لخشيته ورجائه ومحبته، فالعبادة مبنية على ثلاثة أصول: الخوف والرجاء والمحبة، وهذه الأصول الثلاثة مفرض لازم، والجمع بينها حتم واجب، وقد كان السلف يذمون من تعبد بواحدة منها، وأهمل الآخريين (1)
ومن المتقرر أن من عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحد مؤمن (2)
وسبب هذا" أنه يجب على المؤمن أن يعبد الله بهذه الوجوه الثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء، ولا بد من جميعها، ومن أخل ببعضها، فقد أخل ببعض واجبات الإيمان"(3)
الوجه الثاني: أن هذه الدعوى مخالفة لمنهج الرسل عليهم السلام.
(1) ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 292. ') ">
(2)
ينظر: التخويف من النار 36، مع حاشية المحقق، وأما كون الحب يكون أغلب من الخوف والرجاء، أو أيهما يكون أغلب الخوف والرجاء، أو يتساويان، فهذا خلاف في التساوي، وفي الأغلب، لا في إفراد الله بالتعبد بأحدها، ويراجع في الحال التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن تجاه هذه الأركان: التخويف من النار 36 - 37، وينظر: جامع العلوم والحكم 1/ 219.
(3)
التخويف من النار 36. ') ">
فإن أكثر ما جاءت به الرسل، وذكر في الكتاب والسنة كما يقول ابن رجب رحمه الله تعالى هو خشية الله وإجلاله وتعظيمه، وتعظيم حرماته وشعائره وطاعته (1)
والله تعالى إنما خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه، ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه؛ ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه؛ ليتقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال (2)
ولم يزل الأنبياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون يخافون النار، ويخوفون منها (3)
فإن النار ناشئة عن صفة انتقام الله، وبطشه، وغضبه، فجهنم دليل على عظمة الله، وشدة بأسه، وقوة سطوته، فالخوف منها في الحقيقة خوف من الله، وإجلال وإعظام وخشية لصفاته المخوفة.
والله سبحانه يخوف بها عباده، ويحب منهم أن يخافوه
(1) ينظر: نزهة الأسماع ضمن مجموع الرسائل 2/ 473. ') ">
(2)
ينظر: التخويف من النار 21. ') ">
(3)
ينظر: التخويف من النار 35، ويراجع: الاستقامة 2/ 110. ') ">
بخوفها، وأن يخشوه بخشية الوقوع فيها، وأن يحذروا بالحذر منها، فالخائف من النار خائف من الله، متبع لما فيه محبته ورضاه (1)
ومن تأمل سير السلف الصالح أهل العلم والإيمان، من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، علم أحوال القوم، وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأن ذلك هو الذي رقاهم إلى تلك الأحوال الشريفة، والمقامات السنية، من شدة الاجتهاد في الطاعات، والانكفاف عن دقائق الأعمال المكروهات، فضلا عن المحرمات، ولهذا قال بعض السلف: خوف الله تعالى حجب قلوب الخائفين عن زهرة الدنيا، وعوارض الشبهات، وقد ضمن الله سبحانه الجنة لمن خافه من أهل الإيمان، فقال:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (2)
الوجه الثالث: أن هذه الدعوى تعني أن العارفين لا يخافون ما أعده الله في جهنم من أنواع العذاب المتعلق بالأمور المخلوقة، كما أن ما أعده الله في الجنة من أنواع النعيم المتعلق بالأمور المخلوقة لا يحبه العارفون ولا يطلبونه، وهذا أيضا غلط،
(1) ينظر: التخويف من النار 39. ') ">
(2)
التخويف من النار 21 - 22. ') ">
والنصوص الدالة على خلافه كثيرة جدا ظاهرة (1)
الوجه الرابع: أن دعوى هؤلاء أنهم إنما يريدون أكمل الخوف والرجاء، وهو ما تعلق بذات الله تعالى، لا بما دونه من المخلوقات، غلط؛ مبني على الظن بأن رضا الله تعالى، ورؤيته، وقربه ليس بداخل في نعيم الجنة، ولا في مسمى الجنة إذا أطلقت، وأن سخط الله تعالى، والحجاب عنه سبحانه لا يدخل في مسمى عذاب النار، أو في مسمى النار إذا أطلقت، وهذا غلط عظيم، فإن أعلى نعيم الجنة ما يحصل فيها من معرفة الله ومشاهدته، كما أن أشد عذاب النار حجابه وغضبه جل وعلا (2)
وإن من أشد ما يخافه العارفون فوات الرضا عنهم، وإن وجد العفو، وترك العقوبة، فإن الرضا أحب إليهم من نعيم الجنة كله، مع الإعراض، وعدم التقريب والزلفى (3)
(1) ينظر: التخويف من النار 38. ') ">
(2)
ينظر: التخويف من النار 38، واستنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 356، ويراجع: الاستقامة 2/ 96، 104 - 105، 107.
(3)
ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 373، والبشارة العظمى للمؤمن بأن حظه من النار الحمى ضمن مجموع الرسائل 1/ 353، وتحقيق كلمة الإخلاص ضمن مجموع الرسائل 3/ 86.
فالعارفون حقا جمعوا في خوفهم بين أمرين: الخوف من العقوبة على ما وقع منهم من الذنوب، ثم إن سلمهم الله من ذلك فهم يخافون فوات الرضا عنهم.
الوجه الخامس: أن هذه الدعوى تتعارض مع ما جبل الله عليه الخلق من محبة ما يلائمهم، وكراهة ما ينافرهم
الوجه السادس: أن بدع كثير من أهل الإباحة والحلول والزندقة ممن ينسب إلى التعبد، نشأت من هذه الطريقة، وهي إفراد المحبة، والإعراض عن الخوف والرجاء (1)
الوجه السابع: أن أصل هذه الدعوى، وهو أن العبادة تكون بلا خوف ورجاء متلقاة عن الديانة النصرانية، فقد نقل ابن رجب رحمه الله «أن عيسى عليه السلام مر بثلاثة من الناس نحلت أبدانهم، وتغيرت ألوانهم، فقال: ما الذي بلغكم ما أرى؟ قالوا: الخوف من النيران، قال: مخلوقا خفتم، وحق على الله أن يؤمن الخائف، ثم
(1) ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 292، وسيرة عبد الملك بن عمر ضمن مجموع الرسائل 2/ 473، وقد تقدم عند الحديث عن نشأ التصوف تدرج هؤلاء في الكفر.