المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوقفة العاشرة: جملة وصايا - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الافتتاحية

- ‌(الأمن الفكري)

- ‌خطاب الشكر من مقام خادم الحرمين الشريفين

- ‌الفتاوى

- ‌باب زكاة العروض:

- ‌ لا تجب الزكاة في العروض عند الوارث)

- ‌ الأرض المعدة للتجارة، والمقطعة)

- ‌ أموال شركة الكهرباء، والعقار، والسيارات، ومكائن الماء)

- ‌ ملك بيتا للسكن ثم أعده للإيجار)

- ‌ تقوم العقارات عند الحول ولو هبطت قيمتها)

- ‌ تجزئ زكاة العروض عرضًا إذا كان أنفع للفقير)

- ‌ هل تدفع زكاة الأجرة بعد المؤونة)

- ‌ الدور التي تبنى للتأجير):

- ‌ عنده سيارة يتكسب عليها):

- ‌ سيارات النقل لا زكاة فيها):

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم دفع الزكاة للإخوة الذين تجب النفقةعليهم وحكم قضاء دين الوالد أو الولد من الزكاة

- ‌ هل يجوز دفع زكاة المال للأشراف من بني هاشم

- ‌حكم أخذ آل البيتمما يسمى بالضمان الاجتماعي

- ‌حكم صرف الزكاة لأسرة واحدة

- ‌حكم إعطاء المدينالزكاة كلها لقضاء دينه

- ‌الزكاة لا تعطى لكافرإلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم

- ‌عادة المناخ تبرع سنوي من الدولة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ هل تجب طاعة الوالدين إذا منعا ابنهما عن دورات حفظ القرآن الكريم

- ‌ يرفع صوته في بعض أذكار الصلاة تطبيقًا للسنة لكن مع إيذاء المصلين

- ‌ هل للمعصية تأثير على أهل المعاصي

- ‌ عطس أحد المصلين بجواري وسمعته يقول: (الحمد لله)

- ‌ بعض الناس يدخلون المسجد والإمام في الركوع، ثم يرفعون أصواتهم للإمام حتى ينتظر

- ‌ من آداب الدعاء أن يكون المأكل والمشرب حلالاً

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌الاستعاذة والبسملة والاستفتاح

- ‌ هل دعاء الاستفتاح قبل التكبير أم بعده

- ‌ هل تقرأ البسملة في الصلاة بالفاتحة سرا أو جهرا

- ‌ هل يؤتى بدعاء الاستفتاح بين التكبير والقراءة

- ‌ الدليل على جواز إخفاء (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة الجهرية

- ‌البحوث

- ‌الوقفة الأولى: حقيقة الفتوى

- ‌الوقفة الثانية: القول على الله بغير علم

- ‌الوقفة الثالثة: الورع عن الفتيا

- ‌الوقفة الرابعة: جواب من سئل وهو لا يعلم

- ‌الوقفة الخامسة: شروط الفتيا

- ‌الوقفة السادسة: نقل الفتيا [فتوى المقلد]:

- ‌الوقفة السابعة: التيسير في الفتوى

- ‌الوقفة الثامنة: تتبع الرخص

- ‌الوقفة التاسعة: الإفتاء بغير المشهور في البلد

- ‌الوقفة العاشرة: جملة وصايا

- ‌معالم نقدية للعبّاد والصوفية

- ‌مقدمة:

- ‌منهج البحث:

- ‌تمهيد في التعريف بالتصوف، ونشأته، وتطوره

- ‌المبحث الأول: الانحراف في منهج التلقي

- ‌المبحث الثاني: دعوى عبادة الله تعالى محبة، لا خوفا، ولا رجاء

- ‌المبحث الثالث: مسألة الشوق إلى لقاء الله تعالى

- ‌المبحث الرابع: مسألة الرضا بالقضاء

- ‌المبحث الخامس: مسألة السماع والغناء

- ‌المبحث السادس: الصلة بين التوكل والأخذ بالأسباب

- ‌المبحث السابع: مفهوم الزهد في الدنيا

- ‌المبحث الثامن: التكلف في العبادة

- ‌المبحث التاسع: مسألة الكرامات والخوارق

- ‌الخاتمة:

- ‌عقد التوريد- رؤية تأصيلية

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول:تعريف العقد لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الثانيتعريف التوريد لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الثالثالألفاظ ذات الصلة بعقد التوريد

- ‌المطلب الأولصيغ عقد التوريد

- ‌المطلب الثانيأنواع عقد التوريد

- ‌المبحث الثالث: حكم عقد التوريد

- ‌المطلب الأولحكم طريقة إبرام عقد التوريد

- ‌المسألة الأولىحكم المناقصة

- ‌المسألة الثانيةحكم الممارسة

- ‌المسألة الثالثةحكم التأمين المباشر

- ‌المطلب الثانيحكم عقد التوريد

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولىحكم عقد التوريد من خلال العقود

- ‌الفرع الأولعقد الاستصناع وعلاقته بعقد التوريد

- ‌الفرع الثاني: عقد السلم

- ‌الفرع الثالثالعقد على الغائب المبيع على الصفة

- ‌الفرع الرابعمسألة الشراء المستمر

- ‌الفرع الخامسمسألة بيع ما يتكرر قطفه

- ‌المسألة الثانيةحكم عقد التوريد من حيث هو عقد مستقل

- ‌تمهيد:

- ‌الفرع الأولحكم عقد التوريد انطلاقا من قاعدة أصل العقود

- ‌الفرع الثانيحكم عقد التوريد من حيث اشتماله

- ‌النقطة الأولىبيع الإنسان ما لا يملك

- ‌النقطة الثانيةالجمع بين البيع والإجارة

- ‌النقطة الثالثةبيع الدين بالدين

- ‌النقطة الرابعةالبيع بسعر السوق

- ‌المبحث الرابع حكم الشرط في عقد التوريد

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأولاشتراط الضمان

- ‌المطلب الثانياشتراط البيع بثمن معين

- ‌المطلب الثالثشرط القصر

- ‌المطلب الرابعالشرط الجزائي

- ‌ملخص البحث وخاتمته

- ‌حضانة الجدة في الفقه الإسلامي

- ‌المقدمة:

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث

- ‌المبحث الأولتعريف الحضانة ووقتها

- ‌المطلب الأول: تعريف الحضانة في اللغة

- ‌المطلب الثاني: الحضانة في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: حق الحضانة

- ‌المطلب الرابع: وقت الحضانة

- ‌المبحث الثانياستحقاق الجدة للحضانة

- ‌ثانيًا: الأدلة الخاصة في حضانة الجدة:

- ‌المبحث الثالثشروط حضانة الجدة

- ‌الشرط الأول: ألاّ تكون الحاضنة زوجًا لأجنبي من الصغير

- ‌الشرط الثاني: أن تكون عاقلة

- ‌الشرط الثالث: أن تكون بالغة

- ‌الشرط الرابع: أن تكون عدلاً

- ‌الشرط الخامس: ألاّ تكون مرتدة

- ‌الشرط السادس: أن تكون حرة

- ‌الشرط السابع: أن تكون قادرة على القيام بشؤون الصغير

- ‌الشرط الثامن: أن تكون خالية من الأمراض المعدية

- ‌الشرط التاسع: أن تكون حضانتها للصغير في مكان آمن

- ‌المبحث الرابعمسقطات حضانة الجدة

- ‌المبحث الخامسالترتيب بين الجدات والأب

- ‌المبحث السادسالترتيب بين الجدات

- ‌المبحث السابعأثر إسقاط الأم حقها من الحضانة على حضانة الجدة

- ‌الخاتمة

- ‌دراسة لقول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}

- ‌المبحث الأول: علاقة الآية بسياقها:

- ‌المطلب الأول: علاقة الآية بسياقها في السورة:

- ‌المطلب الثاني: علاقة الآية بالمكي من القرآن

- ‌المطلب الثالث: علاقة الآية بسياق القرآن

- ‌المبحث الثاني: معاني ألفاظ الآية:

- ‌المبحث الثالث: دلالات التركيب في الآية:

- ‌المبحث الرابع: (معنى الآية والأقوال فيه)

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الوقفة العاشرة: جملة وصايا

وفي جوابٍ آخر قال: "تفريق الناس على الفتاوى فيه تشويش عليهم، وبلبلة لأفكارهم"(1)

وكتب تأنيبًا لمن صدرت منه فتاوى تخالف المشهور المعمول به في البلد؛ وختم الكتاب بقوله: "فنأمل منك بارك الله فيك الكف عن إرباك العامة بفتاوى شاذة أو مرجوحة، ومتى تقدّم إليك من يطلب الفتوى فعليك بالإشارة لهم إلى الجهة المختصة بالفتاوى، ونرجو أن يكون لديك من أسباب احترامك نفسك ما يغنينا عن إجراء ما يوقفك عند حدك"

فتأمل رعاك الله المفسدة الحاصلة من تفريق العامة، والتشويش عليهم، وتشكيكهم في أحكام دينهم قبل أن تتعجل في فتياهم.

(1) المرجع السابق 11/ 34. ') ">

ص: 95

‌الوقفة العاشرة: جملة وصايا

.

ثمت وصايا لمن آتاه الله علمًا، وامتحنه بقصد الخلق إليه استفتاءً:

الوصية الأولى: ما وصى الله به الأولين والآخرين، وكرره حتى للنبيين والمرسلين ألا وهي تقوى الله في السر والعلن؛ فما ثمَّ وصية

ص: 95

أعظم منها، وهي أسُّ الاستقامة؛ وطريق التوفيق بإذن الله {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} .

الوصية الثانية: لزوم الكتاب والسنة؛ علمًا وعملاً وتعليمًا، وحكمًا وتحاكمًا في جميع مناحي الحياة وشؤونها. فهما حبل الله المتين؛ وشريعة رب العالمين، والمنجى بإذن الله من الضلال والانحراف، وقد تكرر التوجيه الرباني لهذا الأصل العظيم:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} ، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} ، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .

وفي حديث جابر رضي الله عنه الطويل في صفة حجه صلى الله عليه وسلم: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ» الحديث.

ص: 96

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» (1)

وعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ رحمه الله: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه لَقِيَهُ فِي الطَّوَافِ، فَقَالَ لَهُ:"يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ إِنَّكَ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ؛ فَلَا تُفْتِ إِلَاّ بِقُرْآنٍ نَاطِقٍ؛ أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ"(2)

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى مبينًا معنى الاعتصام بالوحي الوارد في النصوص: "وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم، وكشوفاتهم، ومواجيدهم، فمن لم يكن كذلك فهو مُنسلٌ من هذا الاعتصام، فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، علمًا وعملاً، وإخلاصًا، واستعانة، ومتابعة،

(1) المستدرك 1/ 161، ورواه مالك في الموطأ بلاغًا 5/ 1321 برقم 3338. قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى: وهذا أيضًا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد، وروي في ذلك من أخبار الآحاد أحاديث من أحاديث أبي هريرة، وعمرو بن عوف رضي الله عنهما. ثم ساق الخبرين [التمهيد 24/ 331].

(2)

سنن الدارمي 1/ 264، أثر رقم 166.

ص: 97

واستمرارًا على ذلك إلى يوم القيامة" (1)

الوصية الثالثة: التماس رضا الله سبحانه وتعالى في إصدار الأحكام؛ والحذر كل الحذر من التماس رضا الخلق بسخط الله؛ وذلك بالحيدة عما دل عليه الدليل الشرعي تحقيقًا لهوى عامة أو خاصة.

قال الله سبحانه وتعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} .

وكَتَبَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها إِلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه:" سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ"» (2)

(1) مدارج السالكين 3/ 242. ') ">

(2)

سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب منه، حديث رقم 2414.

ص: 98

وفي رواية عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رضي الله عنه، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» (1)

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله تعالى بالتشهي، والتخير، وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه، فيعمل به، ويفتي به، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر، والله المستعان"(2)

الوصية الرابعة: لزوم الورع، والكف عن المشتبهات، ففي ذلك صيانة للنفس والمجتمع من غوائل التهاون بالمقاصد الشرعية؛ وتضييع الأحكام.

ومن أجلِّ أبواب الورع وأرفعها قدرًا تعظيم شأن الفتوى وهيبتها، شأن الراسخين من أهل العلم من سلف الأمة (3)

(1) صحيح ابن حبان 1/ 510، حديث رقم 276.

(2)

أعلام الموقعين 6/ 124 - 125. ') ">

(3)

ينظر: ما جاء من حكاية ورع السلف الصالح رحهم الله عن الفتيا في الوقفة الثالثة. ') ">

ص: 99

الوصية الخامسة: محاولة فهم السؤال فهمًا جيدًا وإعمال الفكر فيه؛ والتأني في الجواب، وعدم العجلة، فمن كان هذا دأبه كان حريًا بالتوفيق والتسديد.

قال أبو عثمان الحداد: "ومن تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة"(1)

وقال الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى: "إن الرجل ليسأل عن المسألة ويعجل في الجواب فيصيب فأذمه، ويسأل عن مسألة فيتثبت في الجواب فيخطئ فأحمده"(2)

الوصية السادسة: التوجه إلى الله سبحانه والإلحاح عليه في طلب التوفيق والتسديد لما يوافق الحق في الحكم المسؤول عنه؛ خاصة عند العيِّ، وتشوش الفهم، وانغلاق الذهن، والتباس الحكم.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي لا العلمي المجرد إلى ملهم الصواب؛ ومعلم الخير؛ وهادي القلوب

(1) ينظر: جامع بيان العلم وفضله 2/ 1128، أعلام الموقعين 1/ 36. ') ">

(2)

ينظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 11. ') ">

ص: 100

أن يلهمه الصواب، ويفتح له طريق السداد، ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة، فمتى قرع هذا الباب، فقد قرع باب التوفيق، وما أجدر من أمَّل فضل ربه تعالى أن لا يحرمه إياه، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق".

ثم قال: "وشهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل، واستصعبت عليه، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللَّجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته؛ فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفق لهذا الافتقار علمًا وحالاً، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد؛ فقد أعطي حظه من التوفيق، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق. فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"(1)

الوصية السابعة: نسبة العلم لله سبحانه؛ والاعتراف بمنته عليه

(1) أعلام الموقعين 6/ 67 - 68. ') ">

ص: 101

به. وفي جواب الملائكة الكرام {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} .

الوصية الثامنة: الحرص على التوثق من صحة ما يُذْهبُ إليه بالاستشارة الدائمة للأقران من أهل العلم. وفي المأثور من الحكم: ما خاب من استشار.

الوصية التاسعة: الحذر كل الحذر من الإغراب والتفرد في الفتيا.

وهو من الشذوذ إن لم يكن لقائله مستند من الكتاب، أو السنة. والإغراب مظنة الزلل.

جاء في رواية الميموني عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: "من تكلم في شيء ليس له فيه إمام أخاف عليه الخطأ"(1)

الوصية العاشرة: مراعاة مقاصد الشارع عند النظر في النوازل لئلا تزل قدم بعد ثبوتها بسبب إغفال ما اعتبره الشارع؛ أو اعتبار ما ألغاه ونفاه.

قال الشاطبي رحمه الله تعالى: "فزلة العالم أكثر ما تكون عند الغفلة

(1) ينظر: الآداب الشرعية لابن مفلح 2/ 63. ') ">

ص: 102

عن اعتبار مقاصد الشرع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه" (1)

وربما هدم من كانت هذه حاله قواعد وأصولاً شرعية مرعية بفتوى في أحكام فرعية لم يتثبت فيها.

الوصية الحادية عشرة: لزوم الرفق والأناة، والتواضع للمستفتين، وتقدير أحوالهم، قدوتهم في ذلك من بعثه الله رحمة للعالمين، ووصفه بقوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ، فيصغي للسائل، ولا يُعَنِّفُه، ويقدِّر فهمه ومداركه، وهذا المسلك من أعظم وسائل قبول الحق.

قال الفضيل بن عياض - رحمه الله تعالى -: "إن الله تعالى يحب العالم المتواضع، ويبغض العالم الجبار، ومن تواضع لله ورثه الله الحكمة"(2)

قال الخطيب رحمه الله تعالى:" وينبغي له - أي الفقيه - أن يعود لسانه لين الخطاب، والملاطفة في السؤال والجواب"

(1) الموافقات 4/ 170. ') ">

(2)

ينظر: الفقيه والمتفقه 2/ 230. ') ">

ص: 103

ومن درر الآجري رحمه الله تعالى قوله في صفة العالم إذا عرف بالعلم: "فإذا نشر الله له الذكر عند المؤمنين أنه من أهل العلم، واحتاج الناس إلى ما عنده من العلم، ألزم نفسه التواضع للعالم وغير العالم، فأما تواضعه لمن هو مثله في العلم، فإنها محبة تنبت له في قلوبهم، وأحبوا (1) قربه، وإذا غاب عنهم حنت إليه قلوبهم.

وأما تواضعه للعلماء فواجب عليه إذ أراه العلم ذلك. وأما تواضعه لمن هو دونه في العلم فشرف العلم له عند الله وعند أولي الألباب، وكان من صفته في علمه وصدقه وحسن إرادته يريد الله بعلمه، فمن صفته أنه لا يطلب بعلمه شرف منزلة عند الملوك، ولا يحمله إليهم، صائن للعلم إلا عن أهله، ولا يأخذ على العلم ثمنًا، ولا يستقضي به الحوائج، ولا يقرب أبناء الدنيا، ويباعد الفقراء، ويتجافى عن أبناء الدنيا، يتواضع للفقراء والصالحين ليفيدهم العلم. وإن كان له مجلس قد عرف بالعلم، ألزم نفسه حسن المداراة لمن جالسه، والرفق بمن ساءله، واستعمال الأخلاق الجميلة، ويتجافى عن الأخلاق الدنية.

(1) كذا في المطبوع ولعلها فيحبوا. ') ">

ص: 104

فأما أخلاقه مع مجالسيه: فصبور على من كان ذهنه بطيئا عن الفهم حتى يفهم عنه، صبور على جفاء من جهل عليه حتى يرده بحلم، يؤدب جلساءه بأحسن ما يكون من الأدب، لا يدعهم يخوضون فيما لا يعنيهم، ويأمرهم بالإنصاب مع الاستماع إلى ما ينطق به من العلم. فإن تخطى أحدهم إلى خلق لا يحسن بأهل العلم، لم يجبه في وجهه على جهة التبكيت له. ولكن يقول: لا يحسن بأهل العلم والأدب كذا وكذا، وينبغي لأهل العلم أن يتجافوا عن كذا وكذا، فيكون الفاعل لخلق لا يحسن قد علم أنه المراد بهذا، فيبادر برفقه به، إن سأله منهم سائل عما لا يعنيه رده عنه، وأمره أن يسأل عما يعنيه، فإذا علم أنهم فقراء إلى علم قد غفلوا عنه أبداه إليهم، وأعلمهم شدة فقرهم إليه، لا يعنف السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجره فيضع من قدره، ولكن يبسطه في المسألة ليجبره فيها، قد علم بغيته عما يعنيه، ويحثه على طلب علم الواجبات؛ من علم أداء فرائضه واجتناب محارمه. يقبل على من يعلم أنه محتاج إلى علم ما يسأل عنه، ويترك من يعلم أنه يريد الجدل والمراء، يقرب عليهم ما يخافون بعده بالحكمة والموعظة الحسنة. يسكت عن الجاهل حلما، وينشر الحكمة نصحا، فهذه

ص: 105

أخلاقه لأهل مجلسه وما شاكل هذه الأخلاق.

وأما ما يستعمل مع من يسأله عن العلم والفتيا، فإن من صفته إذا سأله سائل عن مسألة؛ فإن كان عنده علم أجاب، وجعل أصله أن الجواب من كتاب أو سنة أو إجماع. فإذا أوردت عليه مسألة قد اختلف فيها أهل العلم اجتهد فيها، فما كان أشبه بالكتاب والسنة والإجماع، ولم يخرج به من قول الصحابة وقول الفقهاء بعدهم قال به، إذا كان موافقا لقول بعض الصحابة وقول بعض أئمة المسلمين قال به. وإن كان رآه مما يخالف به قول الصحابة وقول فقهاء المسلمين حتى يخرج عن قولهم لم يقل به، واتهم رأيه، ووج عليه أن يسأل من هو أعلم منه أو مثله، حتى ينكشف له الحق، ويسأل مولاه أن يوفقه لإصابة الخير والحق. وإذا سئل عن علم لا يعلمه لم يستح أن يقول: لا أعلم. وإذا سئل عن مسألة فعلم أنها من مسائل الشغب، ومما يورث الفتن بين المسلمين، استعفى منها، ورد السائل إلى ما هو أولى به، على أرفق ما يكون.

وإن أفتى بمسألة فعلم أنه أخطأ لم يستنكف أن يرجع عنها. وإن قال قولا فرده عليه غيره - ممن هو أعلم منه أو مثله أو دونه - فعلم أن القول كذلك، رجع عن قوله، وحمده على ذلك وجزاه

ص: 106

خيرا. وإن سئل عن مسألة اشتبه القول عليه فيها قال: سلوا غيري، ولم يتكلف ما لا يتقرر عليه، يحذر من المسائل المحدثات في البدع، لا يصغي إلى أهلها بسمعه، ولا يرضى بمجالسة أهل البدع، ولا يماريهم. أصله الكتاب والسنة، وما كان عليه الصحابة، ومن بعدهم من التابعين، ومن بعدهم من أئمة المسلمين، يأمر بالاتباع، وينهى عن الابتداع. لا يجادل العلماء، ولا يماري السفهاء. همه في تلاوة كلام الله الفهم، وفي سنن الرسول صلى الله عليه وسلم الفقه؛ لئلا يضيع ما لله عليه، وليعلم كيف يتقرب إلى مولاه، مذكر للغافل، معلم للجاهل، يضع الحكمة عند أهلها، ويمنعها من ليس بأهلها، مثله مثل الطبيب: يضع الدواء بحيث يعلم أنه ينفع. فهذه صفته، وما يشبه هذه الأخلاق الشريفة، إذا كان الله عز وجل قد نشر له الذكر بالعلم في قلوب الخلق، فكلما ازداد علما ازداد لله تواضعا، يطلب الرفعة من الله عز وجل، مع شدة حذره من واجب ما يلزمه من العلم". أهـ

وهذا أوان الختم لما تم قصده، والله الهادي إلى سواء

ص: 107

السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ص: 108