الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاوزهم إلى ثلاثة أخر، فإذا هم أشد تغيرا، وأنحل أجساما، فقال: ما الذي بلغكم ما أرى؟ قالوا: الشوق إلى الجنة، قال: مخلوقا اشتقتم، وحق على الله أن يعطيكم ما رجوتم، ثم جاوزهم إلى ثلاثة أخر، فإذا هم أشد تغيرا، وأنحل أجساما، كأن على وجوههم المرايا من النور، فقال: ما الذي بلغكم ما أرى؟ قالوا: حب الله عز وجل، قال: أنتم المقربون، أنتم المقربون، أنتم المقربون» (1)
(1) ينظر: استنشاق نسيم الأنس ضمن مجوع الرسائل 3/ 386، وهو في حلية الأولياء 10/ 7 عن الفضيل بن عياض، وتأثر الصوفية بالديانة النصرانية أمر مستفيض ويراجع مزيد من الأمثلة عليه في: التصوف المنشأ والمصادر 62 - 79، ومظاهر الانحرافات العقدية 1/ 72 - 79، والمصادر العامة للتلقي عند الصوفية 31 - 34.
المبحث الثالث: مسألة الشوق إلى لقاء الله تعالى
الشوق إلى لقاء الله درجة عالية رفيعة؛ تنشأ من قوة المحبة لله عز وجل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله هذه الدرجة، ويقول:«وأسألك الشوق إلى لقائك» (1)
وقد كثر في كلام العباد إخبارهم عن الشوق إلى ربهم (2) وتمني
(1) استنشاق نسيم الأنس 3/ 351، والحديث أوله (اللهم بعلمك الغيب). رواه الإمام أحمد في مسنده 30/ 265 رقم 18325، وفيه تمام تخريجه.
(2)
يقول ابن رجب: "لم يزل أئمة العارفين يثبتون الشوق، ويخبرون به عن أنفسهم". استنشاق نسيم الأنس ضمن مجموع الرسائل 3/ 359، وذكر جملة من أقوالهم في ذلك. راجع: استنشاق نسيم الأنس 3/ 353 - 354، 359.
بعضهم الموت شوقا إلى لقاء الله، ومن المنقول عنهم في ذلك:
ما جاء عن أبي عتبة الخواص (1)(2) أنه قال: كان إخوانكم لقاء الله أحب إليهم من الشهد (3) وتقول رابعة (4) طالت علي الأيام والليالي بالشوق إلى لقاء الله (5) وقال فتح بن شحرف (6) طال شوقي إليك فعجل بالقدوم عليك (7)
وقال السري (8) الشوق أجل مقام العارف إذا تحقق
(1) هو أبو عبيد الخواص الآتي ذكره بعد أسطر.
(2)
هو أبو عبيد الخواص الآتي ذكره بعد أسطر. ') ">
(3)
نقله ابن رجب في شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 129. ') ">
(4)
تقدمت ترجمتها. ') ">
(5)
نقله ابن رجب في شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 129. ') ">
(6)
أبو نصر فتح بن شحرف بن داود الكشي، المتوفى سنة 273 هـ. أخباره في: صفة الصفوة 2/ 643 - 645. ') ">
(7)
ينظر: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 129، وشرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) 181، ويراجع: صفة الصفوة 2/ 644.
(8)
تقدمت ترجمته. ') ">
فيه (1) وكان بعضهم يمشي أبدا على قدميه من الشوق، وكان بعضهم كأنه مخمور من غير شراب (2) وكان أبو عبيدة الخواص (3) يمشي ويضرب على صدره ويقول: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه (4)
وعن إبراهيم بن أدهم (5) أنه قال: اللهم إن كنت أعطيت أحدا من المحبين ما سكنت به قلوبهم قبل لقائك، فأعطني ذلك، فلقد ضر بي القلق.
قال: فنمت، فرأيته تعالى في النوم، فوقفني بين يديه، وقال: يا إبراهيم ما استحييت مني تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك
(1) نقله ابن رجب في شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 129 - 130. ') ">
(2)
ينظر: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 129 - 130. ') ">
(3)
أبو عبيدة عباد بن عباد الخواص. قال ابن الجوزي:"وقد اشتهر بأبي عبيدة، وإنما هو أبو عتبة". أخباره في: صفة الصفوة 4/ 481 - 482.
(4)
ينظر: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 131، وشرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) 181، واستنشاق نسيم الأنس 3/ 360، ويراجع: صفة الصفوة 4/ 481.
(5)
أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور العجلي البلخي، المتوفى سنة 162 هـ. أخباره في: حلية الأولياء 7/ 367 - 8/ 58، وصفة الصفوة 4/ 384 - 389، وسير أعلام النبلاء 7/ 387 - 396.
قبل لقائي؟ وهل يسكن قلب المشتاق إلى غير حبيبه؟ أم كيف يستريح المحب إلى غير من اشتاق إليه؟ فقلت: يا رب تهت في حبك، فلم أدر ما أقول (1)
هذا بعض ما جاء من أقوال في مسألة الشوق إلى الله تعالى، وقد أفاد الحافظ ابن رجب رحمه الله أن الشوق إلى لقاء الله تعالى يتضمن تمني الموت ويستلزمه (2) وأنه أجل مقامات العارفين في الدنيا (3) وأعظم لذة تحصل للعارفين فيها، فمن أنس بالله في الدنيا، واشتاق إلى لقائه، فقد فاز بأعظم لذة يمكن للبشر الوصول إليها في هذه الدار (4)
ومع هذه المنزلة الرفيعة لهذا المقام الجليل إلا أن ابن رجب رحمه الله في معرض حديثه عن أهله أفاد أنهم على طبقتين (5)
(1) نقله ابن رجب في شرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 1/ 181 - 182، واستنشاق نسيم الأنس مجموع 3/ 360.
(2)
ينظر: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 111، 129، وسيأتي قريبا كلام ابن رجب في حكم تمني الموت.
(3)
ينظر: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 129. ') ">
(4)
ينظر: شرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 1/ 157، 181. ') ">
(5)
ينظر: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 131، وشرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 1/ 181، واستنشاق نسيم الأنس 3/ 360.
الطبقة الأولى: من أعطاه الله تعالى بعد بلوغه إلى درجة الشوق إليه الأنس به، والطمأنينة إليه، فسكنت قلوبهم بما كشف لهم من آثار قربه ومشاهدته، وأنسوا بقربه، ووجدوا لذة الأنس به في الذكر والطاعة، وصار عيشهم مع الله في نعيم سرمدي، وطاب لهم السير إليه في الدنيا بالطاعات.
وهذه كانت حال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضوان الله عليهم، وخواص العارفين من أمته.
ومن هؤلاء عند ابن رجب كثير من العارفين، كأبي سليمان الداراني، وأحمد بن الحواري، وذي النون، والجنيد، وغيرهم (1)
وقد سئل الشبلي (2) بماذا تستريح قلوب المحبين والمشتاقين؟ فقال: بسرورهم بمن أحبوه واشتاقوا إليه (3)
(1) ينظر: شرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 1/ 182، وتقدمت تراجم المذكورين. ') ">
(2)
تقدمت ترجمته. ') ">
(3)
ينظر: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 131، وشرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) 1/ 182.
قال ابن رجب: "فهؤلاء كلما أقلقهم الشوق سكنهم الأنس، والقرب، والمشاهدة، كما كان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له تركه الطعام والشراب، واجتهاده في الطاعات في الصيام يقول:«إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني» (1)(2)
والطبقة الثانية: من أقلقه الشوق، ففني اصطباره، وأفضى به إلى القلق والأرق، فقل صبره عن طلب اللقاء، وتمنى الموت.
ومن هؤلاء من سيقت أقوالهم في أول المبحث، كابن أدهم، وأبي عتبة الخواص، ورابعة، وغيرهم.
وقد ذكر ابن رجب رحمه الله أن حكم تمني الموت راجع إلى دوافعه (3) ويجوز عنده تمنيه شوقا إلى لقاء الله، لقوله تعالى:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ،
(1) رواه البخاري بنحوه: كتاب التمني، باب ما يجوز من اللو 1247 رقم 7241، ومسلم 450 رقم 1104.
(2)
شرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 1/ 182. ') ">
(3)
يراجع: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 111 - 112، 129، وشرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) 155 - 159.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأسألك الشوق إلى لقائك، من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة» (1)
قال ابن رجب: "لأن الشوق إلى لقاء الله يستلزم محبة الموت، والموت يقع تمنيه كثيرا من أهل الدنيا؛ بوقوع الضراء المضرة في الدنيا، وإن كان منهيا عنه في الشرع، ويقع من أهل الدين تمنيه؛ لخشية الوقوع في الفتن المضلة.
فسأل – يعني الرسول صلى الله عليه وسلم تمني الموت خاليا من هذين الحالين، وأن يكون ناشئا عن محض محبة الله، والشوق إلى لقائه؛ ولذا قال:«من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة» ، وقد حصل هذا المقام لكثير من السلف" (2)
ومع هذا فقد نبه رحمه الله على أنه كان كثير من الصالحين يتمنى الموت في صحته، فلما نزل به كرهه لشدته، ومن هؤلاء أبو الدرداء رضي الله عنه، وسفيان الثوري رحمه الله، وإذا كانت هذه حال هذين الصالحين، فما الظن بغيرهما؟ (3)
(1) رواه الإمام أحمد في المسند 30/ 265 رقم 18325، وفيه تمام تخريجه.
(2)
شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 129. ') ">
(3)
ينظر: شرح حديث عمار (لبيك بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 1/ 160، ويراجع: شرح حديث (لبيك اللهم لبيك) ضمن مجموع الرسائل 1/ 129، وشرح حديث عمار (اللهم بعلمك الغيب) ضمن مجموع الرسائل 181، 3/ 353، والحلية 1/ 217.