الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(101) الصابئون
(1)
ذكر ابن جرير رحمه الله فيه أقوالاً: فعن مجاهد والحسَن (2): أنهم قوم لا دينَ لهم، وهم بين المجوس واليهود، ولا تؤكل ذبيحتهم. وعن ابن زيد: أنهم على دين من الأديان كانوا بجزيرة المَوصِل، يقولون: لا إله إلا الله، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي. وعن قتادة: أنهم قوم يعبدون الملائكة ويصلّون إلى القبلة، ويقرأون الزبور. وعن أبي العالية (3) وسفيان (4): أنهم قوم من أهل الكتاب (5).
أقول: لا مناقضة بين هذه الأقوال (6)، فإنهم أوّلاً كانوا على دين الحق،
(1) تفسير سورة البقرة: ق 123 - 124، الآية 62 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
(2)
هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري (21 - 110 هـ) من كبار التابعين وسيّد أهل زمانه علماً وعملاً. أبوه مولى زيد بن ثابت وأمه مولاة أم سلمة أم المؤمنين. ابن خلكان 2: 69، النبلاء 4: 563، الأعلام 2:226.
(3)
هو رُفيَع بن مِهران الرِياحي مولاهم البصري الإمام المقرئ المفسّر، من كبار التابعين، أدرك الجاهلية، أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، ودخل على أبي بكر، وصلى خلف عمر وقرأ القرآن عليه وعلى أبي بن كعب. توفي سنة 93، وقيل غيره. النبلاء 4:207.
(4)
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي (97 - 161 هـ) أمير المؤمنين في الحديث وأحد الأئمة المجتهدين، ولد ونشأ بالكوفة، وسكن مكة والمدينة، ثم انتقل إلى البصرة ومات بها. ابن خلكان 386:2، النبلاء 228:7، الأعلام 3:104.
(5)
انظر تفسيره 2: 145 - 147. وانظر في مذهبهم وفرقهم الفرست 383 - 391 والملل والنحل للشهرستاني: 259.
(6)
كيف لا؟ وقد ذهب مجاهد والحسن إلى أنهم لا دين لهم، وعن أبي العالية وسفيان أنهم قوم من أهل الكتاب، ويقول ابن زيد إنهم يقولون لا إله إلا الله. والقول الأول يردّه السياق القرآني حيث جاء اسمهم بين اليهود والنصارى في سورة المائدة: 69 وسورة الحج: 17 وبعدهم في سورة البقرة: 62. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولعل منشأ هذا التناقض أنّ الأقوال المذكورة لم تصدر عن مخالطة للصابئة واطلاع على ديانتهم ولا نظر في كتبهم التي هي في اللغة الآرامية، ثم كثرةُ فرقهم، واختلافُ مذاهبهم، وإخفاؤهم لتعاليمهم. وفي العصر الحاضر أجريت دراسات كثيرة في هذه الديانة حتى إنه قد ظهر في أوروبا بين عامي 1930 و1960 مائة واثنان وأربعون كتاباً. ثم ترجمت عدة من الكتب المندائية إلى اللغات الأوروبية. وأهمها ما يسمّى بالكتاب الكبير أو كتاب آدم (سيدرا آدم أو كنزا ربا) وتعاليم يحيى بن زكريا (دراشا أديهيا). ونلخص هنا عقيدتهم مما كتبته مؤلفة صابئة في كتابها (مفاهيم صابئية مندائية) في ضوء كتبهم والدراسات الحديثة:
1 -
فهم يعتقدون بوحدانية الله الحي الخالق الأزلي الأبدي. ويتنزهون عن عبادة الأوثان والأصنام وعن السجود للشمس والقمر والكواكب وأمثالها.
2 -
وبأن نفس الإنسان خالدة لأنها نفحة من نفحات الخالق، وهي عائدة إليه ومتحدة به في حياة باقية خالدة. ويشير رودولف في كتابه المندائية إلى أنهم يعتقدون بيوم الدينونة حيث تكون الجنة من نصيب الصالحين وتكون النار من نصيب الأشرار.
3 -
وأنه بإمكان هذه النفحة السماوية أي نفس الإنسان أن تتحرر من مادية الجسد عن طريق المعرفة أو الكلام الرباني الذي يأتيها وحياً أو إلهاماً أو فيضاً سماوياً.
4 -
وبأن أولئك المختارين الذين يؤتون العلم يكونون معلمين وهادين وأنبياء وأن آدم هو أول من أتاه العلم والكتاب، ودينه أول دين عرفته البشرية ودان به الصابئة المندائيون، وتلاه الأنبياء الآخرون. منهم شيث بن آدم "الغرس الطيب الذي يمثل الكمال الإنساني" ومنهم نوح وابنه سام، وإبراهيم. أما رسالة يحيى بن زكريا فهي عندهم "أعظم رسالة جاءت بعد آدم وأولاده". وأن التعاليم التي ما زالت لديهم إنما هي بعض الذي جاء به هؤلاء المصطفون القدامى من اّدم وشيث ويحيى! (ص 90 - 106).
وأهم شعائرهم التعميد والصلاة التي تشمل الوضوء أو الرسم بالماء والتبريكات. والصابئي يتوضأ ثلاث مرات يومياً ويجوز اختصارها إلى مرتين بكرة وعشيا ويتلو أثناء الوضوء أدعية، ثم يقف المصلي متجهاً إلى الشمال لأنها باعتقادهم مقترنة بالأعالي أو السموات العلية حيث المكان المقدس الذي تزجى إليه نفوس الصالحين، وينحني كلّما ذكر كلمة السجود، والصلاة تعني ذكر الله مع التسبيح والتبريك والحمد والدعاء والاستغفار. ومن شعائرهم الصدقة والصوم الذي يعني الامتناع من أكل اللحوم فقط في أيام معينة من السنة يبلغ مجموعها ثلاثة وثلاثين يوماً. ولهم طرق خاصة في الزواج والذبح والجنائز (ص 107 - 144).