المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمة الثانية في الأصول اللسانية - مفردات القرآن للفراهي

[عبد الحميد الفراهي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌(1) مصادر الترجمة:

- ‌(2) اسمه ونسبه ومولده:

- ‌(3) شيوخه ورحلاته في طلب العلم:

- ‌(4) مناصبه وأعماله التعليمية والإدارية:

- ‌(5) صفاته وأخلاقه:

- ‌(6) ثقافته وعلومه:

- ‌(7) تلامذته:

- ‌(8) مصنفاته:

- ‌أولاً: الآثار المطبوعة:

- ‌ثانياً: الآثار المخطوطة:

- ‌(9) وفاته وثناء العلماء عليه:

- ‌كتاب مفردات القرآن

- ‌(1) كتب غريب القرآن قبل الفراهي:

- ‌(2) كتاب المفردات: أسباب التأليف ومقاصده:

- ‌(3) هل أنجز التأليف

- ‌أولاً: المقدمات:

- ‌ثانياً: عدد الألفاظ:

- ‌ثالثاً: تفسير الألفاظ:

- ‌(4) منهج الكتاب:

- ‌(5) القيمة العلمية للكتاب:

- ‌المثال الأول: كلمة الآلاء:

- ‌المثال الثاني: كلمة العصر:

- ‌المثال الثالث: كلمة الدرس:

- ‌(6) النشرة الأولى للكتاب:

- ‌(7) الأصل المخطوط:

- ‌(8) عملي في الكتاب:

- ‌روابط الكتب الخمسة

- ‌مفردات القرآن

- ‌المقدمة الأولى في مقصد الكتاب وحاجتنا إليه

- ‌المقدمة الثانية في الأصول اللسانية

- ‌تذكرة

- ‌المقدمة الثالثة في كون القرآن خالياً عن الغريب

- ‌تذكرة:

- ‌في ألفاظ القرآن

- ‌العام والخاص

- ‌الحروف المقطعات

- ‌(1) الآل

- ‌(2) الآلاء

- ‌(3) الآية

- ‌(4) الأبابيل

- ‌(5) أَتَى يَأتي

- ‌(6) أحوَى

- ‌ومن شواهد الأحوى:

- ‌(7) الإسلام

- ‌(8) إلَاّ

- ‌(9) أنْ

- ‌(10) الإيمان

- ‌(11) تنازع

- ‌(12) الحُبُك

- ‌(13) حَرْد

- ‌(14) الحَقّ

- ‌(15) الحُكْم وَالحِكْمَة

- ‌(16) خاتمَ النبيين

- ‌(17) درس

- ‌(18) الرحمن

- ‌(19) الزكاة

- ‌(20) س وسَوْفَ

- ‌(21) سَارِبٌ

- ‌(22) السَّعْي

- ‌(23) السُّنَّة

- ‌(24) الشهيد

- ‌(25) الشوَى

- ‌(26) الصبر والشكر

- ‌(27) الصدقة

- ‌(28) الصفح

- ‌(29) الصلاة

- ‌(30) الضريع

- ‌(31) الطوفان

- ‌(32) العَرْش

- ‌(33) العشي

- ‌(34) العصر

- ‌(35) غثاء

- ‌(36) القُرْبان

- ‌(37) الكِتاب

- ‌(38) كشَفَ عَنْ سَاقِه

- ‌(39) لا

- ‌(40) لَعَلّ

- ‌(41) اللعنة

- ‌(42) مَن

- ‌(43) وَرِيد

- ‌(44) يثرب

- ‌الملحق الأول زيادات المطبوعة

- ‌(45) الأبّ

- ‌(46) الأبتر

- ‌(47) ابن الله والربّ والأب

- ‌المزمور 82

- ‌ترجمتهم الباطلة

- ‌الترجمة الصحيحة

- ‌(48) الاتِّقَاء

- ‌(49) إنَّ اللهَ مَعَنَا

- ‌(50) أهل البَيْت

- ‌(51) البِرّ

- ‌(52) التكذيب

- ‌(53) التّين

- ‌(54) الجَنَّة

- ‌(55) الحُكم والحِكمة والصالح

- ‌(56) الذِكر

- ‌(58) سَبَّحَ

- ‌(59) سُبْحَانَكَ

- ‌(60) سَفَرَة

- ‌(61) الشَّيْطَانُ

- ‌(62) الصبر

- ‌(63) الصُّحُف

- ‌(64) صرَّة

- ‌(65) الصَّغْو

- ‌(66) الظنّ

- ‌(67) الغيب

- ‌(68) الفتنة

- ‌(69) الفكر والذكر والآية

- ‌(70) قَاتَلَ واقتَتَلَ

- ‌(71) كفر

- ‌(72) الكوثر

- ‌(74) مُصدِّقاً لِما بَيْن يَدَيْهِ

- ‌(75) مكّة

- ‌(76) المَنّ

- ‌(77) النصارى

- ‌(78) هَادُوا

- ‌(79) هدى

- ‌الملحق الثاني زيادات هذه الطبعة

- ‌(82) أحْصَنَتْ فرْجَها

- ‌(83) إسرائيل

- ‌(84) أغْنَى وأَقْنَى

- ‌(85) أفلح

- ‌(86) الإنجيل

- ‌(87) الإنفاق

- ‌(88) البارئ

- ‌(89) بَدَّلَ

- ‌(90) جَهْرَةً

- ‌(91) الجِيد

- ‌(92) الحِجَارة

- ‌(93) ختَمَ

- ‌(94) الخَلْق

- ‌(95) ذلك الكتاب

- ‌(96) الرجز

- ‌(97) الركوع

- ‌(98) الريب

- ‌(99) الزيتون

- ‌(100) السَّلوى

- ‌(101) الصابئون

- ‌(102) الصوم

- ‌(103) ضُرِبَتْ عَليهم الذِّلَّةُ

- ‌(104) طور سنين

- ‌(105) الطير

- ‌(106) الفرقان

- ‌(107) الفِسْق

- ‌(108) الفُوم

- ‌(109) القضْب

- ‌(110) القول

- ‌(111) كفات

- ‌(112) الكَيد

- ‌(113) المرض

- ‌(114) المسد

- ‌(115) المسكنة

- ‌(116) مَكين

- ‌(117) الملائكة

- ‌(118) المهيمن

- ‌(119) موسى

- ‌(120) النهر

- ‌(121) يطيقون

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌أولاً: العربية

- ‌المجلات:

- ‌ثانياً: الأجنبية:

- ‌الفهارس العامة

الفصل: ‌المقدمة الثانية في الأصول اللسانية

‌المقدمة الثانية في الأصول اللسانية

فنقسم أولاً مواضع الوهم من الكلمة أو الكلام:

فأولها المشكلة (1) على غير العرب أو العارف بلغتهم. والمشكلة نوعان: الأول: ما لم يتبيّن لهم معناه فأخطأوا أصل الأمر. والثاني: ما لم يتبيّن لهم الأمورُ المتعلقة به من الأحوال الصحيحة، فصارت الكلمة غيرَ دالّة على ما أريد منها.

ثم أمرُ المشتركة بين معنيَين أو أكثر. ولا يُهتدى إلى المعنى المراد في موضع خاص إلا بسياق الكلام (1) وموقعه (2)، واختيار (3) ما كان أحسن تأويلاً، مثلاً "المثاني" لفظ مشترك بين الآيات وغيرها (2). فإذا علمتَ من استعمالات العرب اشتراكَ لفظ فتأمّل فيه.

(1) وضع المؤلف في الأصل فوق (المشكلة، والمشتركة، وجامعة المعاني، والمرادفة) الأرقام 1، 2، 3، 4 على الترتيب.

(2)

وجدت حاشية للمؤلف في نسخته من لسان العرب (ثنى) قال فيها: "المثاني كالقوافي، وكانوا يسمون القوافي مفاصل، وكذلك المثاني هي المفاصل، ولكن خصوا المثاني بآيات القرآن، ثم سمّوا الشعر قافية، فكذلك سمّيت الآيات بالمثاني، إلا أنه لا واحد لها. الشواهد على ما قلنا ذكرتها في كتابنا (مفردات القرآن) ". لم أجد هذه الكلمة في مسودة المفردات، إلاّ أنني رأيت المؤلف يُعلم على الأبيات التي وردت فيها كلمة المثاني للحبال نحو قول شبيب بن البرصاء (المفضليات؛ التقدم 1:72، دار المعارف 171):

فلا وصل إلا أَن تُقرّب بيننا

قلائصُ يجذبن المثانيَ عُوجُ

ص: 100

والمشترك نوعان: لا جامعَ بين معانيه، أو جامعٌ ذُهِلَ عنه. فإن لم يُذهَل عنه فالكلمة جامعة المعاني. فربما يكون المراد بها معناها الوسيعَ الجامعَ، وربما يُراد بها طرف خاصّ من غير نظر إلى المعنى الجامع، فحينئذٍ تكون حالُه حالَ المشتركة. والدليلُ ليس إلا موقع الكلمة وجهة رباطها، مثل كلمة "آية"، فهي كلمة جامعة لكلّ ما يدلّ على شيء، وربما تستعمل للمعجزة (1).

ثم المرادفة لغيرها. وهي قسمان: المطابق لمرادفه (2) من جميع الوجوه. وهذا قليل جدّاً. والثاني ما يوافقه من بعض الوجوه. وهذا كثير جدّاً، وفيه معظم الوهم، فربما يظنّونهما متحدتين، وكثيراً ما يكون بينهما فرق لطيف لا يفطن به (3) غيرُ الممارس باللسان، فيلتبس (4) عليه بعض معاني الكلام، مثلاً لفظ "الفزع" أوّل كلمة شرحها صاحب الكامل (5) رحمه الله، وأخطأ فيه (6)،

(1) انظر كلمة (الآية) في هذا الكتاب ص 134.

(2)

في الأصل: "بمرادفه" سهو. وكذا في المطبوعة.

(3)

في المطبوعة: "له"، وما في الأصل صواب، فإنّ (فطن) يتعدى بالباء واللام وإلى جميعاً، انظر القاموس (فطن).

(4)

في الأصل: "فألبس"، وما أثبتناه من المطبوعة.

(5)

هو محمد بن يزيد المبرّد الثُّمالي الأزْدي البصري، أبو العباس النحوي اللغوي الأديب. مولده بالبصرة ووفاته ببغداد (210 - 285 هـ). معجم الأدباء 6: 2678، ابن خلكان 4: 313، الأعلام 7: 144، معجم المؤلفين 12:114.

(6)

قال في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: "إنكم لتكثرُون عند الفزَع وتقِلُّون عند الطمع"(الكامل: 3): "الفزع في كلام العرب على وجهين: أحدهما ما تستعمله العامة تريد به الذعر. والآخر: الاستنجاد والاستصراخ، من ذلك قول سلامة بن جندل:

كنّا إذا ما أتانا صارخٌ فزِعٌ

كان الصراخُ له قرعَ الظنابيبِ

يقول: إذا أتانا مستغيث كانت إغاثته الجدّ في نصرته

ويشتق من هذا المعنى أن يقع (فزع) في معنى أغاث، كما قال الكَلْحَبَة اليربوعي:

فقلتُ لكأسٍ ألجميها فإنّما

حللتُ الكثيبَ من زَرودَ لأفزعا

يقول: لأغيث. وكأس اسم جارية، وإنما أمرها بإلجام فرسه ليغيث".

وقال الأزهري (ت 370 هـ) في تهذيب اللغة (2: 146): "العرب تجعل الفزع فرقاً، =

ص: 101

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وتجعله إغاثةً للفزع المروّع، وتجعله استغاثة. فأما الفزع بمعنى الاستغاثة، فإنه جاء في الحديث أنه فزع أهل المدينة ليلاً فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرساً لأبي طلحة عرياً، فلما رجع قال: لن تراعوا، إني وجدته بحراً. معنى قوله فزع أهل المدينة: أي استصرخوا وظنوا أن عدواً أحاط بهم". وقد ردّ علي بن حمزة البصري (ت 375 هـ) على المبرد ردّاً شديداً في تنبيهاته (ص 91) فقال: "أكثر هذا الكلام فاسد، وهو كلام متخبط لم يعرف حقيقة الفزع

وقد تخبط في هذا الحرف قبل أبي العباس وبعده جماعة من الرواة كل واحد منهم أضبط من أبي العباس، ولم يغن عنهم ضبطهم فيه شيئاً". ثم قال: "الفزع في كلام العرب على معنيين، وكذلك الإفزاع أيضاً على معنيين، فأحد معنيي الفزع الخوف

ومن هذا الفزع الخوف قول سلامة بن جندل الذى أنشده أبو العباس: (كنا إذا ما أتانا صارخ فزع) يريد خائفاً مستغيثاً مستنصراً، وهذه كلها صفات الخائف. وأما المعنى الآخر من الفزع والإفزاع هو الإغاثة. تقول: فزع فلان فلاناً، إذا أغاثه، ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم ذكره. وقد أوضح هذا وأبانه الشماخ، وقد وصف إبلاً فقال:

إذا دعت غوثها ضرّاتُها فزعت

أطباقُ نيّ على الأثباج منضودِ

يقول: إذا قلّ لبن ضراتها نصرتها الشحوم التي على ظهورها فأمدّتها باللبن

ومن هذا قول الكلحبة اليربوعي الذي أنشده أبو العباس ولم يتأت لتلخيصه وروايته

وقد قالوا في الإفزاع: فزعت إلى فلان فأفزعني أي لجأت إليه فنصرني، وقالوا أيضاً: فزعني فزعاً أي نصرني والأول أعلى".

وقد غلّط البطليوسي (ت 521 هـ) أيضاً أبا العباس في طرره على الكامل فقال (القرط: 196): "هذا غلط من أبي العباس، لأنه أوهم أنه جاء بوجهين، وهما واحد في الحقيقة لأن الاستنجاد والاستصراخ هما من الذعر، ثم قال: (ويشتق من هذا المعنى) فأوهم أنه معنى ثالث، وهذا كله تخليط، وإنما كان يجب أن يقول: إن الفزع في كلام العرب على وجهين: أحدهما الذعر، والآخر الإغاثة والنصر، ثم ينشد بيت سلامة شاهداً على المعنى الأول، وبيت الكلحبة شاهداً على المعنى الثاني، وإنما غلّط أبا العباس في هذا أنه رأى العرب تقول: فزعت إلى فلان، فتوهمه وجهاً آخر غير الذعر، وكذلك فزعت إلى الله، وهذا كله راجع إلى معنى الذعر".

وجعل ابن فارس (ت 395 هـ) في المقاييس (4: 501) مادة فزع أصلين صحيحين "أحدهما الذعر، والآخر الإغاثة" وجعل الحديث المذكور وقول الكلحبة وقول سلامة كل ذلك من الإغاثة! =

ص: 102

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال أبو عبيد الهروي (ت 401 هـ) في تفسير الحديث: "الفزع: الخوف في الأصل، فوضع موضع الإغاثة والنصر، لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم مراقب حذِر"(النهاية 3: 443).

وقال الراغب (ت 412 هـ) في المفردات (ص 635): "الفزع: انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع، ولا يقال: فزعت من الله، كما يقال: خفت منه

ويقال: فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع. وفزع له: أغاثه. وقول الشاعر (كنا إذا ما أتانا صارخ فزع) أي صارخ أصابه فزع، ومن فسّره بأن معناه المستغيث فإن ذلك تفسير للمقصود من الكلام، لا للفظ الفزع".

وأرى الهروي والراغب قد قاربا الصواب، فالفزع أصل واحد (لا أصلان كما قال ابن فارس) وهو الذعر أو قريب منه، فإذا فزع أحد، لما حزبه أمر أو أخافه عدو ولجأ إلى رجال قبيلته، فزعوا لنجدته، فيذهب سكونهم ووقارهم الذي كانوا عليه، ويهبّون مضطربين حذرين، فيكونون هم أيضاً في حالة من الفزع. فقولهم:"فزع له" ليس بمعنى أغاثه تماماً، بل قام فزعاً لإغاثته، والفزع باقٍ على معناه. وكذلك "فزع إليه" تضمّن معنى لجأ، وقد دلّ عليه حرف الجرّ (إلى)، والفزع على معناه. أما أفزعه فالهمزة فيه للتعدية، وقد جاءت أيضاً لسلب المأخذ، ويتبين ذلك من السياق. ويكون المعنى: أزال فزعه، وهو الذي توهموه بمعنى الإغاثة. وكذلك فزّع عنه أي كشف عنه الفزع، هذا هو الأصل، وقد يأتي "فزع" بمعنى الإغاثة على التجريد أو الاستعارة كما في قول الشماخ.

أما قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع" فالفزع فيه بمعناه، أي إذا أصاب المسلمين فزع كإحاطة العدوِّ بهم مثلاً، فلا يتخفى الأنصار خوفاً من العدوّ، بل يظهرون من بيوتهم ويكثرون، ويقاتلون، فأما إذا ذهب الفزع وانهزم العدوّ، وقسّمت الغنائم فينكشفون ويقلّون ولا يزدحمون طمعاً فيها. فقابل النبي صلى الله عليه وسلم كثرتهم في مواقع الفزع بقلتهم في مواقع الطمع. وفي هذا المعنى قول عنترة من معلقته:

يخبركِ من شهد الوقيعة أنني

أغشى الوغى وأعفّ عند المغنمِ

ويبيّن معنى الفزع هذا قول الراعي:

إذا ما فزِعنا أو دُعِينا لنجدةٍ

لبسنا عليهنّ الحديد المسرّدا

أي إذا أصابنا فزع كهجوم العدوّ مثلاً، وقد غلط من فسّر (فزعنا) هنا بمعنى أغَثْنا (اللسان - فزع) فلو أراد (أغثْنا) لم يكن لما عطفه عليه (دُعينا لنجدة) معنًى.

ويشبه الفزع في تطوره هذا (صرخ) فقيل: إنه من الأضداد، إغاثة واستغاثة والحق أن=

ص: 103

وكذلك الأزهري (1)، وألبس على الناس بلاغة آية [51 من سبأ](2).

ومِن أنفع شيء في هذا البابِ معرفةُ تفسيرِ الصحابة والتابعين فإنّهم كثيراً ما فسَّروا كلمةً بمرادفها حسبَما أريدَ في موضع خاص، وظنّ المتأخرون أنّهما متّحدان ومتطابقان من جميعِ الوجوه، فأخطأوا صحيحَ معنى الكلمة. وهذا يقع كثيراً في تفسير كلمةٍ جامعةٍ، فإنّهم يفسِّرونها بلفظٍ مرادفٍ لها ببعض الوجوه، مثلاً "توفاه الله" تفسيرُه: أماته الله (3) فتظنهما متطابقتين، وهو وهم، فإن

= الصراخ أصل واحد (وأصاب هنا ابن فارس) وكان الرجل منهم إذا فزع صرخ منادياً من يغيثه، فيصرخ السامع أيضاً في إجابته للداعي، فكلاهما صرخ: هذا مغيثاً وذلك مستغيثاً.

هذا ونقل الزبيدي قول المبرد في الكامل على هذا النحو: "أصل الفزع: الخوف ثم كنى به عن خروج الناس بسرعة لدفع عدوّ ونحوه إذا جاءهم بغتةً، وصار حقيقة فيه" ثم قال: "ونسبه شيخنا إلى الراغب وليس له"(التاج - فزع) قلت: لم أجد هذا النص في مطبوعة الكامل.

(1)

هو محمد بن أحمد الأزهري الهروي أبو منصور اللغوى الفقيه الشافعي (282 - 370 هـ) معجم الأدباء 5: 2321، ابن خلكان 4:334، الأعلام: 5: 311، معجم المؤلفين: 8: 230. وقد نقلنا تفسيره للفزع في الحاشية السابقة.

(2)

وهو قوله تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} لم يتكلم المبرد على هذه الآية، ولكن أسلوبه في تفسير الفزع وخاصة قوله (أحدهما ما تستعمله العامة تريد به الذعر) يوهم القارئ أن الفزع في كلام الله لا يكون إلاّ بمعنى الإغاثة أو الاستغاثة، وقد يفسر الفزع في هذه الآية بمعنى استغاثوا. وقد كشف المؤلف عن بلاغة الآية الكريمة في موضع آخر فقال:"والبلاغة القصوى التي يحسر دونها الوصف ويضيق العقل عن إحاطتها في قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا} فأرادوا الفرار {فلا فوت} أي لم يمكنهم أن يفلتوا {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} فمن فهم معنى الآيتين صُوِّرت بين يديه جماعةٌ، أولاً فزعوا، فأرادوا الفرار، فلم يمكنهم الإفلات، بل أخذوا على مكانهم، فلما يئسوا قالوا: آمنا، ولات حين الإيمان، فإن وقت الإيمان كان بالغيب، في حياتهم الأولى، وقد فَاتهم الآن، وبعُد عنهم مكاناً، فيمدُّون إليه أيديهم كالمتناوش لِما بعُد عنه، فأنَّى له ذاك! ".

(3)

انظر الإتقان 8:2 قال ابن عباس رضي الله عنهما: {مُتَوَفِّيكَ} سورة آل عمران، الآية: 55 "مُمِيتُك".

ص: 104