الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفيسة تخلو منها الكتب الأخرى، فهو -على صغر حجمه وقلة مادته- يعد من أفضل الكتب المصنفة في بابه.
وتبرز قيمة الكتاب وميزته في جوانب كثيرة منها:
1 -
مقدماته التي تناول فيها مسائل مهمة تتعلق بلغة القرآن.
2 -
منهجه في تفسير الألفاظ.
3 -
تفسيرات جديدة لبعض الألفاظ.
4 -
الكشف عن أصول جديدة ترجع إليها مشتقات المواد اللغوية.
5 -
بيان التطور اللغوي لبعض الألفاظ.
6 -
العلاقات المعنوية بين الألفاظ التي قرن بعضها ببعض في كتاب الله.
7 -
تأصيل الكلمات التي زعم الطاعنون أن القرآن أخذها من اليهود والنصارى.
8 -
الآراء اللغوية المنثورة في الإبدال وغيره.
9 -
الشواهد الشعرية الجديدة.
10 -
تفسير لبعض الشعر القديم خلافاً للشراح جميعاً.
ولكن القيمة الكبرى للكتاب عندي في المنهج الذي سلكه المؤلف في دراسة الألفاظ، فإن هذا المنهج هو الذي هداه في تفسير بعض المفردات القرآنية إلى النتائج التي ينشرح لها الصدر، وينجلي بها الغموض، فيتعين معنى النص، ويضيء السياق.
ولكي تتضح القيمة العلمية لكتاب المفردات، ويتبين ما يضيفه إلى الدراسات القرآنية والمعجم العربي من نظرات جديدة في تحقيق بعض الألفاظ، نورد ثلاثة نماذج من الكتاب:
المثال الأول: كلمة الآلاء:
- قد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم 34 مرة: مرتين في سورة الأعراف (69، 74) ومرة واحدة في سورة النجم (55) والمواضع الباقية في سورة الرحمن. وأجمع أهل اللغة وعامة المفسرين على أن معناها: النعم،
ولكن الإمام الفراهي رحمه الله يقول إن القرآن وكلام العرب كلاهما يأبى هذا المعنى. والظاهر عنده أن معناه: "الفعال العجيبة، ولما كان غالب فعال الله تعالى الرحمة ظنوا أن الآلاء هي النعم، والرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما حملتهم على هذا، ولكن السلف إذا سئلوا أجابوا حسب السؤال والمراد المخصوص في موضع مسؤول عنه". وقال في موضع آخر: "
…
ولما كانت الرحمة من أغلب شؤون الرب عز وجل غلب استعمال هذا اللفظ في معنى النعم، ولكن العربي القح هو الأول، وبه نزل القرآن".
فكلمة الآلاء عند الفراهي تشمل في أصل معناها عجائب لطف الله تعالى وبطشه وقدرته، والنعمة ليست إلا وجهاً واحداً من وجوه معناها، وقد غلب هذا الوجه على الكلمة فيما بعد لأن غالب أفعال الله تعالى من الرحمة والنعمة.
وقد استدل المؤلف على ما ذهب إليه بالقرآن الكريم وكلام العرب، أما القرآن فقد جاء قوله تعالى في سورة النجم {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} بعد ذكر إهلاك الأقوام، وفي سورة الرحمن جاءت الآية الكريمة {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في خلال وصف يوم القيامة وعذاب جهنم في الآيات (33 - 45) آخرها قوله تعالى:{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} . وقد أشكل هذا الموضع على المفسرين فتعسفوا في تأويله بأن ذكر جهنم والإنذار من العذاب من النعم لكونه زاجراً عن الشرك والمعاصي.
وقد فطن بعض أهل التفسر قديماً بأن هذه الكلمة ليست في الأصل بمعنى النعمة، فروى الإمام الطبري عن ابن زيد أنه قال:"الآلاء: القدرة". ولكن الغريب أن الطبري رحمه الله أورد هذا القول ضمن الروايات التي احتج بها على معنى النعم، ثم التزم تفسيرها بالنعم في جميع المواضع إلا واحداً، وهو بعد قوله تعالى في سورة الرحمن:{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)} ، فقال في تفسيرها:"يقول تعالى ذكره: فبأي قدرة ربكما معشر الجن والإنس على ما أخبركم بأنه فاعل بكم تكذبان؟ " وواضح هنا أن الطبري رحمه الله لاحظ أن
معنى النعم لا يستقيم في هذه الآية، ففسّرها بالقدرة.
وقد تساءل العلامة فخر الدين الرازي مرة بعد أخرى في تفسير الآية حينما جاءت بعد ذكر عجائب خلق الله وقدرته ثم أجاب من وجوه منها: "أن الآية مذكورة لبيان القدرة لا لبيان النعمة". وقال في موضع آخر: "وفي الجواب قولان
…
الثاني أن نقول: هذه بيان عجائب الله تعالى لا بيان النعم".
أما كلام العرب فاستدل المؤلف بثمانية شواهد منها قول طرفة بن العبد يمدح الحارث بن همام بن مرة رئيس بني بكر:
كاملٍ يحمل آلاء الفتى
…
نبَهٍ سيد سادات خِضَم
ومنها قول الأجدع الهمداني يصف فرسه.
ورضيتُ آلاءَ الكميت فمن يُبع .. فرساً فليس جوادنا بمباع
وقد انتقد المؤلف الجوهري بأنه فسر كلمة الآلاء في بيت الهمداني بمعنى الخصال الجميلة في مادة (بيع)، ولكنه لم يثبت على هذا المعنى الذي هو أصله، وفسر الآلاء في مادة (ألا) بمعنى النعم. قلت: وقد فسر بذلك قبل الجوهري الأخفش الأصغر (ت 315 هـ) في الاختيارين فقال: "آلاؤه: خصاله الصالحة التي فيه". وهكذا فسر شارح ديوان الخنساء قولها:
فبكّي أخاكِ لآلائه
…
إذا المجد ضيّعه السائسونا
فقال: "لآلائه أي لغنائه وبلائه ومجده".
ومن شواهد المؤلف قول فضالة بن زيد العدواني وهو من المعمرين:
وفي الفقر ذلّ للرقاب وقلما
…
رأيتُ فقيراً غيرِ نكسٍ مذممِ
يلام وإن كان الصواب بكفه
…
ويُحمد آلاءُ البخيلِ المدرهَمِ
يقول المؤلف: "أي يحمدون صفات البخيل وفعاله. وهذا البيت أوضح دلالة مما ذكرنا قبله على معنى الآلاء".