الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(48) الاتِّقَاء
(1)
الاتّقاء: افتعال من: وقَى يقِي، فالمجرّد يتعدّى إلى مفعولين، كما قال تعالى:{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} (2).
أي حفظهم عنه.
وأما الافتعال منه فيتعدى إلى مفعول واحد، اتقيت الشر: تحفّظت منه، اتقيت السيف بالتُّرس: جعلتَه حاجزاً بينك وبين السيف. قال تعالى:
{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (3).
قال النابغة:
سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إسْقَاطَهُ
…
فَتَنَاوَلَتْهُ واتَقَتْنَا بِالْيَدِ (4)
وفي الحديث:
"اتَقُوا (5) النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"(6).
أي التمِسوا وقايةً من النار، ولو بشِقّ تمرةٍ تُعطوها (7) الفقراءَ.
(1) تفسير سورة البقرة: ق 20 - 22، والمطبوعة:19.
(2)
سورة الإنسان، الآية:11.
(3)
سورة الزمر، الآية:24.
(4)
البيت من قصيدته في وصف المتجردة، في ديوانه:93. والنصيف: الخِمار.
(5)
في المطبوعة: واتقوا.
(6)
أخرجه البخاري عن عدي بن حاتم في كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، وكتاب الأدب، باب طيب الكلام. ومسلم عنه في كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة. انظر الفتح 3: 283 و10:449، والنووي 7: 107 وانظر النهاية 2: 491.
(7)
الأصل: تُعطونَها. قال ابن مالك: "حذفُ نون الرفع في موضع الرفع لمجرد التخفيف، ثابتٌ في الكلام الفصيح، نثرِه ونظمِه". شواهد التوضيح: 171.
وربّما يُراد به -على التجريد- محضُ جعل الشيء من القدّام كالحاجز كما قال امرؤ القيس:
تَصدُّ وتُبْدِي عَن أَسِيلٍ وتَتَّقِي
…
بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ (1)
فجرّد عن مفهوم الخوف، وهو قليل. فإنّ الاتقاء في أصل معناه يكون من خوف ضرر. وعلى هذا يأتي على أربعة أوجه:
(1)
الأول هو التحفظ عما يخاف الضرر منه، كما في قوله تعالى:
{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (2).
أيضاً:
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} (3).
(2)
والثاني هو الخوف من شرّ، كما في قوله تعالى:
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (4).
أيضاً:
{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (5).
أيضاً:
(1) البيت من معلقته في الديوان: 16 وشرح ابن الأنباري: 59. والبيت وحده في اللسان (وجر) وَجْرة: نقل ياقوت عن الحازمي أنها على جادّة البصرة إلى مكة، منها يحرم أكثر الحجاج. وهي سرّة نجد ستون ميلاً كثيرة الوحش (362:5). وانظر معجم السيرة: 205. مُطفل: ذات طفل. أسيل: خد أسيل.
(2)
سورة آل عمران، الآية:28.
(3)
سورة المزمل، الآية:17.
(4)
سورة الأنفال، الآية:25.
(5)
سورة آل عمران، الآية:131.
{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (1).
(3)
والثالث هو التخشّع بين يدي المنعم القدّوس الذي يرحم على الشاكر البارِّ، ولا يرضى بالكفر والإثم، وهو العالم بكل شيء. وبهذا الوجه يشبه "الرهبة"، كما في قوله تعالى:
{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (2).
أيضا:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3).
أيضا:
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} (4).
وهذا كثير.
(4)
والرابع هو الوجه الجامع للوجوه الثلاثة، ويدل على التحفّظ عن الإثم من خوف نتائجه السيئة ومن خوف سخط الرب. وهذا المعنى الجامع يراد منه كثيراً إذا جاء مجرداً عن المفعول. ويعبّر عنه بالتقوى، كما في قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (5).
أيضاً:
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} (6).
أيضاً:
(1) سورة البقرة، الآية:281.
(2)
سورة الأنفال، الآية:29.
(3)
سورة التغابن، الآية:16.
(4)
سورة الزمر، الآية:73.
(5)
سورة النحل، الآية:128.
(6)
سورة آل عمران، الآية:172.
{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (1).
أيضاَ:
{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (2).
أيضاً:
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3).
فالمتقي بهذا المعنى: من أُشِربَ قلبهُ تعظيمَ الرب وخوفَ سخطه ونتائج الإثم. ولذلك كثر في القرآن مدح المتقين ومقابلتهم بالمجرمين الطاغين.
والقرآن تارةً يكتفي بهذه الكلمة الجامعة، وتارةً يفصّل معناه، وتارةً يريد الوجوه الثلاثة على سواء، وتارةً يريد وجهاً خاصاً أوّلاً وبالذات. وباقي الوجوه ثانياً حسبمَا يناسب المقام، كما هو الأصل في فهم الكلمات الجامعة.
فأمّا الاكتفاء بهذا الاسم مع إرادة المعنى الجامع فكثير. وذلك حيث مدح الله المتّقين، ولم ينبّه على بعض أوصافهم الخاصة.
وأما الإلماع إلى بعض وجوهه حسب محله فأيضاً كثير. ومنه قوله تعالى:
{أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (4).
أي الذين يجتنبون الإثم مع الخشية، فإن "الفجور" هو ارتكاب الإثم مع الجسارة.
أيضاً:
(1) سورة آل عمران، الآية:179.
(2)
سورة آل عمران، الآية:186.
(3)
سورة الأنعام، الآية:153.
(4)
سورة ص، الآية:28.
الآيتان متقابلتان، كما هو ظاهر. وجاءت كلمة {اتَّقَى} في مقابلة {استغنى} فالمراد به: مَن تخشّع للرب تعالى خاشياً راجياً، فلم يستغن عنه.
وأما تفصيل المعنى الجامع، فكما ترى في قوله تعالى:
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} إلى قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (2).
وذكر قبله أبواب الإيمان والأعمال الصالحة، فدلَّ على أن المتقين هم الذين جمعوا هذه الصفات.
واعلم أن جهة الحال والكيفية أظهرُ في معناها من جهة العمل، وجهة الكفِّ أغلبُ من جهة الفعل. ولذلك تارةً (3) تقترن بالفعل على سبيل التقابل، كما في (4) قوله تعالى:
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا} (5).
وتارةً تقترن بالكفّ على سبيل البيان، كما في قوله تعالى:
{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} (6).
ومع ذلك لكونها حالة هي مَنبع الأعمال، فتقترن بالإيمان على سبيل التقابل والتفصيل، كما ترى (7) في قوله تعالى.
(1) سورة الليل، الآيات: 5 - 10.
(2)
سورة البقرة، الآية:177.
(3)
"تارة" ساقطة من المطبوعة.
(4)
في المطبوعة: "كما ترى".
(5)
سورة آل عمران، الآية:172.
(6)
سورة آل عمران، الآية:186.
(7)
"ترى" ساقط من المطبوعة.