الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجمع الأقوال (1). وأثنى عليه صاحب كشف الظنون قائلاً بأنه "أحسن الكتب المؤلفة في هذا الشأن"(2).
(2) كتاب المفردات: أسباب التأليف ومقاصده:
بعد هذه الكتب المشهورة وغيرها من المؤلفات الكثيرة في تفسير ألفاظ القرآن، عزم الإمام الفراهي على تأليف كتاب جديد في هذا الموضوع، وجعله جزءاً من مشروعه القرآني العظيم المشتمل على اثني عشر كتاباً، وكان كتاب المفردات أول الكتب الثلاثة منها التي ألفها لتمهيد الطريق إلى فهم القرآن على الوجه الصحيح. وهي كتاب المفردات، وكتاب أساليب القرآن، وكتاب التكميل في أصول التأويل. فما الذي دعاه إلى ذلك؟ أفرأى خَلّة فيما ألفه السابقون من كتب غريب القرآن، فأراد سدّها، أم كان غايته التلخيص والتهذيب والتيسير؟.
للإجابة عن هذا السؤال نرجع إلى المقدمة الأولى من الكتاب التي عقدها المؤلف على بيان مقصد الكتاب والحاجة إليه، ونلخص ما قاله فيها في النقاط الآتية:
1 -
المعرفة بالألفاظ المفردة هي الخطوة الأولى في فهم الكلام، وبعض الجهل بالجزء يفضي إلى زيادة جهل بالمجموع، وإنما يسلم المرء عن الخطأ إذا سد جميع أبوابه. فمن لم يتبين معنى الألفاظ المفردة من القرآن أغلق عليه باب التدبر، وأشكل عليه فهم الجملة، وخفي عنه نظم الآيات والسورة.
2 -
ولو كان الضرر عدم الفهم لكان يسيراً، ولكنه أكثر وأفظع. وذلك بأن المرء قلما يقف على جهله، بل يتجاوز موقفه، فيتوهم من اللفظ ضد ما أريد،
(1) صدرت للكتاب ثلاث طبعات أولاها في إستنبول من دار السيد للنشر سنة 1407 هـ بعناية محمود محمد السيد الدغيم، وهي طبعة مصورة من نسخة الكتاب المحفوظة في مكتبة نور عثمانية (إستنبول).
(2)
كشف الظنون: 1208.
فيذهب إلى خلاف الجهة المقصودة.
3 -
ثم سوء فهم الكلمة ليس بأمر هين، فإنه يتجاوز إلى إساءة فهم الكلام وكل ما يدل عليه من العلوم والحكم، فإن أجزاء الكلام يبين بعضها بعضاً للزوم التوافق بينها.
4 -
وربما ترى أن الخطأ في معنى كلمة واحدة يصرف عن تأويل السورة بأسرها، فيتوجه المرء إلى سمت كلما مر فيه بعد عن الفهم.
5 -
وهكذا ترى الخطأ في حد كلمة واحدة أنشأ مذهباً باطلاً وأضل به قوماً عظيماً وجعل الملة بدداً (1).
6 -
معظم القرآن الحكمة وهي الأصل، ولا سبيل إلى فهمها من القرآن دون الاطلاع على معاني كلماتها المفردة ودون العلم بصحيح علوم اللسان من البيان
…
ثم أشار إلى أن "كتب اللغة والغريب لا تعطيك حدود الكلمات حداً تاماً". وقد فصل القول في ذلك مقدمة تفسيره، إذ تكلم على مصادره اللسانية، فنص أولاً على أن المعاني الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها قد حفظها الله تعالى بالسنة المتواترة المتوارثة من خلف إلى سلف، ثم قال:"فأما في سائر الألفاظ وأساليب حقيقتها ومجازها فالمأخذ فيه كلام العرب القديم والقرآن نفسه. وأما كتب اللغة فمقصرة فإنها كثيراً ما لا تأتي بحد تام، ولا تميز بين العربي القح والمولد، ولا تهديك إلى جرثومة المعنى، فلا يدرى ما الأصل وما الفرع، وما الحقيقة وما المجاز. "فمن لم يمارس كلام العرب، واقتصر على كتب اللغة ربما لم يهتد لفهم بعض المعاني من كتاب الله" (2).
(1) وأشار في موضع آخر إلى أن بعض خلافهم في العقائد كان مرده عدم الوقوف على استعمال اللفظ على وجوه كثيرة، ومن ثم تشتد الحاجة إلى معوفة معاني المفردات وأنحائها المختلفة. انظر كتاب التكميل في أصول التأويل:36.
(2)
فاتحة نظام القرآن: 12 ولا يعزبن عنك أن هذا الكلام الذي نقلته كلام إمام من أئمة اللغة قضى أكثر حياته عاكفاً على تدبر كتاب الله وتمرس بكلام العرب وتذوق بيانهم =
تبين من ذلك أن أهمية المعرفة الدقيقة لمعاني الكلمات في فهم الكلام وقصور كتب اللغة والغريب في إعطاء هذه المعرفة في تفسير بعض الألفاظ هو الذي حفز الفراهي إلى إفراد كتاب في هذا الموضوع.
وأمر آخر دعاه إلى تأليف هذا الكتاب، وذلك أن طريقته في تفسيره (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان) أنه يقسم آيات السورة إلى مجموعات، ثم يتناول كل مجموعة، ويفسر أولاً مفردات ألفاظها. فلو تكلم في هذا الفصل على الألفاظ المشكلة على الوجه الذي تقتضيه من التفصيل والاستقصاء والاحتجاج وتكثير الشواهد لخرج فيه عن الحد الذي رسمه له. ومن ثم رأى أن يجمعها في كتاب مفرد، ليجمل القول فيها في التفسير، ويحيل الراغب في التفصيل على ذلك الكتاب. وفي ذلك يقول في خطبة كتاب المفردات:
"أما بعد، فهذا كتاب في مفردات القرآن، جعلته مما نحول إليه في كتاب نظام القرآن، لكيلا نحتاج إلى تكرار بحث المفردات إلا في مواضع يسيرة يكون فيها الصحيح غير المشهور، فنذكر بقدر ما تطمئن به القلوب السليمة".
وقد بين المؤلف موضوع كتاب المفردات والجوانب التي كان يريد تناولها في تفسير ألفاظ القرآن في فصل كتبه في الورقة الأولى من المسودة:
"في كتاب المفردات يبحث عن الألفاظ المفردة، ويكشف عن معانيها بحيث أن تتضح لها الحدود واللوازم، وما يتصل بها، وما يفترق عنها، وما
= وتوغل في معرفة أسرار العربية وغوامضها، ولا يلقي الكلام على عواهنه، فلا تحملنه على الزراية بكتب اللغة وانتبه لقوله "بعض المعاني من كتاب الله". ويشبه ما قاله الإمام الفراهي هنا، كلام إمام آخر من أئمة اللغة في عصرنا، وهو العلامة محمود شاكر رحمه الله، فانظر إلى قوله في تفسير كلمة (المصمئل) في بيت ابن أخت تأبط شراً (خبر ما نابنا مصمئل): "أصحاب اللغة يقولون
…
فلو اقتصرت على نص اللغة هنا في تفسير هذا اللفظ لفقد الشعر معناه". وقال في تفسير (الحي) بعدما نقل ما ورد في كتب اللغة: "هذا الذي قالوه إبهام وقصور في العبارة". انظر نمط صعب ونمط مخيف: 145، 224.
يشابهها، وما يضادها، فيحيط العلم بدلالة الألفاظ المفردة".
ولم يكن من قصده أن يؤلف كتاباً شاملاً لألفاظ القرآن الكريم. فقد صرح في خطبة الكتاب بأنه لا يورد منها في هذا الكتاب "إلا ما يقتضي بياناً وإيضاحاً، إما لبناء فهم الكلام أو نظمه عليه فإنّ الخطأ ربما يقع في نفس معنى الكلمة فيبعد عن التأويل الصحيح، أو في بعض وجوهه فيغلق باب معرفة النظم. وأما عامة الكلمات فلم نتعرض لها وكتب اللغة والأدب كافلة به".
ومن مقاصد هذا الكتاب كما قال في تذكرة كتبها على الورقة الأولى من المسودة أيضاً "الفرق بين معاني الألفاظ عند نزول القرآن وبين ما صارت بعد ذلك، مثلاً "الوحي" لم يكن مختصاً بما أنزل الله على الأنبياء". وفي تذكرة أخرى بعنوان "للمفردات" قال: "نستقصي ألفاظاً تغيرت معانيها بعد الإسلام، ونبين معانيها التي نزل بها القرآن مثل الصلاة والتسبيح والركوع والآلاء والقرآن، والكتاب، والفرقان، إما بالذهول عن المعاني القديمة أو بالغلبة أو التبادر، كالطوفان فإنه الريح الدوارة الشديدة -كما نرى في آيات موسى عليه السلام والمتبادر الآن منه فوران الماء، وليس هذا معناه في القديم من اللغة العربية"(1).
والجدير بالذكر أن هذا المقصد الجليل هو الذي رمى إليه الأستاذ محمد حسين هيكل الذي اقترح على مجمع اللغة العربية بالقاهرة إعداد معجم ألفاظ القرآن الكريم، فقد ذكر في تصديره لكتاب (معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاري) للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:
"فالفكرة التي قصدت أنا إليها، يوم اقترحت وضع هذا المعجم هي أن يقف من يدرس القرآن على معاني ألفاظه عند العرب حين أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فكثيراً ما تتغير قيم الألفاظ وإن لم تتغير معانيها تغيراً أساسياً، ونحن
(1) عثر على هذه التذكرة ضمن مسودات المؤلف الدكتور عبيد الله الفراهي وزودني بها جزاه الله خيراً.