الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها قول الحماسي:
إذا ما امرؤ أثنى بآلاء ميت
…
فلا يبعدِ اللهُ الوليدَ بن أدهما
فما كان مفراحاً إذا الخير مسّه
…
ولا كان مناناً إذا هو أنعما
يقول الفراهي: "ففسر ما أراد من الآلاء بذكر أنه لم يكن مفراحاً إذا مسه الخير، ولا مناناً إذا أنعم".
وقد أضفت إلى شواهد المؤلف شواهد أخرى من كلام العرب تؤيد ما ذهب إليه في تحقيق معنى الكلمة.
هذا التحقيق والتفسير الدقيق لكلمة الآلاء يعد فتحاً علمياً في دراسة لغة القرآن، وتاريخ المعجم العربي أيضاً. وبرهان ذلك أن المعجم الكبير الذي أصدر مجمع اللغة العربية بالقاهرة الجزء الأول منه سنة 1970 "بعد جهود ربع قرن" لم يزد في تفسيرها على معنى النعمة. فلو لم يحو كتاب مفردات القرآن للفراهي إلا تفسير كلمة الآلاء لكفاه شرفاً وتميزاً.
المثال الثاني: كلمة العصر:
أطبقت كتب اللغة والغريب على أن العصر هو الدهر، لا فرق بينهما. أما العلامة الفراهي فقد هداه تذوقه لمواقع استعمال كلمة العصر في كلام العرب والنظر في مشتقات مادته إلى أن العصر ليس مرادفاً للدهر فذكر في كتاب المفردات أن للعصر معنيين:"الزمان الماضي، وآخر النهار". ثم أورد الشواهد على قوله، وقد توسع في تأصيله وتحقيقه في تفسير سورة العصر في فصل عقده بعنوان "دلالة كلمة العصر"، ومما قال فيه:
"اعلم أن كلمة العصر اسم للزمان من جهة ذهابه ومروره، كما أن الدهر اسمه من حيث مجموعه. ولذلك يستعمل العصر كثيراً للأيام الخالية" وساق بعد ذلك خمسة أبيات من الشواهد المذكورة في كتاب المفردات ثم قال: "ومن هنا (الإعصار) للريح السريعة من جهة المرور والذهاب، و (عصر المائع): إمراره،
و (العصر) لآخر النهار من جهة ذهاب النهار (والعصارة)، ومنه (عنصر) الشيء. فكلمة العصر تذكرهم الأيام الخالية وتوجههم من صفات الزمان إلى زواله وسرعة ذهابه. والأولى عبرة لهم بما جلب على الإنسان من حكم الله فيهم حسب أعمالهم، والثانية تحرّضهم على التشمير لكسب ما ينفعه من زمان أجلى صفته سرعة الزوال".
ومن الشواهد التي أوردها في كتاب المفردات قول رُبَيع بن ضبع:
أصبح مني الشباب قد حسرا
…
إن ينأَ عني فقد ثوى عُصُرا
وقول أبي حُزابة:
وكنا حسبناهم فوارسَ كَهمسٍ
…
حيُوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
وقول مسعود بن مَصاد الكلبي:
قد كنتُ في عُصُرٍ لا شيء يعدلُه
…
فبان مني وهذا بعده عُصُرُ
وفسّره الفراهي بقوله: "أي هذا الزمان بعد ذلك أيضاً ماض ومارّ" ومن الشواهد التي علق عليها الفراهي خلال قراءته لدواوين الشعر الجاهلي قول عبد الله بن سلمة الغامدي من قصيدة له:
فإن تشِب القرون فذاك عصر
…
وعاقبةُ الأصاغر أن يشيبوا
علق عليه بقوله: "فذاك عصر، أي فذاك الدهر شأنه أن يمر".
ومن أوضح الشواهد التي وقعت عليها قول لبيد بن النِّمس الغساني.
نحن كنا الملوك في عُصُر الدهْـ
…
ـرِ وكنتم -فيم الأناة- عبيدا
والشواهد على ما ذكره المؤلف كثيرة جداً. وقد وقعت بأخرة على نصّ يدلّ على أن بعض العلماء قد فطن قديماً لما ذهب إليه الفراهي، فقال المرزوقي في كتاب الأزمنة والأمكنة (1:255): "وحكى بعضهم أن العصر لما قد سلف، ولم يجىء في شعر الفحولة إلا كذلك
…
".