الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فظهر مما مَرَّ أن للبِرّ وجهين: عاماً يشتمل جميع الخيرات، وخاصاً وهو الإيفاء بالحقوق والواجبات. وأجمع وجوه معناه: الإيفاء بحق الكبير والإحسان إلى الصغير (1).
(52) التكذيب
(2)
كذَّبَ بالشيء: ضد صَدَّق به، وقد جاء في القرآن كثيراً. مثلاً:
= أسا الشق: أي رأب الصدع وإصلاحه. المعضلات: عظائم الأمور.
(1)
العبارة "وأجمع
…
الصغير" لم ترد في المطبوعة.
من شواهد "البر":
1 -
قول امرئ القيس من قصيدة في الديوان: 65 يصف ناقة:
عَلَيها فتًى لم تَحْمِلِ الأرضُ مثلَه
…
أبَرَّ بميثاقٍ وَأوفَى وَأصْبَرا
2 -
وقال أيضاً من قصيدة في الديوان: 84 يمَدح عُوَيْر بن شِجْنَة بن عُطارد وبني عوف رهطه:
فقد أصبحوا، وَاللهُ أصفَاهُمُ بهِ
…
أبرَّ بميثاقٍ وأوفى بِجِيرَانِ
أصفاهم به: أي اختارهم وفضّلهم بعُوير، وكان سيدهم.
3 -
وقال أيضاً يمدح سَعْد بن الضَّبَاب الإيادي من قصيدة في الديوان 113:
وَتَعْرِفُ فِيه مِنْ أبيهِ شَمائِلاً
…
وَمِن خَالِه وَمِن يزيدَ وَمِنْ حُجُرْ
سَماحَةَ ذَا، وَبِرَّذا، ووفاءَ ذا
…
ونائلَ ذا إذا صحا وإذَا سَكِرْ
4 -
وقال قيس بن الخطيم من قصيدة في ديوانه 206:
تالله نكفرهم ما أورقت عِضةٌ
…
وكان بالأرض من أعلامها عَلَمُ
ساقوا الرهون وآسَونا بأنفسهم
…
عند الشدائدِ قد برّوا وقد كرموا
5 -
وقال سَاعِدة بن جُؤَيَّة الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين 1102:
حَلِفَ امْرِئٍ بَرِّ سَرِفْتِ يمينَه
…
وَلِكُلِّ مَا تُبْدِي النُّفوسُ مُجَرَّبُ
سرِفتِ يمينه: أي لم تعرفي قدرها وجهلتها. المجرّب: يعني التجربة.
(2)
تفسير سورة التين: 4 - 5، والمطبوعة:30. وسياق النص فيها هكذا: "كذَّبَ بالشيء
…
فيما تقولون. ويكون التكذيب بمعنى إلقاء الأماني
…
عذاب عليه. وأما أن يكون التكذيب بمعنى الحمل على
…
فلم أجد
…
العرب". ولم أجد النص على هذا الوجه فيما اطلعت عليه من مسودات المؤلف رحمه الله، فأثبتّ هنا كما ورد في التفسير.
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} (1).
{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} (2).
و {وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ} (3).
وأما كذَّبَه به، فجاء أيضاً. قال تعالى:
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} (4).
أي فيما تقولون.
وفي كلّ ذلك نسب التكذيب إلى الرجال. وأما هاهنا (5) فنسب إلى غير ذوي العقول. فإما أن يكون من قبيل نسبة الشهادة والنطق إلى الأشياء، كما قال تعالى:
{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} (6).
وعلى هذا كان المعنى: فأيُّ شيء بعد هذه الشهادات يشهد بأنك كاذب في قولك بوقوع الدِّين؟.
وإمّا أن يكون التكذيب بمعنى الحمل على التكذيب، كما ذهب إليه الزمخشري (7) ولم أجِدْ لهذا المعنى شاهداً في القرآن ولا في كلام العرب. ولو
(1) سورة الماعون، الآية:1.
(2)
سورة الانفطار، الآية:9.
(3)
سورة المؤمنون، الآية:33.
(4)
سورة الفرقان، الآية:19.
(5)
يعني قوله تعالى في سورة التين: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} .
(6)
سورة الجاثية، الآية:29.
(7)
هذا سهو من المؤلف رحمه الله. وإنما ذهب إلى هذا المعنى وصرّح به أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن 3: 736، فقال:"أي فما يحملك أيها المكذب: أي فأي شيء يحملك على التكذيب بعد ظهور البراهين والدلائل بالدين الذي جاء بخبره من أظهر البراهين؟ "، وأبو حيّان الأندلسي، فقال في البحر 8: 490: "الخطاب في {فَمَا يُكَذِّبُكَ} للإنسان الكافر، قاله الجمهور، أي ما الذي يكذبك: أي يجعلك مُكَذِّباً بالدين، تجعل =
ثبت لكان تأويلاً واضحاً.
وإمّا أن يكون بمعنى إلقاء الأماني والظنون، كما قال أفْنُون، وهو جاهلي (1):
ولا خَيْرَ فيما كذَّب المرءُ نَفْسَهُ
…
وتَقْوَالِه لِلشيءِ يا لَيْتَ ذالِيَا (2)
أي لا خير فيما يحدِّث المرء نفسه من الأماني والآمال الكاذبة.
وقال عَبيد بن الأبرص:
والمرءُ ما عَاشَ فِي تكذِيبٍ
…
طُولُ الحياةِ لَهُ تَعْذِيبُ (3)
= لله أنداداً وتزعم أن لا بعث، بعد هذه الدلائل" وانظر القرطبي 20:116. أما الزمخشري فلم يخالفهم في معنى الآية، ولكنه سلك مسلكاً آخر للوصول إليه، لا يقلّ غرابة عن الأول، فقال في الكشاف (774:4): "فإن قلتَ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} مَن المخاطب به؟ قلتُ: هو خطاب للإنسان على طريقة الالتفات: أي فما يجعلك كاذباً بسبب الدين وإنكاره بعد هذا الدليل: يعني أنك تكذِب إذا كذَّبت بالجزاء، لأن كل مكذّب بالحق فهو كاذب، فأي شيء يضطرك إلى أن تكون كاذباً بسبب تكذيب الجزاء؟ ". ولخص هذا القول النيسابوري في غرائب القرآن 30: 129 فقال: "يعني فأي شيء يلجئك بعد هذه البيانات إلى أن تكون كاذباً بسبب تكذيب الجزاء، لأنّ كل مكذب بالحق فهو كاذب".
فالتكذيب عند الزمخشري بمعنى الحمل على الكذب، والباء للسببية. والحق أنّ كلا القولين من الغرابة بمكان وأشبه بالغلط والوهم، فالتكذيب في اللغة لا يعرف بمعنى الحمل على التكذيب ولا الحمل على الكذب.
(1)
اسمه صُرَيْم بن مَعْشَرٍ، ولقبه "أُفنُون" يروىَ بضم الهمزة وفتحها. من شعراء بني تغلب المشهورين في الجاهلية.
النقائض: 886، ابن قتيبة: 419، شرح الأنباري: 522 - 523، الآمدي 225، اللآلي: 684 - 685، شرح الأبيات 1:253 - 254.
(2)
من أبيات له، أنشدها قبل موته، في المفضليات: 261، وشرح الأنباري: 523، والتبريزي: 1157، وفي حماسة البحتري: 864، ورواية المفضليات:"فلا خير فيما يكذب".
(3)
البيت من مجمهرته في الديوان: 15 وجمهرة الأشعار: 474، ومثله قول لبيد بن ربيعة في ديوانه 3: =