الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم علّمنا القرآنُ فروعَ هذا الأصل:
(1)
فمنها أن المؤمن لا بد أن يتوكل على الله، كما قال تعالى:
{زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (1).
(2)
ومنها أن الإيمان لكونه جزماً واعتقاداً لا بد أن يسوق إلى العمل، كما قال تعالى:{يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (2).
(11) تنازع
قد تبدّل معناه (3). وفي الصحيح التنازع هو التداول والجذب عموماً. ويستعمل للكأس والحديث. في القرآن:
(1) سورة الأنفال، الآية: 2، وأول الآية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} .
(2)
سورة البقرة، الآية:3. وانظر تفسير سورة العصر للمؤلف: 10.
(3)
يعني أن معنى الخلاف والتخاصم غلب على معنى التداول والتجاذب. فزعم أبو حيان (البحر 254:6) أن "التنازع يقتضي الاختلاف". ثم دخلت الكلمة في الفارسية والأردية، بعدما تجردت عن أصلها، فصارت محصورة في معنى الخلاف والخصام. فأخطأ بعض المفسرين والمترجمين لمعاني القرآن الكريم، وجعلوا التنازع بمعنى التخاصم في الموضع الذي هو فيه بمعنى التداول لا غير.
ومن أسلوب القرآن الكريم أن التنازع إذا أريد به الجذب والتداول، تعدّى إلى مفعوله بنفسه، وكان مذكوراً، كما في الآيات التي استشهد بها المؤلف. أما إذا كان بمعنى الخصام والاختلاف فيتعدى إليه بحرف الجرّ (في) كما في قوله تعالى [آل عمران: 152]: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} وقوله تعالى [النساء: 59]: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وقوله تعالى [الأنفال: 43]: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} وقوله تعالى [الحج: 67]: {فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} أو يحذف المفعول به، كما في قوله تعالى [الأنفال: 46]: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} .
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} (1).
أيضاً: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} (2).
(1) سورة الطور، الآية:23. وأخطأ في ترجمة التنازع في هذه الآية الشيخ عبد القادر الدهلوي رحمه الله انظر ترجمته لمعاني القرآن: 630.
(2)
سورة طه، الآية:62. قال الزمخشري (الكشاف 3: 72): "والظاهر أنهم تشاوروا في السرّ وتجاذبوا أهداب القول، ثم قالوا: إن هذان لساحران
…
" فردّ عليه أبو حيان لما أخطأ في معنى التنازع، وقال (البحر 6: 255): "والأظهر أن تلك قيلت علانية. ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثَمّ تنازع".
(3)
سورة الكهف، الآية:21.
ومن شواهد التنازع والنزاع بمعنى تجاذب أطراف الحديث قول امرئ القيس من قصيدة (ديوانه: 32):
فلما تنازعنا الحديثَ وأسمحَتْ
…
هَصَرتُ بغصن ذى شماريخَ ميّالِ
وقال الحادرة من قصيدة (المفضليات: 44):
وإذا تنازعُكَ الحديثَ رأيتَها
…
حَسَناً تبسّمُها لذيذَ المكرَعِ
وقال ابن مقبل من قصيدة في ديوانه (261):
ظنّي بهم كعَسَى وهم بتنوفةٍ
…
يتنازعون جوائبَ الأمثالِ
وقال القطامي (طبقات ابن المعتز: 199):
فلما تنازَعنا الحديثَ سألتُها
…
مَن الحي قالت معشر من محارب
ومنه المنازعة للمصافحة. قال الراعي النميري من قصيدة (ديوانه: 82):
يُنازِعْنَنا رخصَ البنانِ كأنّما
…
يُنازِعننا هُدّابَ رَيطٍ مُعضَّدِ
قال اللحياني: المعضّد هو الذي وشيُه في جوانبه.
ومن تنازع الكأس قول الأخطل من قصيدة (شعر: 168):
وشاربٍ مُربحٍ بالكأس نادمَني
…
لا بالحَصورِ، ولا فيها بسَوّارِ
نازعتُه طيّبَ الراحِ الشَّمول وقد
…
صاح الدجاجُ وحانت وقفةُ الساري