الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث:
في حد الموالاة
تعريف الموالاة لغة واصطلاحاً.
الموالاة لغة:
وأما الموالاة اصطلاحاً فقيل في تعريفها: هي ألا يشتغل المتوضئ بين أفعال الوضوء بعمل ليس منه
(1)
.
وقيل: أن يفعل الوضوء كله في فور واحد من غير تفريق
(2)
.
فالموالاة في اللغة هي التتابع، والمقصود هنا تتابع أفعال الوضوء من غير تفريق، إلا أن التفريق تارة يكون يسيراً، وتارة يكون كثيراً، وكل واحد له حكم.
فالتفريق اليسير لا يضر على الصحيح، وحكي فيه الإجماع.
قال النووي: في المجموع: التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بإجماع الأمة، نقل الإجماع فيه الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما
(3)
.
وقال الحطاب من المالكية: التفريق اليسير لا يضر، ولو كان عمداً. قال القاضي عبد الوهاب: لا يختلف المذهب فيه، وحكى الاتفاق في ذلك ابن الفاكهاني عن عبد الحق.
واختار بعض المالكية ومنهم ابن الجلاب المنع حتى في التفريق اليسير إذا لم يكن هناك عذر.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 22).
(2)
التاج والإكليل (1/ 322).
(3)
المجموع (1/ 478).
وقال ابن ناجي في شرح المدونة: ولا خلاف في أن التفريق اليسير مكروه - يعني: من غير عذر -.
قال الحطاب: وجه الكراهة ظاهر إذا كان التفريق لغير عذر وبذلك صرح الشبيبي في شرح الرسالة فقال: وأما التفرقة اليسيرة فغير مفسدة بغير خلاف إلا أنها تكره من غير ضرورة
(1)
.
والكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، وإذا ضبطنا الحد الذي تفوت فيه الموالاة لم يدخل في ذلك التفريق اليسير، وبالتالي لم تفقد الموالاة أصلاً حتى يكون هناك منع أو حتى كراهة.
وأما كلام أهل العلم في ضابط التفريق الكثير فهناك أقوال:
فقيل: الموالاة: هي التتابع في الأفعال من غير أن يتخللها جفاف عضو مع اعتدال الهواء، قال ابن عابدين: وظاهره أنه لو جف العضو الأول بعد غسل الثاني لم يكن ولاء. وهذا قول في مذهب الحنفية
(2)
.
وهو يشترط أن يفرغ من وضوئه قبل أن يجف أي عضو من أعضائه، فإن جف عضو منها فهو تفريق كثير، وهذا أشد ما قيل في الولاء.
وقيل: إذا مضى بين العضوين زمن يجف فيه العضو المغسول مع اعتدال الزمن وحال الشخص، فهو تفريق كثير، وإلا فقليل، ولا اعتبار بتأخر الجفاف بسبب شدة البرد، ولا بتسارعه بشدة الحر، ولا بحال المبرود والمحموم، ويعتبر بالعضو الذي قبله، فلو أنه مسح رأسه قبل أن تنشف يداه، وبعد أن نشف الوجه فلا يضر.
(1)
انظر مواهب الجليل (1/ 224).
(2)
حاشية ابن عابدين (1/ 122).
وهذا قول في مذهب الحنفية
(1)
، وهو المشهور من مذهب الشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
قال النووي: هذا القول هو الصحيح الذي قطع به الجمهور
(4)
.
وقيل: هو الطويل المتفاحش. وهو مذهب المالكية
(5)
،وقول في مذهب الشافعية
(6)
، واختاره ابن عقيل من الحنابلة.
قال في مواهب الجليل: الموالاة: هي الإتيان بجميع الطهارة في زمن متصل من غير تفريق فاحش
(7)
.
وقال في المغني عن ابن عقيل الحنبلي: حد التفريق المبطل: ما يفحش في العادة؛ لأنه لم يحد في الشرع، فيرجع فيه إلى العادة كالإحراز والتفرق في البيع
(8)
.
(1)
قال في الفتاوى الهندية (1/ 8): الموالاة: وهي التتابع، وَحَدُّهُ: أن لا يجف الماء على العضو قبل أن يغسل ما بعده في زمان معتدل ولا اعتبار بشدة الحر والرياح ولا شدة البرد ويعتبر أيضا استواء حالة المتوضئ كذا في الجوهرة النيرة. اهـ وانظر أيضاً حاشية ابن عابدين (1/ 122).
(2)
المجموع (1/ 478)،
(3)
الفروع (1/ 154)، الإنصاف (1/ 140)، المغني (1/ 94).
(4)
المجموع (1/ 478).
(5)
حاشية الدسوقي (1/ 90،91)، الخرشي (1/ 127) مواهب الجليل (1/ 224).
(6)
المجموع (1/ 478).
(7)
مواهب الجليل (1/ 224).
(8)
المغني (1/ 94).
وقيل: الكثير قدر يمكن فيه إتمام الطهارة، ذكره النووي في المجموع
(1)
.
وأجد أقوى الأقوال هو قول ابن عقيل الحنبلي، وذلك لأن كل شيء ليس له حد في الشرع ولا في اللغة مرده إلى العرف والعادة، فما عده الناس كثيراً فهو كثير، وما عدوه قليلاً فهو قليل، ولا عبرة بتقدير المصاب بالوساوس، لأن زمن الطهارة يأخذ منه وقتاً كثيراً، والله أعلم.
وبهذا البحث نكون قد فرغنا من الكلام على شروط الوضوء وسننه وآدابه وفرائضه، وسوف نتكلم إن شاء الله تعالى بحوله وقوته على نواقض الوضوء لنكون بهذا قد أتممنا الكلام على مباحث الوضوء، والله الموفق.
(1)
المجموع (1/ 478).