الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله منه الصلاة إلا به، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: وهذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين مرتين، ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال: هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي.
وقد تفرد به المسيب بن واضح، وهو ضعيف
(1)
.
فأراد ابن قدامة رحمه الله أن يستنبط من قوله: «لا يقبل الله الصلاة إلا به» أي بهذا الوضوء على هذه الصفة، ولم يصح الحديث حتى يمكن أن يكون حجة، ولم يذكر لنا في هذا الحديث صفة الوضوء من كونه غسل وجهه، ثم يديه، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه، ولو صح لكان هناك جواب، وهو أن يقال: إن المراد به قوله: لا يقبل الله الصلاة إلا به أي في عدد الغسلات، فمن نقص عن الغسلة الواحدة فقد نقص عن المقدار الواجب، فالحكم إنما هو موجه إلى العدد، لأنه قال: وتوضأ مرتين مرتين وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، فلم يقصد من النفي نفي صحة الوضوء مع فقد الترتيب، والله أعلم.
الدليل الخامس:
(988 - 217) ما رواه النسائي، قال: أخبرنا علي بن حجر، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه،
عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً، ورمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم قرأ:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى سجدتين، وجعل المقام
(1)
سبق تخريجه في سنن الوضوء: في ذكر الغسلة الثانية والثالثة ذكرناه في حاشية هذه المسألة، والله أعلم.
بينه وبين الكعبة، ثم استلم الركن، ثم خرج، فقال: إن المروة من شعائر الله، فابدأوا بما بدأ الله به
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نبدأ بما بدأ الله به، والأصل في الأمر الوجوب، وقد بدأ الله بذكر الوجه فاليدين فالرأس، فالرجلين، فيكون الترتيب امتثالاً للأمر النبوي بتقديم ما قدمه الله، وتأخير ما أخره الله.
وأجيب:
[بأن المحفوظ من لفظ الحديث أنه بلفظ الخبر: نبدأ بما بدأ الله به، فلا حجة فيه]
(2)
.
(1)
سنن النسائي (2962).
(2)
الحديث مداره على جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، واختلف على جعفر بن محمد.
فرواه جماعة عن جعفر بلفظ الخبر " نبدأ بما بدأ الله به " وبعضهم يأتي به بصيغة المفرد " أبدأ بما بدأ الله به " ورواه بعضهم بصورة الأمر " ابدأ " وبعضهم يقول " ابدأوا " وإليك تحرير هذا الاختلاف، والله أعلم.
فنبدأ برواية الباب، فقد رواه النسائي عن علي بن حجر، عن إسماعيل، وهو في الصغرى بلفظ الأمر " فابدأوا بما بدأ الله به " وفي الكبرى بالإسناد نفسه (3955) بلفظ الخبر " نبدأ بما بدأ الله به"
ورواه جماعة من الأئمة بلفظ الخبر " نبدأ بما بدأ الله به، منهم:
الأول: يحيى بن سعيد القطان، كما في مسند أحمد (3/ 320)، وابن الجارود (465)، ومسند أبي يعلى (2126)، وسنن النسائي الكبرى (3962)، وصحيح ابن خزيمة (2757).
الثاني: مالك كما في الموطأ (1/ 372)، ومسند أحمد (3/ 388)، وسنن النسائي المجتبى (2969)، وفي الكبرى له (3963)، وسنن البيهقي (1/ 85). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الثالث: ابن الهادي، كما في سنن النسائي المجتبى (2961، 2974)، وفي الكبرى (3967)،
الرابع: وهيب بن خالد، كما عند في مسند الطيالسي (1668)، وأبي يعلى (2027)، وابن حبان (3943،3947)، وسنن البيهقي (3/ 315) و (5/ 93).
الخامس: ابن أبي حازم، كما في صحيح ابن خزيمة (2620).
السادس: سفيان بن عيينة، كما في مسند الحميدي (1266)، وسنن الترمذي (862)،
السابع: القاسم بن معن، كما في معجم الصغير للطبراني (187)،
كل هؤلاء رووه بلفظ: " نبدأ بما بدأ الله به " بلفظ الخبر، ولم يختلف عليه في لفظه، والواقعة واحدة حيث لم يحج الرسول صلى الله عليه وسلم في الإسلام إلا حجة الوداع.
ورواه أحمد (3/ 394) من طريق سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد به، بلفظ الخبر "أبدأ بما بدأ الله به "، لكن بلفظ المفرد.
ورواه حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد به، واختلف عليه فيه:
فرواه تارة بلفظ الخبر بصورة الجمع كما هي رواية الجماعة، ورواه تارة بلفظ الخبر لكن بصورة المفرد " أبدأ بما بد الله به " ورواه ثالثة بلفظ الأمر " ابدأ بما بدأ الله به، وقال أخرى " ابدأوا بما بدأ الله به ".
ولا شك أن الرواية بلفظ الخبر " نبدأ بما بدأ الله به " أرجح لموافقتها الجمع الكثير ممن روى الحديث، وعلى رأسهم أئمة في الحفظ كالإمام مالك ويحيى بن سعيد القطان وسفيان بن عيينة وغيرهم، خاصة أن هؤلاء لم يختلف عليهم في لفظه بخلاف رواية حاتم بن إسماعيل، وهاك تخريج ألفاظ رواية حاتم بن إسماعيل رحمه الله.
فرواه ابن أبي شيبة كما في المصنف (3/ 334) رقم 14705. ومن طريقه مسلم في صحيحه (1218)، وعبد بن حميد كما في المنتخب (1135)، وابن حبان في صحيحه (3944).
وهشام بن عمار كما في صحيح ابن حبان (3944).
وإسحاق بن إبراهيم كما في صحيح مسلم (1218) كلهم رووه عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر مرفوعاً: بلفظ الخبر لكن الفاعل مفرداً " أبدأ بما بدأ الله به ".
ورواه البيهقي في السنن (5/ 6، 7) من طريق إسحاق بن إبراهيم به بلفظ: نبدأ، لكنه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مقروناً بغيره.
ورواه إسماعيل بن أبان كما في سنن الدارمي (1850) عن حاتم بن إسماعيل به، بلفظ: ابدأ بما بدأ الله به. بلفظ " الأمر "
ورواه البيهقي (5/ 93) من طريق هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل به، بلفظ الأمر، (ابدأ) وأخشى أن يكون خطأ لأن رواية ابن أبي شيبة في المصنف وفي صحيح ابن حبان بلفظ الخبر " أبدأ بما بدأ الله به " وكذلك رواية هاشم بن عمار في صحيح ابن حبان، وقد تقدم ذكرها، فلا يبعد أن تكون الكلمة " أبدأ " ثم سقطت الهمزة من الألف فانقلب الخبر إنشاءً، وصار اللفظ بصورة الأمر.
ورواه أبو داود (1905) عن هشام بن عمار مقروناً بغيره، ومن طريقه البيهقي (5/ 6) بلفظ الخبر أيضاً لكن بصورة الجمع:" نبدأ بما بدأ الله به ".
كما رواه ابن ماجه أيضاً (3074) عن هاشم بن عمار به وحده، وبلفظ الخبر (نبدأ بما بدأ الله به).
ورواه عبد الله بن محمد النفيلي، عن حاتم بن إسماعيل، واختلف عليه فيه:
فرواه ابن الجاورد في المنتقى (469) من طريقه بلفظ " ابدأوا بما بدأ الله به ".
ورواه أبو داود (1905) عنه مقروناً بغيره بلفظ الخبر " نبدأ بما بدأ الله به " ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي (5/ 6).
هذا فيما يتعلق برواية حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد.
وقد أخرج الحديث جماعة كثيرون عن جعفر بن محمد ولم أخرجها لأنهم اختصروا الحديث، ولم يذكروا ما نحن بصدد تحريره، والله أعلم.
فتبين لي من خلال هذا البحث أن أكثر الأئمة على أن اللفظ بصورة الخبر، " نبدأ " ومن رواه بصورة الأمر مع أنهم أقل عدداً وحفظاً ممن رواه بلفظ الخبر، ومع ذلك فقد اختلف عليهم فتارة يروونه بلفظ الخبر بما يوافق رواية الأكثر، وتارة يروونه بلفظ الأمر، والواقعة واحدة، ولا تحتمل فرض التعدد، فيكون الراجح أن الحديث النبوي بلفظ الخبر، والله أعلم.
انظر لمراجعة بعض طرق الحديث: أطراف المسند (2/ 86)، تحفة الأشراف (2621)، إتحاف المهرة (3138).