الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه " فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً))
(1)
. اهـ
قلت: إن كان الاستدلال بالفعل المجرد على وجوب إدخال المرفقين فالاستدلال بحديث أبي هريرة في مسلم أولى، وقد تقدم ذكره في أدلتهم.
الدليل السادس:
لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخل ولو مرة واحدة، فترك غسل المرفقين، فكل من نقل لنا صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم نقل لنا أنه كان يغسل مرفقيه، فهذا بيان للمجمل في قوله تعالى:{فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}
(2)
.
وإنما تلقينا صفة الوضوء من فعله صلى الله عليه وسلم، وهو المبين لما أنزل عليه.
الدليل السابع:
قال الماوردي: لا يعرف فيه خلاف - يعني: وجوب غسل المرفقين - قبل زفر، فكان زفر محجوجاً بإجماع من تقدمه. اهـ
(3)
. اهـ كلام الحافظ.
ولا أدري هل يستقيم القول: بأنه محجوج بالإجماع قبله، مع مخالفة زفر
(1)
فتح الباري (ح 185).
(2)
المائدة: 6.
(3)
فتح الباري (185).
والطبري وبعض أصحاب داود، ومالك وأحمد في رواية عنهما، وهل ثبت الإجماع فعلاً؟ أو تكون عبارة: لا أعلم مخالفاً ليست نقلاً للإجماع، بقدر ما هي نقل لعدم العلم بالخلاف، وبينهما فرق.
دليل من قال: لا يجب غسل المرفقين.
استدلوا بقوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} فكلمة (إلى) لانتهاء الغاية فما بعدها غير داخل فيما قبلها، كما لا يجب دخول الليل في الصيام لقوله تعالى:{ثم أتموا الصيام إلى الليل}
(1)
.
وأجيب عن الآية بجوابين:
الأول: أن «إلى» في هذا الموضع بمعنى (مع) وليست غاية للمحدود، فيكون معنى الآية {وأيديكم إلى المرافق} أي مع المرافق، وهذا المعنى معروف في كلام العرب، كما في قوله تعالى:
(2)
، أي مع شياطينهم.
وكما في قوله تعالى: {من أنصاري إلى الله}
(3)
، أي: مع الله.
وكما في قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}
(4)
، أي: مع أموالكم.
وقال ابن عبد البر: وقد تكون إلى بمعنى الواو، فيكون المعنى: وأيديكم والمرافق)).
(1)
البقرة: 187.
(2)
البقرة: 14.
(3)
آل عمران: 52.
(4)
النساء: 2.
الجواب الثاني:
أن إلى وإن كانت حداً وغاية فقد قال المبرد: إن الحد إذا كان من جنس المحدود دخل في جملته، وإن كان من غير جنسه لم يدخل، ألا تراهم يقولون: بعتك الثوب من الطرف إلى الطرف، فيدخل الطرفان في البيع؛ لأنهما من جنسه، وكذلك لم يدخل إمساك الليل في جملة الصيام؛ لأنه ليس من جنس النهار
(1)
.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: وأنكر بعض أهل العلم أن تكون (إلى) بمعنى (مع) أو تكون بمعنى (الواو) قال: ولو كان كذلك لوجب غسل اليد كلها، واليد عند العرب: من أطراف الأصابع إلى الكتف، وقال: لا يجوز أن نخرج (إلى) عن بابها، ويذكر أنها بمعنى الغاية أبداً، وقال: وجائز أن تكون (إلى) بمعنى الغاية، وتدخل المرافق مع ذلك في الغسل؛ لأن الثاني إذا كان من الأول كان ما بعد (إلى) داخلاً فيما قبله، نحو قول الله عز وجل:{إلى المرافق} ثم ذكر نحو الكلام السابق المنقول عن المبرد.
وقولهم: إن اليد عند الإطلاق من أطراف الأصابع إلى الكتف غير مسلم، وإن قال به أحد أئمة اللغة، فاليد عند الإطلاق لا تشمل إلا الكف، كما قال تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}
(2)
، والقطع إنما هو للكف، وقوله تعالى:{فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}
(3)
، والتيمم إنما يمسح الكفان فقط على الصحيح.
(1)
الحاوي الكبير (1/ 112).
(2)
المائدة: 38.
(3)
المائدة: 6.
وقال الزمخشري نقلاً من فتح الباري: ولفظ (إلى) يفيد معنى الغاية مطلقاً، فأما دخلوها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، فقوله تعالى:{ثم أتموا الصيام إلى الليل} دليل عدم الدخول: النهي عن الوصال، وقول القائل: حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل الدخول كون الكلام مسوقاً لحفظ جميع القرآن، وقوله تعالى:{إلى المرافق} لا دليل فيه على أحد الأمرين، فأخذ العلماء بالاحتياط، ووقف زفر مع المتيقن
(1)
.
الراجح: دخول المرفقين في الغسل، نظراً لقوة أدلتهم، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أخل ولو مرة واحدة في ترك غسل المرفق في الوضوء، ولم يأت من يقول: لا يدخل المرفقان في غسل اليد إلا من حيث الاستدلال بـ (إلى) وهي محتملة، وطريقة الراسخين حمل المحتمل على الواضح، والمجمل على المبين، والله أعلم.
(1)
فتح الباري (185).