الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل السادس:
قال في الحاوي الكبير: قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم}
(1)
، فأمر بغسل الوجه بحرف الفاء الموجبة للتعقيب والترتيب إجماعاً، فإذا ثبت تقديم الوجه ثبت استحقاق الترتيب
…
الخ
(2)
.
ورده النووي، فقال: وهذا استدلال باطل، وكأن قائله حصل له ذهول واشتباه فاخترعه، وتوبع عليه تقليداً، ووجه بطلانه أن الفاء وإن اقتضت الترتيب لكن المعطوف على ما دخلت عليه بالواو مع ما دخلت عليه كشيء واحد كما هو مقتضى الواو، فمعنى الآية: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الأعضاء، فأفادت الفاء ترتيب غسل الأعضاء على القيام إلى الصلاة، لا ترتيب بعضها على بعض، وهذا مما يعلم بالبديهة، ولا شك أن السيد لو قال لعبده: إذا دخلت السوق، فاشتر خبزاً وتمراً لم يلزمه تقديم الخبز، بل كيف اشتراهما كان ممتثلاً بشرط كون الشراء بعد دخول السوق كما أنه هنا يغسل الأعضاء بعد القيام إلى الصلاة
(3)
.
الراجح بين القولين:
بعد استعراض أدلة كل قول نجد أن كل قول من القولين فيه قوة، وله حظ من النظر، فالقول بعدم وجوب الترتيب يسنده أنه هو الأصل؛ لأن الأصل عدم الوجوب إلا بدليل صحيح صريح خال من النزاع، كما تسنده اللغة حيث إن آية المائدة عبرت بالواو، والواو لمطلق الجمع، ولا تقتضي ترتيباً.
(1)
المائدة: 6.
(2)
الحاوي الكبير (1/ 139).
(3)
المجموع (1/ 472).
وأما حديث عمرو بن عبسة السلمي، فإنه وإن عبر بثم الدالة على الترتيب إلا أن الحديث لم يعلق صحة الوضوء على كلمة (ثم) ولم يُسَق الحديث أصلاً لبيان صفة الوضوء، وإنما سيق الحديث في بيان فضل الوضوء.
وأما إدخال الممسوح بين مغسولات، وأنه لا فائدة منه إلا ذكر الترتيب، فلا يستطيع الباحث أن يجزم بوجوب الترتيب بناء على هذه النكتة، وقد يقال: ذكر الممسوح بين المغسولات لبيان أن الترتيب مشروع.
وأقوى دليل للقائلين بوجوب الترتيب أن الترتيب هذا هو الوضوء المتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخل به مرة واحدة، فمن توضأ وضوءاً منكساً فقد أتى بوضوء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على خلاف سنته، ومن عمل عملاً ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو رد على صاحبة، وإن كان هذا الدليل قد يحاولون الخروج منه بأن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم لا تدل على الوجوب، وإنما تدل على الاستحباب.
وعلى كل فالأخذ بالترتيب فيه احتياط للدين وخروج من الخلاف، خاصة أن الأمر يتعلق بأعظم العبادات بعد الشهادتين: وهي الصلاة.
ولو أن الإنسان ترك موضعاً يسيراً في ذراعه، ثم رآه بعد أن فرغ من وضوئه فلا بأس أن يغسل ذلك الموضع اليسير، ولا يعيد مسح رأسه وغسل رجليه؛ لأن المقدار يسير جداً، فهذا الإمام أحمد رحمه الله مع أنه يرى وجوب الترتيب ووجوب المضمضة والاستنشاق يسهل في ترك الترتبيب بين أعضاء الوضوء وبين المضمضة والاستنشاق، فقد جاء في مسائل عبد الله بن أحمد لأبيه، قال: سمعت أبي سئل عن رجل نسي المضمضة والاستنشاق، وصلى؟
قال: يعيد الصلاة.
قيل: ويعيد الوضوء؟
قال: لا، ولكنه يتمضمض ويستنشق، والله أعلم
(1)
.
بينما قال في الكتاب نفسه فيمن توضأ ونسي مسح رأسه، قال أحمد: إن كان جف وضوءه يعيد الوضوء كله، وإن كان لم يجف، فيمسح على رأسه، ويغسل رجليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:{وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم}
(2)
(3)
.
(1)
مسائل عبد الله بن أحمد لأبيه (1/ 88).
(2)
المائدة: 6.
(3)
مسائل عبد الله بن أحمد (1/ 94).