الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس:
في لَمس الأمرد
اختلف العلماء في مس الأمرد،
فقيل: ينقض الوضوء، وهو المشهور من مذهب مالك
(1)
، وقول في مذهب الحنابلة
(2)
، واختاره أبو سعيد الإصطخري من الشافعية
(3)
.
واشترط الحنفية للقول بالنقض: أن تكون المباشرة فاحشة: بأن يتجردا متعانقين متماسي الفرجين
(4)
.
وقيل: لا ينتقض، وهو المشهور من مذهب الشافعية
(5)
والحنابلة
(6)
.
وسبب خلافهم اختلافهم في الأمرد هل مسه كمس المرأة، أو كمس الرجل البالغ ممن ليس محلاً للشهوة؟
فمن رأى أن مس الأمرد كمس الأنثى سواء، أوجب الوضوء من مسه، ومن رأى أن الأمرد ليس محلاً للشهوة جعل مسه كمس الرجل والمحارم لم يوجب الوضوء من مسه، ولو قلنا بنقض الوضوء من مس المرأة لقلنا بنقض الوضوء من مس الأمرد خاصة إذا كان الرجل يلتذ بالنظر إليه.
(1)
انظر التاج والإكليل (1/ 433)، مواهب الجليل (1/ 296)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 119).
(2)
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/ 281)، الإنصاف (1/ 214).
(3)
المجموع (2/ 34)،
(4)
شرح فتح القدير (1/ 54)، الفتاوى الهندية (1/ 13).
(5)
المجموع (2/ 33)،
(6)
الإنصاف (1/ 214)، الروض المربع بحاشية الدكتور خالد المشيقح ومجموعة من طلبة العلم (1/ 308)،
وسئل ابن تيمية: إذا مس يد الصبي الأمرد، فهل هو من جنس النساء في نقض الوضوء، وما جاء في تحريم النظر إلى وجه الأمرد الحسن؟ وهل هذا الذي يقوله بعض المخالفين للشريعة إن النظر إلى وجه الصبي الأمرد عبادة، وإذا قال لهم أحد: هذا النظر حرام يقول: أنا إذا نظرت إلى هذا أقول: سبحان الذي خلقه، لا أزيد على ذلك؟
فأجاب رحمه الله: الحمد لله، إذا مس الأمرد لشهوة ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: أنه كمس النساء لشهوة ينقض الوضوء، وهو المشهور من مذهب مالك ، ذكره القاضي أبو يعلى في شرح المذهب.
والثاني: أنه لا ينقض الوضوء وهو المشهور من مذهب الشافعي، والقول الأول أظهر؛ فإن الوطء في الدبر يفسد العبادات التي تفسد بالوطء في القبل: كالصيام والإحرام والاعتكاف، ويوجب الغسل كما يوجبه هذا، فتكون مقدمات هذا في باب العبادات كمقدمات هذا ، فلو مس الأمرد لشهوة وهو محرم ، فعليه دم كما لو مس أجنبية لشهوة، وكذلك إذا مسه لشهوة وجب أن يكون كما لو مس المرأة لشهوة في نقض الوضوء. والذي لم ينقض الوضوء بمسه يقول: إنه لم يخلق محلا لذلك، فيقال له: لا ريب أنه لم يخلق لذلك، وإن الفاحشة اللوطية من أعظم المحرمات، لكن هذا القدر لم يعتبر في باب الوطء، فإن وطئ في الدبر تعلق به ما ذكر من الأحكام، وإن كان الدبر لم يخلق محلا للوطء، مع أن نفرة الطباع عن الوطء في الدبر أعظم من نفرتها عن الملامسة، ونقض الوضوء بالمس يراعى فيه حقيقة الحكمة، وهو أن يكون المس لشهوة عند الأكثرين: كمالك ، وأحمد ، وغيرهما ، كما يراعى مثل
ذلك في الإحرام والاعتكاف وغير ذلك. وعلى هذا القول: فحيث وجد اللمس لشهوة تعلق به الحكم ، حتى لو مس أمه وأخته وبنته لشهوة انتقض وضوؤه، فكذلك الأمرد، وأما الشافعي وأحمد في رواية فتعتبر المظنة، وهو أن النساء مظنة الشهوة ، فينقض الوضوء، سواء بشهوة أو بغير شهوة، ولهذا لا ينقض لمس المحارم، لكن لو لمس ذوات محارمه لشهوة فقد وجدت حقيقة الحكمة، وكذلك إذا مس الأمرد لشهوة. والتلذذ بمس الأمرد: كمصافحته ونحو ذلك: حرام بإجماع المسلمين، كما يحرم التلذذ بمس ذوات محارمه والمرأة الأجنبية، بل الذي عليه أكثر العلماء أن ذلك أعظم إثما من التلذذ بالمرأة الأجنبية، كما أن الجمهور على أن عقوبة اللوطي أعظم من عقوبة الزنا بالأجنبية ، فيجب قتل الفاعل والمفعول به.
سواء كان أحدهما محصنا أو لم يكن ، وسواء كان أحدهما مملوكا للآخر أو لم يكن، كما جاء ذلك في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمل به أصحابه من غير نزاع يعرف بينهم. ثم قال رحمه الله: والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم، والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو شهوة التلذذ بالنظر، فلو نظر إلى أمه وأخته، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلوماً لكل أحد أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة
(1)
.
وقال أيضاً: النظر إلى الأمرد لشهوة حرام بإجماع المسلمين، وكذلك إلى ذوات المحارم ومصافحتهم والتلذذ بهم، ومن قال: إنه عبادة فهو كافر، وهو بمنزلة من جعل إعانة طلب الفواحش عبادة، بل النظر إلى الأشجار والخيل
(1)
انظر الفتاوى الكبرى (1/ 281).
والبهائم إذا كان على وجه استحسان الدنيا والرياسة والمال فهو مذموم، لقول الله تعالى {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}
(1)
،
(2)
.
(1)
طه: 131.
(2)
انظر مختصر الفتاوى المصرية (ص: 29)،