الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذهب الحنابلة
(1)
، واختاره المزني من الشافعية
(2)
.
وقيل: المفروض أقل ما يتناوله اسم المسح، ولو شعرة، وهو مذهب الشافعية
(3)
.
دليل الحنفية على جواز الاقتصار على الناصية في المسح
.
الدليل الأول:
(960 - 189) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا التيمي، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة،
= في ذكر الفعل وهو الغسل أو المسح، وذكر المحل; وهو الوجه أو الرأس. الثالث: أن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه كله. فإن قيل: فقد ثبت أنه مسح ناصيته وعمامته ، وهذا نص على البعض؟ قلنا: بل هو نص على الجميع ; لأنه لو لم يلزم الجميع لم يجمع بين العمامة والرأس، فلما مسح بيده على ما أدرك من رأسه وأمر يده على الحائل بينه وبين باقيه أجراه مجرى الحائل من جبيرة أو خف ، ونقل الفرض إليه كما نقله في هذين. جواب آخر: وهو أن هذا الخبر حكاية حال وقضية في عين ; فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مزكوماً، فلم يمكنه كشف رأسه ; فمسح البعض ومر بيده على جميع البعض، فانتهى آخر الكف إلى آخر الناصية ، فأمر اليد على العمامة ، فظن الراوي أنه قصد مسح العمامة ، وإنما قصد مسح الناصية بإمرار اليد; وهذا مما يعرف مشاهدة ، ولهذا لم يرو عنه قط شيء من ذلك في أطواره بأسفاره على كثرتها. اهـ
(1)
الروايتين والوجهين (1/ 72)، الإنصاف (1/ 161)، المغني (1/ 86)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/ 276)، الفروع (1/ 147).
وهناك رواية عن أحمد أنه يجزئ مسح بعضه، أنظر ما سبق من المراجع.
(2)
مختصر المزني (ص: 2)، المجموع (1/ 431)، الحاوي الكبير (1/ 114).
(3)
المجموع (1/ 430)، الحاوي الكبير (1/ 114)، أسنى المطالب (1/ 33)، تحفة المحتاج (1/ 209).
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته ومسح على الخفين والعمامة. قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة
(1)
.
[إسناده صحيح]
(2)
.
(1)
المسند (4/ 255).
(2)
الحديث يرويه عن المغيرة: حمزة، وعمرو بن وهب، وعروة بن المغيرة، ومسروق، وخلق كثير بلغ مبلغ التواتر، ونكتفي من هذه الطرق بأشهرها، وما يهمنا في بحثنا هذا من ذكر الناصية.
الأول: طريق حمزة بن المغيرة عن المغيرة.
أخرجه أحمد كما في حديث الباب، ومسلم (274)، وأبو داود (150)، والترمذي (100)، والنسائي (107)، وأبو عوانة (1/ 259)، وأخرجه أيضاً (1/ 260) وابن الجارود (83)، وابن حبان (1346) من طريق يحيى بن سعيد القطان، ثنا التيمي، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة، عن أبيه.
وأخرجه مسلم (274)، وأبو داود (150) من طريق المعتمر، عن أبيه (التيمي) به. وهذا متابعة من المعتمر ليحيى بن سعيد القطان.
وأخرجه أحمد (4/ 248) من طريق حميد، عن بكر، عن حمزة بن المغيرة، عن أبيه، وذكر حديثاً طويلاً، وفيه: ثم مسح على عمامته وخفيه. الحديث، ولم يذكر الناصية.
وهذه متابعة تامة من حميد بن أبي حميد للتيمي في شيخه بكر بن عبد الله.
ورواه يزيد بن زريع، عن حميد، واختلف على يزيد:
فأخرجه النسائي (108) أخبرنا عمرو بن علي وحميد بن مسعدة.
وأخرجه البيهقي (1/ 60) من طريق حميد بن مسعدة.
وأخرجه أبو عوانة (1/ 259)، والبيهقي في السنن (1/ 58) من طريق مسدد.
كلهم (مسدد وحميد بن مسعدة وعمرو بن علي) رووه عن يزيد بن زريع، عن حميد، عن بكر بن عبد الله، عن حمزة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة.
وخالفهم محمد بن عبد الله بن بزيع، فرواه مسلم (274) عنه، عن يزيد بن زريع به إلا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أنه جعل بدلاً من حمزة بن المغيرة جعل بدله عروة بن المغيرة.
قال النووي في شرح مسلم (3/ 170): قال الحافظ أبو علي الغساني: قال أبو مسعود الدمشقي: هكذا يقول مسلم في حديث ابن بزيع، عن يزيد بن زريع، عن حميد، عن بكر، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة، وخالفه الناس، فقالوا فيه: حمزة بن المغيرة بدل عروة، وأما أبو الحسن الدارقطني فنسب الوهم فيه إلى محمد بن عبد الله بن بزيع لا إلى مسلم. هذا آخر كلام الغساني.
قلت: كلام الداقطني هو الذي تقتضيه قواعد علم الحديث؛ لأن الاختلاف فيه على يزيد بن زريع، رواه عنه جماعة بإسناد، وخالفهم محمد بن عبد الله بن بزيع، فالإمام مسلم برئ من عهدته.
قال النووي: قال القاضي عياض: حمزة بن المغيرة هو الصحيح عندهم في هذا الحديث، وإنما عروة بن المغيرة في الأحاديث الأخرى، وحمزة وعروة ابنان للمغيرة، والحديث مروي عنهما جميعاً، لكن رواية بكر بن عبد الله إنما هي عن حمزة بن المغيرة، وعن ابن المغيرة، ولا يقول بكر: عروة، ومن يقول عنه عروة فقد وهم، وكذلك اختلف على بكر، فرواه معتمر في أحد الوجهين عنه، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة، وكذا رواه يحيى بن سعيد عن التيمي، وقد ذكر هذا مسلم، وقال غيرهم: عن بكر عن ابن المغيرة. قال الدارقطني: وهو وهم. هذا آخر كلام القاضي عياض.
قلت: الوهم بعيد وقد رواه يحيى بن سعيد عن التيمي، عن بكر عن الحسن، عن ابن المغيرة، وفيه قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة، فهذا بكر يصرح أنه سمعه من الحسن عن ابن المغيرة، وسمعه من ابن المغيرة نفسه بإسناد واحد مما يجعل الطريقين محفوظين، والله أعلم.
ورواية بكر عن ابن المغيرة أخرجها مسلم (274)، من طريق المعتمر.
وأخرجه أبو عوانة (1/ 259) والبيهقي (1/ 58) من طريق يزيد بن هارون، كلاهما عن سليمان التيمي، عن بكر بن عبد الله، عن ابن المغيرة به.
ولفظ مسلم قال بدلاً من ناصيته (مقدم رأسه).
ولفظ أبي عوانة: ومسح مقدم رأسه، ووضع يده على العمامة، أو مسح على العمامة. أهـ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه عبد الرزق (749)، والحميدي (757)، وابن أبي شيبة (1/ 178) والنسائي في السنن الكبرى (110) عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن حمزة بن المغيرة به، إلا أن إسماعيل بن محمد لم يذكر إلا المسح على على الخفين، ولم يذكر المسح على العمامة ولا على الناصية.
الطريق الثاني: عمرو بن وهب، عن المغيرة بن شعبة.
رواه ابن سيرين، عن عمرو، وله طرق إلى ابن سيرين.
فرواه أحمد (4/ 247) من طريق هشام بن حسان، عن محمد (ابن سيرين) قال: دخلت مسجد الجامع فإذا عمرو بن وهب الثقفي قد دخل من الناحية الأخرى، فالتقينا قريباً من وسط المسجد، فابتدأني بالحديث، وكان يحب ما ساق إلي من خير، فابتدأني بالحديث، فقال: كنا عند المغيرة بن شعبة، وذكر حديثاً طويلاً وفيه: ومسح بناصيته وعلى العمامة والخفين. الحديث.
وأخرجه ابن حبان (1342) من طريق عوف وهشام عن محمد بن سيرين به.
وأخرجه النسائي (109) من طريق يونس بن عبيد، عن ابن سيرين به.
وأخرجه الطيالسي (699) عن سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين به، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخفين.
فأخرجه أحمد (4/ 244)، وابن أبي شيبة (1/ 163) والنسائي في السنن الكبرى، كما في تحفة الأشراف، ولم أقف عليه في المطبوع في مظانه، والدارقطني (1/ 192)، والبغوي في شرح السنة (1/ 192) من طريق إسماعيل بن علية، أخبرنا أيوب، عن ابن سيرين به.
ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، واختلف على حماد فيه:
فرواه الدراقطني (1/ 192) والبغوي في شرح السنة (232) من طريق يحيى بن حسان، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين به، كما هي رواية ابن علية، بل كما هي رواية هشام بن حسان، وسعيد بن عبد الرحمن.
ورواه البيهقي (1/ 58) من طريق أبي الربيع، ثنا حماد بن زيد، ثنا أيوب، عن محمد، عن رجل، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة.
وتابعه جرير بن حازم عند أحمد (4/ 248) حدثنا أسود بن عامر، ثنا جرير بن حازم، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن محمد بن سيرين، قال: حدثني رجل عن عمرو بن وهب به.
والراجح أن ابن سيرين قد سمع الحديث من عمرو بن وهب دون واسطة، للأسباب التالية:
أولاً: أن رواية هشام بن حسان ويونس بن عبيد، صرح كل منهما بأن محمد بن سيرين قد سمعه من عمرو بن وهب، وهما من أثبت أصحاب ابن سيرين على الإطلاق، بل إن في رواية هشام بن حسان قصة تؤكد أن ابن سيرين سمعه من عمرو بن وهب، قال محمد بن سيرين: دخلت المسجد، فإذا عمرو بن وهب الثقفي قد دخل من الناحية الأخرى، فالتقينا قريباً من وسط المسجد، ثم ذكر الحديث.
ثانياً: قد تابع هشام بن حسان ويونس بن عبيد كل من عوف وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وهؤلاء الأربعة لم يختلف عليهم في الحديث من كون ابن سيرين يرويه عن عمرو بن وهب.
ثالثاً: أن ابن علية قد رواه عن أيوب، كما هي رواية الجماعة.
رابعاً: أن الاختلاف على حماد بن زيد، فتارة يرويه كما هي رواية الجماعة، وتارة يجعل واسطة بين محمد بن سيرين وعمرو بن وهب رجلاً مبهماً، مما يدل على أنه لم يحفظ الحديث، إلا أن يكون الخطأ من تلميذ حماد، والله أعلم.
الطريق الثالث: عروة بن المغيرة، عن المغيرة.
وحديثه في الصحيحين وليس فيهما المسح على الناصية، وإنما ذكر الوضوء والمسح على الخفين. انظر البخاري (182) ومسلم (274).
الطريق الرابع: مسروق، عن المغيرة.
حديثه في صحيح البخاري (363) ومسلم (274 - 78) وليس فيها المسح على الناصية.
وقد رواه غير هؤلاء عن المغيرة بن شعبة حتى قال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 127): روي هذا الحديث عن المغيرة من نحو ستين طريقاً. اهـ وتتبع ذلك يطول، وإنما فصلنا الطريق الذي ورد فيه ذكر المسح على الناصية، والله أعلم.
وجه الاستدلال:
لما مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الناصية، كان مسحه عليه الصلاة والسلام على العمامة من باب الفضل، لا من باب الوجوب؛ إذ لا يمكن أن يجب مسح البدل ومسح الأصل في وقت واحد.
قال الطحاوي: في هذا الأثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على بعض الرأس، وهو الناصية، وظهور الناصية دليل أن بقية الرأس حكمه حكم ما ظهر منه؛ لأنه لو كان الحكم قد ثبت بالمسح على العمامة، لكان كالمسح على الخفين، فلم يكن إلا وقد غيبت الرجلان فيهما، ولو كان بعض الرجلين بادياً، لما أجزأه أن يغسل ما ظهر منهما، ويمسح على ما غاب منهما، فجعل حكم ما غاب منهما، مضمناً بحكم ما بدا منهما، فلما وجب غسل الظاهر وجب غسل الباطن، فكذلك الرأس لما وجب مسح ما ظهر منه ثبت أنه لا يجوز مسح ما بطن منه ليكون حكم كله حكماً واحداً، كما كان حكم الرجلين إذا غيبت بعضها في الخفين حكماً واحداً، فلما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأثر بمسح الناصية على مسح ما بقي من الرأس دل ذلك أن الفرض في مسح الرأس هو مقدار الناصية، وأن ما فعله فيما جاوز به الناصية فيما سوى ذلك من الآثار كان دليلاً على الفضل لا على الوجوب حتى تستوي هذه الآثار ولا تتضاد، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار.
وأجيب:
بأنه لو جاز الاقتصار على مسح الناصية لما مسح على العمامة، وإذا مسح على ناصيته وكمل الباقي بعمامته أجزأه بلا ريب.
قلت: وهناك تأمل آخر في الحديث، وهو: هل قوله: توضأ فمسح على
ناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين نقل لفعل واحد، أو أنه نقل لأفعال مختلفة رصدها المغيرة، ونقلها مجتمعة في نص واحد؟ فإن كان الفعل واحداً فظاهر أن المسح لم يقتصر على الناصية، فلا يكون فيه دليل على جواز الاقتصار على الناصية، وإن كان النقل لأفعال مختلفة، وأن هذه مجموعة أحاديث، وليست حديثاً واحداً للمغيرة، جمعها في حديث واحد، فهو دليل قوي على جواز الاقتصار على المسح على الناصية، وهذا الاحتمال غير بعيد، فإن هناك أحاديث للمغيرة ينقل لنا فيها المسح على الخفين فقط، وهناك حديث ينقل لنا المسح على الجوربين والنعلين، وقد تُكِلم فيه، وخرجته في المسح على الحائل، فيحتاج الباحث إلى تأمل، هل هذه الأفعال كانت متفرقة جمعها المغيرة في حديث واحد، أو كانت فعلاً واحداً في وضوء واحد، نقله لنا المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحنفية والشافعية لا يمكن أن يقولوا لنا: إنها أفعال مختلفة؛ لأنه يلزمهم على هذا أن يقولوا بجواز المسح على العمامة، وهم لا يقولون به، ومحال أن يحتجوا علينا ببعض الحديث، ويتركوا بعضه، والله أعلم.
قال ابن القيم في الزاد: ولم يصح عنه في حديث واحد، أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة، ثم قال: وأما اقتصاره على الناصية مجردة لم يحفظ عنه
(1)
. اهـ
وأما الجواب على ما ذكره الطحاوي، فيقال: لا نسلم أن ما ظهر من القدم فرضه الغسل، وأنه يجب أن يغيب القدم في الخف، فالمسح على الخف ورد مطلقاً، واشتراط كون الخف ساتراً للمفروض لم يأت في كتاب ولا سنة،
(1)
زاد المعاد (1/ 193).