الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه يستدل به من وجهين: من جهة ظاهر الخطاب، ومن جهة المعنى والاعتبار؛ فإن خطاب الله تعالى في القرآن بذكر اللمس والمس والمباشرة للنساء ونحو ذلك لا يتناول ما تجرد عن شهوة أصلاً، ولم يتنازع المسلمون في شيء من ذلك إلا في آية الوضوء، والنزاع فيها متأخر، فيكون ما أجمعوا عليه قاضياً على ما تنازع فيه متأخروهم.
وأما طريق الاعتبار فإن اللمس المجرد لم يعلق الله به شيئاً من الأحكام، ولا جعله موجباً لأمر، ولا منهياً عنه في عبادة ولا اعتكاف، ولا إحرام ولا صلاة ولا صيام، ولا غير ذلك، ولا جعله ينشر حرمة المصاهرة، ولا يثبت شيئاً غير ذلك، بل هذا في الشرع كما لو مس المرأة من وراء ثوبها ونحو ذلك من المس الذي لم يجعله الله سبباً لإيجاب شيء ولا تحريم شيء.
وإذا كان كذلك كان إيجاب الوضوء بهذا مخالفاً للأصول الشرعية المستقرة، مخالفاً للمنقول عن الصحابة، وكان قولاً لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، بل المعلوم من السنة مخالفته))
(1)
.
دليل من قال: مس المرأة ينقض الوضوء إن كان بشهوة
.
هذا القول ذهب إلى الجمع بين الآية والأخبار،
فالآية الكريمة بقوله سبحانه وتعالى {أو لا مستم النساء} يقتضي أن يكون مس المرأة ناقضاً للوضوء مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة، وجاءت الأخبار دالة على أن المس بدون شهوة لا ينقض الوضوء، كحديث عائشة في مسلم: قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وتقدم تخريجه بتمامه.
(1)
المرجع السابق.
(1090 - 319) وحديث عائشة في الصحيحين: (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما ..) الحديث، وسبق تخريجه بتمامه
(1)
.
وقال ابن المنذر: وما زال الناس في القديم والحديث يتعارفون أن يعانق الرجل أمه وجدته ويقبل ابنته في حال الصغر قبلة الرحمة، ولا يرون ذلك ينقض الطهارة ولا يوجب الوضوء عندهم، ولو كان ذلك حدثاً ينقض الطهارة ويوجب الوضوء لتكلم فيه أهل العلم، كما تكلموا في ملامسة الرجل امرأته وقبلته إياها
(2)
.
وقال أيضاً: وقد أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لا وضوء على الرجل إذا قبل أمه أو ابنته أو أخته إكراماً لهن وبراً عند قدوم من سفر أو مس بعض بدنه بعض بدنها عند مناولة شيء إن ناولها إلا ما ذكر من أحد قولي الشافعي فإن بعض المصريين من أصحابه حكى عنه في المسألة قولين: أحدهما إيجاب الوضوء منه، والآخر كقول سائر أهل العلم، ولم أجد هذه المسألة في كتبه المصرية التي قرأناها على الربيع، ولست أدري أيثبت ذلك عن الشافعي أم لا؛ لأن الذي حكاه لم يذكر أنه سمعه منه، ولو ثبت ذلك عنه لكان قوله الذي يوافق فيه المدني والكوفي وسائر أهل العلم أولى به
(3)
.
الراجح: القول بأن اللمس في الآية الجماع، وأن مس بدن المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، سواء مسه بشهوة أو بغير شهوة.
(1)
انظر حديث رقم (1080).
(2)
الأوسط (1/ 131).
(3)
المرجع السابق (1/ 130).