الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه الاستدلال:
أنه غسل رجليه، ثم اعتبر النقص من هذا ظلماً وإساءة.
الدليل الثامن:
ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتخليل الأصابع، ولو كان فرض الرجلين المسح لم يأمر به، فقد سبق أن ذكرت حديث لقيط بن صبرة، وهو حديث صحيح، قال صلى الله عليه وسلم: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً.
الدليل التاسع:
حكى بعض أهل العلم الإجماع على وجوب غسل القدمين، من ذلك:
نقل ابن حجر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله قوله: «أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين»
(1)
.
وقال الطحاوي الحنفي: «رأينا الأعضاء التي قد اتفقوا على فرضيتها في الوضوء: الوجه واليدان والرجلان والرأس، فكان الوجه يغسل كله، وكذلك اليدان، وكذلك الرجلان»
(2)
.
وقال في مواهب الجليل: «قال ابن رشد: إن فرائض الوضوء على ثلاثة أقسام: قسم مجمع عليه: وهي الأعضاء الأربعة»
(3)
.
وقال ابن قدامة: ((والمفروض من ذلك بغير خلاف خمسة: النية، وغسل
(1)
فتح الباري (1/ 266)، وانظر المبدع (1/ 144)، شرح العمدة (1/ 196).
(2)
شرح معاني الآثار (1/ 33).
(3)
مواهب الجليل (1/ 183).
الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين))
(1)
.
قلت: النية ليست محل اتفاق، فالحنفية لا يرونها واجبة، والخلاف محفوظ أيضاً في غسل الرجلين، ولعل ابن قدامة يقصد في المذهب، ولم يقصد في المذاهب.
وقال ابن عبد الهادي: ومفروض إجماعاً غسل رجليه إلى الكعبين
(2)
.
وأجيب:
مناقشة دعوى الإجماع، عندنا الإجماع المحكي عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإجماع المحكي عن غيرهم.
أما الإجماع المحكي عن الصحابة، فقد ذكر ابن حزم رحمه الله تعالى أن المسح مذهب لعلي وابن عباس وأنس
(3)
.
وقد ذكر ابن حجر في الفتح: أنهم رجعوا عن ذلك، قال:«ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين»
(4)
. اهـ
فحكاية رجوع الصحابة علي وابن عباس وأنس أخذه ابن حجر من حكاية ابن أبي ليلى: أن الصحابة مجمعون على غسل القدمين، وليست صريحة إذ يحتمل أنه إجماع على مشروعية الغسل، وهذا لا نزاع فيه، ولا يوجد إجماع على أنه لا يجزئ إلا هو، وبينهما فرق.
(1)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط هذا الهامش من المطبوع
(2)
مغني ذوي الأفهام (44).
(3)
المحلى (1/ 301).
(4)
فتح الباري في شرحه لحديث (163).
ولو نقل ابن حجر عن علي وأنس وابن عباس القول بعدم جواز المسح لصح مأخذه.
وأما الإجماع المنقول من غير الصحابة فأعتقد أنه غير دقيق، فقد نقل استثناء القدمين جماعة ممن رووا الإجماع، منهم:
السمرقندي الحنفي قال: «والرابع: غسل الرجلين مرة واحدة ..... ثم قال: وهذا فرض عند عامة العلماء، وقال بعض الناس: الفرض هو المسح لا غير، وعن الحسن البصري أنه قال: يخير بين الغسل والمسح، وقال بعضهم: إنه يجمع بينهما»
(1)
. الخ كلامه رحمه الله.
(2)
.
وقال أبو بكر بن العربي: «قال أبو عيسى: لا يجوز المسح على الأقدام المجردة، خلافاً لمحمد بن جرير الطبري، حيث قال: هو مخير بين المسح والغسل، ثم قال: وحكي عن بعض أهل الظاهر أنه يجب الجمع بينهما»
(3)
.
وقال القرطبي: «اتفقوا على أن من غسل قدميه فقد أدى الواجب عليه، واختلفوا فيمن مسح قدميه، فاليقين ما أجمعوا عليه، دون ما اختلفوا فيه»
(4)
.
(1)
تحفة الفقهاء (1/ 10).
(2)
التمهيد (24/ 256).
(3)
عارضة الأحوذي (1/ 58).
(4)
الجمع لأحكام القرآن (6/ 95).
وقد ثبت القول بالمسح عن جماعة من التابعين ممن يعتد بقولهم، ويعتبر خلافهم بالإجماع، كالحسن البصري، وعكرمة، والشعبي، وغيرهم.
فقد روى ابن أبي شيبة، حدثنا ابن علية، عن أيوب، قال: رأيت عكرمة يمسح على رجليه، وكان يقول به.
وهذا إسناد صحيح إلى عكرمة، وعكرمة من تلاميذ ابن عباس، وربما أخذ عنه فقه هذه المسألة، وابن عباس قد جاء عنه القول بالمسح، وهذا يدل على أن القول بأن ابن عباس قد رجع عنه يحتاج إلى تأمل.
(976 - 205) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن علية، عن يونس،
عن الحسن، أنه كان يقول: إنما هو المسح على القدمين، وكان يقول: يمسح ظاهرهما وباطنهما.
[وهذا إسناد صحيح عن الحسن]
(977 - 206) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن علية، عن داود،
عن الشعبي، قال: إنما هو المسح على القدمين، ألا ترى أن ما كان عليه الغسل جعل عليه التيمم، وما كان عليه المسح أهمل، فلم يجعل عليه التيمم.
[وهذا إسناد صحيح إلى الشعبي].
(978 - 207) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن علية، عن حميد،
قال: كان أنس إذا مسح على قدميه بلهما.
وسنده صحيح.
وقد سبق أن هذا القول قاله ابن جرير الطبري، وبعض أهل الظاهر.
فالقول بالمسح ثابت عن بعض السلف، لا إشكال في ثبوته من لدن