الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجاب الجمهور عن هذه الأحاديث بأجوبة، منها:
أن المقصود بالوضوء ليس الوضوء الشرعي، وإنما المراد غسل الأيدي من لحوم الإبل.
ويجاب عن هذا:
أولاً: بأن الكلام إذا صدر من الشارع فالأصل حمله على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر ذلك حمل على الحقيقة اللغوية، ولا يوجد هنا سبب يحملنا على صرف الكلام عن حقيقته الشرعية إلى حقيقته اللغوية.
ثانياً: أن السؤال عن الوضوء من لحومها قرن بالسؤال عن الصلاة في أعطانها مما يدل على أن المراد بالوضوء الوضوء الشرعي المتعلق بالصلاة.
ثالثاً: لو كان المقصود بالوضوء هو غسل الأيدي لكان غسل الأيدي من لحوم الغنم أولى من غسلها من لحوم الإبل، وذلك أن نسبة الدهون في لحوم الغنم أكثر منها في لحوم الإبل، وهذا أمر معروف عند كل من يتعاطى أكل لحوم الإبل.
رابعاً: أن غسل الأيدي ليس واجباً لا في لحوم الإبل ولا في لحوم الغنم، فلماذا يترك الشارع غسل الأيدي من لحوم الغنم إلى مشيئة الفاعل، ولا يترك هذا الأمر في لحوم الإبل، مع أن غسل الأيدي من لحوم الإبل والغنم الحكم فيها سواء، إلا إن كنتم تذهبون إلى وجوب غسل الأيدي من لحوم الإبل، ولا قائل به.
الجواب الثاني للجمهور:
قالوا: إن هذه الأحاديث منسوخة بحديث (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار) وقد أجبنا على ذلك، بأجوبة منها:
أولاً: أن الحديث اختصره شعيب بن حمزة فأخطأ فيه.
ثانياً: أنه لا يذهب إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، ولم يتعذر هنا؛ لأن الجمع فيه إعمال لكلا الدليلين، بينما النسخ فيه إبطال لأحدهما.
ثالثاً: أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل خاص، وترك الوضوء مما مست النار عام، والخاص مقدم على العام.
قال ابن القيم: ((ومن العجب معارضة هذه الأحاديث بحديث جابر: (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار) ولا تعارض بينهما أصلاً؛ فإن حديث جابر هذا إنما يدل على أن كونه ممسوساً بالنار، ليس جهة من جهات نقض الوضوء، ومن نازعكم في هذا؟ نعم هذا يصلح أن يحتجوا به على من يوجب الوضوء مما مست النار على صعوبة تقرير دلالته، وأما من يجعل كون اللحم لحم إبل هو الموجب للوضوء، سواء مسته النار أم لم تمسه، فيوجب الوضوء من نيئه ومطبوخه وقديده، فكيف يحتج عليه بهذا الحديث؟ وحتى لو كان لحم الإبل فرداً من أفراده فإنما تكون دلالته بطريق العموم، فكيف يقدم على الخاص؟ هذا مع أن العموم لم يستفد ضمناً من كلام صاحب الشرع، وإنما هو من قول الراوي.
وأيضاً فأبين من هذا كله أنه لم يحك لفظاً لا خاصاً ولا عاماً، وإنما حكى أمرين: هما فعلان: أحدهما متقدم، وهو فعل الوضوء، والآخر متأخر، وهو تركه الوضوء من ممسوس النار، فهاتان واقعتان، توضأ في إحداهما، وترك الوضوء في الأخرى من شيء معين مسته النار، لم يحك لفظاً عاماً ولا خاصاً ينسخ به اللفظ الصريح الصحيح
…
الخ كلامه رحمه الله تعالى
(1)
.
(1)
تهذيب السنن (1/ 137).