الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
العلة في الوضوء من لحوم الإبل مع كونها طيبة
اختلف العلماء في العلة من الوضوء من لحم الإبل، وعدم الأمر بالوضوء من سائر اللحوم الأخرى كالغنم والبقر والطيور ونحوها،
فقيل: إن الأمر بالوضوء منها لكونه كان مشروعاً في أول الأمر الوضوء مما مست النار، ثم نسخ هذا الحكم، بحديث جابر، كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، وهذا مذهب الجمهور.
ويشوش عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرن معها لحم الغنم، فأمر بالوضوء من لحوم الإبل، ولم يأمر بالوضوء من لحم الغنم، ولو كانت العلة في الوضوء من لحوم الإبل كون النار قد مستها لم يختلف الحكم في لحم الغنم، لأن النار أيضاً قد مستها.
وقيل: إن الحكم تعبدي، فتكون علته مخفية عنا، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.
وقيل: إنه ورد في الحديث أن الإبل خلقت من الشياطين.
(1104 - 333) فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن الحسن،
عن عبد الله بن مغفل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل؛ فإنها خلقت من الشياطين
(1)
.
[إسناده صحيح]
(2)
.
(1)
المصنف (1/ 337) رقم 3877.
(2)
الحديث رواه ابن أبي شيبة كما في إسناد الباب، ومن طريقه أخرجه ابن حبان في صحيحه (1702). =
وفسر الحديث ابن حبان بأن معنى خلقت من الشياطين بأن معها شياطين على سبيل المجاورة والقرب.
= ورواه البيهقي في سننه (2/ 449) من طريق هشيم به.
ورواه أحمد في مسنده (4/ 85) حدثنا إسماعيل بن علية، قال: أخبرنا يونس به. وزاد عليه قتل الكلب الأسود، وإباحة اتخاذ الكلب في الصيد والماشية.
ورواه أحمد أيضاً (5/ 56، 57) حدثنا عبد الأعلى، عن يونس به.
ورواه الروياني في مسنده (898) من طريق سفيان، عن يونس به.
ورواه ابن ماجه (769) من طريق أبي نعيم، عن يونس به.
ورواه ابن حبان في صحيحه (5657) من طريق يزيد بن زريع، قال: حدثنا يونس به.
فهؤلاء ستة حفاظ رووه عن يونس بن عبيد: وهم هشيم وابن علية وعبد الأعلى وسفيان ويزيد بن زريع وأبو نعيم.
كما تابع أبو سفيان بن العلاء ومبارك بن فضالة يونسَ بن عبيد.
فقد أخرجه أحمد (5/ 54) ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (1/ 317) حدثنا وكيع، عن أبي سفيان بن العلاء، عن الحسن به.
وأبو سفيان بن العلاء لم أقف على أحد وثقه، لكن قال فيه يحيى بن سعيد القطان: كنت أشتهي أن أسمع من أبى سفيان حديث الحسن، عن عبد الله بن مغفل، كان يقول فيه: حدثني ابن مغفل. الجرح والتعديل (9/ 381)، كما أنه قد توبع في هذا الحديث، فإذا روى حديثاً لم ينكر عليه، بل قد تابعه عليه الثقات، ولم نقف له على جرح كان هذا مما يقوي أمره، والله أعلم.
وأخرجه أبو داود الطيالسي (913) وأحمد (4/ 86) وعلي بن الجعد (3180) وابن عدي في الكامل (6/ 320) من طريق مبارك بن فضالة، عن الحسن به.
قال ابن عبد البر (22/ 333): حديث عبد الله بن مغفل رواه نحو خمسة عشر رجلاً عن الحسن، وسماع الحسن من عبد الله بن مغفل صحيح. اهـ
وقد خرجت من هذه الطرق ما نص فيها على أن الإبل خلقت من الشياطين، وتركت غيرها مما لم يرد فيه موضع الشاهد، والله أعلم.
انظر أطراف المسند (4/ 241)، التحفة (9649)، إتحاف المهرة (13415).
قال ابن حبان في صحيحه: قوله صلى الله عليه وسلم: فإنها خلقت من الشياطين: أراد به أن معها الشياطين، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: فليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله؛ فإنه شيطان، ثم قال في خبر صدقة بن يسار، عن ابن عمر: فليقاتله؛ فإن معه القرين
(1)
.
وقال في موضع آخر في صحيحه: لو كان الزجر عن الصلاة في أعطان الإبل لأجل أنها خلقت من الشياطين لم يصل صلى الله عليه وسلم على البعير؛ إذ محال أن لا تجوز الصلاة في المواضع التي قد يكون فيها الشيطان ثم تجوز الصلاة على الشيطان نفسه، بل معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إنها خلقت من الشياطين: أراد به أن معها الشياطين على سبيل المجاورة والقرب
(2)
.
وقيل: معناه أن من طبعها الشيطنة، وليس معناه أن مادة خلقها الشيطنة، فهو كقوله تعالى:{خلق الإنسان من عجل}
(3)
، يعني: طبيعته هكذا، فهي لا تكاد تهدأ، ولا تقر في العطن، بل تثور، فربما قطعت على المصلي صلاته، وشوشت عليه خشوعه، وهذه هي الشيطنة المذكورة في الحديث.
ولذلك لما صلى عليها أمن من شرها، بخلاف الصلاة في مباركها، فقد تأتي إليه مجتمعة في حالة من النفار فتفسد عليه صلاته.
وقال ابن القيم: ((وقد جاء أن على ذروة كل بعير شيطاناً، وجاء: أنها خلقت من جن، ففيها قوة شيطانية، والغاذي شبيه بالمغتذي، ولهذا حرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير؛ لأنها دواب عادية فالاغتذاء بها تجعل
(1)
صحيح ابن حبان (4/ 601).
(2)
صحيح ابن حبان (4/ 603).
(3)
الأنبياء: 37.
في طبيعة المغتذي من العدوان ما يضره في دينه، فإذا اغتذى من لحوم الإبل، وفيها تلك القوة الشيطانية، والشيطان خلق من نار، والنار تطفأ بالماء، ونظير الحديث الآخر: إن الغضب من الشيطان، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ))
(1)
.
وكل هذه العلل إنما هي التماس، فلم ينص الشارع على العلة من الوضوء من لحمها، وسواء كانت هذه العلة أم غيرها فإن اليقين المقطوع به أن الشارع حكيم ولا يأمر إلا بما فيه حكمة، وأنه لا بد أن يكون هناك علة اقتضت التفريق بين لحم الإبل ولحم الغنم، فإن الشارع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين، فالحكمة، هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتماس العلة إنما هو من أجل القياس، وتعدية الحكم إلى حكم آخر لعلة جامعة بينهما، وليس لأمر آخر، ولذا قالت عائشة حين سئلت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصيام، ولا نؤمر بقضاء الصلاة، وهو حديث متفق عليه
(2)
.
(1)
إعلام الموقعين (2/ 15).
(2)
البخاري (321)، ومسلم (335).