الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث:
إذا كان النوم ليس حدثاً في نفسه، وإنما أوجب الوضوء من أوجبه لاحتمال خروج الريح، فالأصل عدم الخروج، فلا يجب الوضوء بالشك ما دامت الطهارة متيقنة، فالشك لا يقضي على اليقين.
فقد روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
وأجيب:
بأن الشارع الذي قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً هو الذي أوجب الوضوء من النوم، ثم إن الشك قد يقوى حتى يصل إلى درجة الظن، والظن قد تعبدنا به بالجملة عند تعذر اليقين، ولذلك إذا شك المصلي في صلاته تحرى، والتحري ظن، قد يطابق الواقع وقد يخالفه، وإذا أمكن التحري عمل به، ولو لم يرد في النوم دليل خاص لكان مقيساً على من زال عقله بإغماء أو جنون، فكيف وقد وردت أحاديث صحيحة في النوم بكونه ناقضاً للوضوء، والله أعلم.
الدليل الرابع:
(1037 - 266) حديث أنس، رواه مسلم، من طريق خالد هو ابن الحارث، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال:
سمعت أنساً يقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون، قال: قلت: سمعته من أنس؟ قال: إي والله
(1)
.
(1)
مسلم (376).
[هذا اللفظ هو المحفوظ من حديث أنس وزاد بعضهم: «على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» كما زاد بعضهم: «حتى تخفق رؤوسهم» وزاد آخرون: «فيضعون جنوبهم» وكل ذلك ليس بمحفوظ، والله أعلم]
(1)
.
(1)
هذا الإسناد يرويه عن قتادة جماعة من أصحابه، منهم شعبة، وهشام وسعيد بن أبي عروبة ومعمر وأبو هلال وبعضهم يزيد فيه ما ليس في حديث الآخر، وإليك بيان هذا الاختلاف.
الأول: شعبة، عن قتادة.
رواه خالد بن الحارث كما عند مسلم (376)، وأبو عامر العقدي كما عند أبي عوانة (1/ 266)، وشبابة كما في مسند أبي يعلى (3240) وهاشم بن القاسم كما في شرح مشكل الآثار (3448) أربعتهم عن شعبة، عن قتادة، ولم يختلف عليهم في لفظه:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون لا يتوضؤون ".
ورواه يحيى بن سعيد، عن شعبة، واختلف على يحيى فيه:
فرواه أحمد (3/ 277) عن يحيى به بلفظ خالد بن الحارث وأبي عامر العقدي وشبابة وهاشم بن القاسم.
ورواه محمد بن بشار، عن يحيى واختلف على ابن بشار فيه:
فرواه البيهقي (1/ 120) من طريق تمتام، نا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد به، بلفظ: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يقومون، فيصلون ولا يتوضؤون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزاد فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتمتام، قال فيه الدارقطني كما في تذكرة الحفاظ (2/ 615)، وتاريخ بغداد (3/ 143، 146): ثقة محمود مأمون إلا أنه يخطئ.
وهذه الزيادة لم أقف عليها إلا من طريق تمتام، فلا أظنها محفوظة.
ورواه الترمذي (78) حدثنا محمد بن بشار به بلفظ الجماعة، ولم يقل فيه: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه محمد بن عبد السلام الخشني، عن محمد بن بشار كما في المحلى (1/ 213) من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= طريق قاسم بن أصبغ، ثنا محمد بن عبد السلام الخشني، ثنا محمد بن بشار به، بلفظ: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون، فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقومون إلى الصلاة "
ومحمد بن عبد السلام الخشني ثقة، له ترجمة في تذكرة الحفاظ (2/ 649) إلا أن رواية أحمد عن يحيى بن سعيد القطان مقدمة على رواية ابن بشار عنه،
أولاً: لإمامة أحمد رضي الله عنه.
وثانياً: أن ابن بشار قد اختلف عليه في لفظ الحديث، فرواية من لم يختلف عليه مقدمة على رواية من لم يضبط الحديث، فرواية الترمذي عن ابن بشار، عن يحيى موافقة لرواية أحمد عن يحيى، كما أن رواية تمتام، عن محمد بن بشار ليس فيها " يضعون جنوبهم " فلفظه موافق للفظ الجماعة إلا أنه زاد عليهم قوله:" على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
ثالثاً: أن ابن بشار قد تكلم فيه بعضهم، فكان ابن معين لا يعبأ به، ويستضعفه، وكان القواريري لا يرضاه، والحق أنه ثقة لكنه قد يسهو ويغلط من غير عمد، ولذلك قال أبو داود: لولا سلامة في بندار لترك حديثه، وقد يقال: إن الخطأ من الراوي عن محمد بن بشار؛ لأن الترمذي قد رواه عنه كرواية الجماعة.
ورواه البزار في مسنده كما في نصب الراية (1/ 47) وتلخيص الحبير (1/ 21) من طريق عبد الأعلى، عن شعبة به، بلفظ:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقوم إلى الصلاة " فخالف عبد الأعلى خالد بن الحارث عند مسلم وأبا عامر العقدي عن أبي عوانة، وشبابة عند أبي يعلى وهاشم بن القاسم عند الطحاوي في المشكل، ويحيى بن سعيد من رواية أحمد عنه، فكل هؤلاء لم يذكروا لفظ " يضعون جنوبهم " إلا ما كان من طريق محمد بن عبد السلام الخشني، عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد به، وتكلمت عليها.
جاء في تلخيص الحبير (1/ 210): قال الخلال: قلت لأحمد: حديث شعبة كانوا يضعون جنوبهم؟ فتبسم، وقال: هذا بمرة يضعون جنوبهم. اهـ
فتبين من هذا أن لفظ شعبة تضمن زيادتين:
الأولى: قوله: " على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " انفرد بها تمتام، وهو وإن كان ثقة إلا أنه يخطئ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الثانية: زيادة " يضعون جنوبهم " جاءت من طريق محمد بن بشار، انفرد عنه بذكرها محمد بن عبد السلام الخشني، وقد روى الحديث الترمذي وتمتام عن محمد بن بشار بدون ذكر هذه الزيادة.
كما جاءت من طريق عبد الأعلى، عن شعبة، وأما باقي الرواة عن شعبة فلم يذكروها، هذا وإن كنت ضعفت هذه الزيادة من طريق شعبة إلا أنها جاءت من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة بسند رجاله ثقات كما سيأتي.
هذا ما يمكنني أن أقوله عن رواية شعبة، عن قتادة، والله أعلم.
الطريق الثاني: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.
ررواه أبو يعلى الموصلي في مسنده (3199) حدثنا عبيد الله - يعني القواريري - حدثنا خالد - يعني: ابن الحارث - حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس أو عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يضعون جنوبهم، فينامون، منهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، وسعيد بن أبي عروبة روى عنه خالد بن الحارث قبل اختلاطه، وأخرج الشيخان البخاري ومسلم حديث ابن أبي عروبة من طريق خالد بن الحارث، عنه، وقد زاد فيه سعيد قوله:" كانوا يضعون جنوبهم "
قال أبو حاتم عن سعيد: هو قبل أن يختلط ثقة، وكان أعلم الناس بحديث قتادة.
وقال أبو داود الطيالسي: كان أحفظ أصحاب قتادة.
وقال يحيى بن معين كما في تهذيب الكمال (11/ 9): أثبت الناس في قتادة سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة، فمن حدثك من هؤلاء الثلاثة بحديث - يعني: عن قتادة- فلا تبالي أن لا تسمعه من غيره. اهـ
وإذا كان سعيد بن أبي عروبة من أثبت أصحاب قتادة، فإن خالد بن الحارث من أثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة، قال ابن عدي: وأثبت الناس عنه - يعني: عن ابن عروبة - يزيد بن زريع وخالد بن الحارث. اهـ
وقد روى أبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (829) من طريق بندار، ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة به، بلفظ: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يقومون، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فيصلون، ولا يتوضؤون، قال: سمعته من أنس؟ قال: إي والله.
وهذا اللفظ أرجح من رواية خالد بن الحارث عن سعيد، لأنه موافق لرواية شعبة وغيره عن قتادة، والله أعلم.
وأخرجه البزار (282) حدثنا ابن المثني، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد به، بلفظ خالد ابن الحارث، عن سعيد. وهذا سند صالح في المتابعات؛ لأن ابن أبي عدي وإن كان ثقة إلا أنه سمع من سعيد بعد اختلاطه، لكن متابعة خالد بن الحارث تقويه، وقد قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 248) عن رواية أبي يعلى والبزار: ورجاله رجال الصحيح. اهـ
الطريق الثالث: هشام الدستوائي، عن قتادة.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 123) حدثنا وكيع، عن هشام، عن قتادة، عن أنس، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفقون برؤوسهم، ينتظرون صلاة العشاء، ثم يقومون، فيصلون، ولا يتوضؤون ".
وهذا سند رجاله كلهم ثقات، وزاد فيه هشام قوله:" يخفقون برؤوسهم " فإنها لم ترد من حديث قتادة إلا من طريق هشام.
وأخرجه الداقطني (1/ 131) من طريق وكيع به.
وأخرجه أبو داود (200) ومن طريقه أخرجه أخرجه البيقهي في السنن (1/ 119)، وابن عبد البر كما في فتح البر (3/ 310)، قال أبو داود: حدثنا شاذ بن فياض، قال: حدثنا هشام الدستوائي به. وصححه أبو داود.
وقد جاء لفظ: " حتى تخفق رؤوسهم " من غير طريق قتادة، لكن في سندها مبهم، فقد أخرج الشافعي في الأم (1/ 12) ومن طريقه أخرجه البغوي في شرح السنة (163) قال الشافعي: أخبرنا الثقة، عن حميد الطويل، عن أنس، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء، فينامون. أحسبه قال: قعوداً حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون".
الطريق الرابع: عن معمر، عن قتادة به،
أخرجه عبد الرزاق (483) عن معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة، وإني لأسمع لبعضهم غطيطاً - يعني: وهو جالس - فما =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يتوضؤون. قال معمر: فحدثت به الزهري، فقال رجل عنده: أو خطيطاً. قال الزهري: لا، قد أصاب غطيطاً.
وأخرجه الداقطني (1/ 130) والبيقهي (1/ 120) من طريق ابن المبارك، أنا معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً. قال ابن المبارك: هذا عندنا، وهم جلوس. قال الدراقطني: صحيح.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات إلا أن معمراً انفرد عن قتادة بقوله: " وإني لأسمع لبعضهم غطيطاً " ولم يذكر هذه الزيادة أصحاب قتادة المقدمين فيه، من أمثال شعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة، ورواية معمر عن قتادة فيها كلام، قال ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري (1/ 299): قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: قال معمر: جلست إلى قتادة، وأنا صغير، لم أحفظ عنه الأسانيد. قال الدارقطني في العلل: معمر سيء الحفظ لحديث قتادة. اهـ
وبالتالي تكون رواية سماع الغطيط زيادة شاذة.
وأما تصحيح الدارقطني مع كون هذا التصحيح في السنن، وليس في العلل، وبينهما فرق كبير فلعله يقصد تصحيح الحديث في الجملة باعتبار أن مسلماً قد أخرج هذا الحديث، وقد رواه الطبقة الأولى من أصحاب قتادة مثل شعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة، ولم يقصد تصحيح ما خالف فيه معمر أصحاب قتادة، لأني سبق أن نقلت عن الدارقطني قوله: معمر سيء الحفظ لحديث قتادة.
الطريق الخامس: أبو هلال الراسبي، عن قتادة.
أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3444) والدارقطني في السنن (1/ 130) من طريقين عن أبي هلال به، بلفظ: " كنا نأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ننتظر الصلاة، فمنا من ينعس وينام، أو ينعس، ثم يصلي ولا يتوضأ.
وهذا إسناد فيه لين، أبو هلال الراسبي قال فيه الحافظ في التقريب: صدوق فيه لين، وقد تفرد بقوله:" فمنا من ينعس وينام، أو ينعس " والله أعلم.
هذا ما وقفت عليه من طرق الحديث، وإذا تبين أن لفظة " على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليست محفوظة في الحديث لم يكن حجة إلا دلالته على إجماع الصحابة، لقوله: " كان =
وأجيب عن هذا الحديث:
بأن المراد منه نوم الجالس الممكن مقعدته، حمله على هذا ابن المبارك كما تقدم بيانه في الحاشية، وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي كما في تلخيص الحبير
(1)
.
لكن يمنع منه زيادة «فيضعون جنوبهم» على القول بصحة هذه الزيادة.
وحمله بعضهم على النوم الخفيف قال القرطبي في المفهم: «وهذا النوم في هذه الأحاديث هو الخفيف المعبر عنه بالسنة التي ذكرها الله تعالى في قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}» ثم قال: «قال المفضل: السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب» . اهـ
ولا بد من الجمع بين هذه الحديث وبين الأحاديث الموجبة للوضوء أو إثبات التعارض.
فإن قلنا بالجمع بينهما ففيها ما تقدم ذكره من الجمع.
وإن قلنا بالتعارض فإن الأحاديث الموجبة للوضوء ناقلة عن البراءة الأصلية فتكون مقدمة على غيرها، والأولى القول بالجمع؛ لأنه لا يصار إلى التعارض والجمع ممكن.
= أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون
…
الحديث. فإنه ظاهر في حكاية الاتفاق عنهم، وإن كان هذا الاطلاق ليس صريحاً في الإجماع؛ لأن لفظ " كان " قد تدل على فعل الأغلب لا على فعل الكل، والله أعلم، خاصة أنه ثبت عن بعض الصحابة كما سيأتي من يرى مطلق النوم حدثاً ناقضاً للوضوء، لكن جاءت أحاديث صريحة في الرفع بمعنى حديث أنس كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
انظر أطراف المسند (1/ 490)، تحفة الأشراف (1271)، إتحاف المهرة (1500، 1619).
(1)
تلخيص الحبير (1/ 210).