الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخوارج حملة رجل واحد وهو ثابت، وضرب على رأسه عدّة ضربات فلم تؤثر فيه، فلما رأى أصحابه ثباته رجعوا إليه وقاتلوا وصبروا، فانهزم هارون ومن معه وقتل خلق كثير، وكانت هذه الوقعة في سنة اثنتين وثمانين «1» ومائتين، فتحيّر هارون في أمره فقصد البريّة، ونزل عند بنى تغلب ثم عاد إلى معلثايا، ورجع إلى البريّة ثم رجع إلى دجلة، وتكرّر ما بين ذلك، فلما رأى أصحابه قوّة دولة الخليفة المعتضد بالله راسلوا الخليفة في طلب الأمان، فأمّنهم فأتاه ثلاثمائة وستون رجلا، وبقى مع هارون بعضهم، وهو يجول في البلاد إلى أن قتل.
ذكر مقتل هارون
وفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين سار المعتضد بالله إلى الموصل، ووصل إلى تكريت وأقام بها، وأحضر الحسين بن حمدان وبعثه في طلب هارون في جماعة من الفرسان والرجّالة، فانتخب الحسين ثلاثمائة رجل فسار بهم، ومعه وصيف فقال له الحسين: مره يا أمير المؤمنين بطاعتى، فأمره بذلك، فسار بهم الحسين حتى انتهى إلى مخاضة في دجلة، فقال الحسين لوصيف ولمن معه ليقفوا هناك، وقال: ليس لهارون طريق- إن هرب- غيرها، فلا تبرحوا من هذا الموضع حتى يمرّ بكم فتمنعوه من العبور وأكون أنا من خلفه، ومضى الحسين في طلب هارون فلقيه، واقتتلوا وقتل من الفريقين عدّة قتلى، ثم انهزم
هارون، وأقام وصيف على المخاضة ثلاثة أيام، فقال له أصحابه:
قد طال مقامك ولسنا نأمن أن يأخذ حسين هارون، فيكون الفتح له دوننا، والصواب أن تمضى في آثارهم فأطاعهم ومضى، ولما فارق المخاضة جاء هارون فعبرها، وجاء الحسين في أثره إلى الموضع فلم ير وصيفا وأصحابه في الموضع الذى تركهم فيه، فعبر في أثر هارون وانتهى إلى حىّ من أحياء العرب، فسأل عنه فكتموه أمره فهدّدهم فأعلموه أنّه اجتاز بهم، فتبعه حتى أدركه بعد أيام وهارون في نحو مائة رجل، فناشده فأبى الحسين إلا قتاله، وحاربه وألقى نفسه عليه وأسره، وجاء به إلى المعتضد بالله إلى بغداد فوصلها لثمان بقين من شهر ربيع الأول، وأدخل هارون على فيل، وأرادوا أن يلبسوه ديباجا مشهّرا فامتنع «1» ، وقال: هذا لا يحلّ فألبسوه كارها، ولما صلب نادى بأعلى صوته لا حكم إلا لله ولو كره المشركون، وكان هارون صفريا، وكانت مدة خروج هذه الطائفة، منذ خرج مساور إلى أن أسر هارون ثلاثين سنة، منها أيام مساور عشر سنين، ومدة خروج هارون عشرون سنة، والله تعالى أعلم.