الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
براوغ في الدعاء له على المنابر، ثم إنّ عليا استعدّ لمتّوث وسار إليها فلم يظفر بها، فرجع وعمل السلاليم والآلات التى يصعد بها إلى السور، واستعدّ لقصدها فعرف ذلك مسرور البلخى، وهو يومئذ بكور الأهواز، فلما سار علىّ إليها سار إليه مسرور، فوافاه قبل المغرب وهو نازل عليها، فلما عاين الزنج أوائل خيل مسرور انهزموا أقبح هزيمة، وتركوا ما كانوا أعدّوه وقتل منهم خلق كثير، وانصرف علىّ مهزوما، فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتته الأخبار باقبال الموفّق، ولم يكن لعلىّ بعدها وقعة، حتى فتحت سوق الخميس وطهيثا على الموفّق؛ على ما نذكره إن شاء الله، فكتب إليه صاحبه يأمره بالعود إليه ويستحثه حثا شديدا.
ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة
كان مسيره لذلك في سنة ست وستين ومائتين، وسبب ذلك أن الزنج لما دخلوا واسط وفعلوا بها ما فعلوا- واتصل ذلك بالموفّق- أمر ابنه أبا العباس بتعجيل المسير بين يديه، إليهم، فسار في شهر ربيع الآخر وشيّعه أبوه، وسيّر معه عشرة آلاف من الرجّالة والخيّالة فى العدّة الكاملة، وأخذ معه الشذاوات والسميريّات والمعابر للرجّالة، فسار حتى وافى دير العاقول، وكان على مقدمته في الشذاوات نصير المعروف بأبى حمزة، فكتب نصير إليه يخبره أنّ سليمان بن جامع قد وافى خيله ورجله وشذاوات وسميريّات- والجبّائى على مقدمته، حتى
نزل الجزيرة فحصر بردودا «1» ، وأنّ سليمان بن موسى الشعرانىّ قد وافى الصلح، ووجّه طلائعه ليعرف أخبارهم، فعادوا وأعلموه موافاة الزنج وجيشهم، وأن أوّلهم بالصلح وآخرهم ببستان موسى بن بغا أسفل واسط.
قال: وكان سبب جمع الزنج وحشدهم أنهم قالوا: إن العباس فتى حدث غرّ بالحرب، والرأى لنا أن نرميه بحدّنا كلّه، ونجتهد فى أول مرّة نلقاه فلعلّ ذلك يروعه فينصرف عنّا، فجمعوا وحشدوا، فلما علم أبو العباس قربهم عدل عن سنن الطريق واعترض في مسيره، ولقى أصحابه أوائل الزنج فتطاردوا لهم حتى طمعوا فيهم وتبعوهم، وجعلوا يقولون: اطلبوا أميرا للحرب فإنّ أميركم قد اشتغل بالصيد، فلما قربوا منه خرج عليهم فيمن معه، وصاح بنصير إلى أين يتأخر عن هذه الأكلب، فرجع نصير، وركب أبو العباس سميريّة وحفّ به أصحابه من جميع الجهات، فانهزمت الزنج وكثر القتل فيهم، وتبعوهم إلى أن وصلوا قرية عبد الله، وهى على ستة فراسخ من الموضع الذى لقوهم به وأخذوا منهم خمس شذاوات وعدّة سميريّات، وأسر جماعة واستأمن جماعة، فكان هذا أول الفتح.
فسار سليمان بن جامع إلى نهر الأمير، وسار سليمان الشعرانىّ إلى سوق الخميس، وانحدر أبو العباس فأقام بالعمر، وهو على فرسخ من واسط، وأصلح شذاواته وأخذ يراوح القوم القتال ويعاديهم، ثم إن سليمان استعدّ وحشد وجعل أصحابه في ثلاثة أوجه، وقالوا إنّه
حدث غرّ يغرّر بنفسه وكمّنوا كمينا، فبلغ الخبر أبا العبّاس فحذر، وأقبلوا وقد كمّنوا الكمناء ليغتر باتّباعهم فيخرج الكمين عليه، فمنع أبو العبّاس أصحابه من اتّباعهم، فلما علموا أنّ كيدهم لم يتمّ خرج سليمان في الشذاوات والسميريّات، فأمر أبو العبّاس نصيرا أن يبرز إليهم، وركب هو في شذاة من شذاواته سماها الغزال، ومعه جماعة من خاصّته، وأمر الخيّالة بالمسير بازائه على شاطىء النهر إلى أن ينقطع، فيعبروا دوابّهم، ونشبت الحرب بين الفريقين فوقعت الهزيمة على الزنج، وغنم أبو العبّاس منهم أربع عشرة شذاة، وأفلت سليمان والجبّائى بعد أن أشفيا على الهلاك، وبلغوا طهيثا وأسلموا ما كان معهم، ورجع أبو العباس إلى معسكره، وأقام الزنج عشرين يوما لا يظهر منهم أحد، وجعلوا على طريق الخيل آبارا وجعلوا فيها سفافيد حديد، وجعلوا على رؤوسها البوارى والتراب ليسقط فيها المجتازون، فسقط فيها رجل ففطنوا لها فتركوا ذلك الطريق. واستمد سليمان صاحب الزنج فأمدّه بأربعين سميريّة بآلاتها ومقاتليها، فعادوا للتعرض للحرب فلم يثبتوا لأبى العبّاس، ثم سيّر إليهم عدة سميريّات فأخذها الزنج، فبلغه الخبر وهو يتغدّى فركب في سميريّة ولم ينتظر أصحابه وتبعه منهم من خفّ فأدرك الزنج، فانهزموا وألقوا أنفسهم في الماء، فاستنقذ سميريّاته ومن كان فيها، وأخذ منهم إحدى وثلاثين سميريّة ورمى أبو العبّاس يومئذ عن قوس حتى دميت ابهامه، فلما رجع أمر لمن معه بالخلع، وأمر باصلاح السميريّات المأخوذة من الزنج.
ثم إنّ أبا العبّاس رأى أن يتوغّل مازروان حتى يصير إلى الحجّاجيّة ونهر الأمير، ويعرف ما هناك، فقدّم نصيرا في أوّل السميريّات
وركب أبو العبّاس في سميريّة ومعه محمد بن شعيب، ودخل مازروان وهو يظن أنّ نصيرا أمامه، فلم يقف له على خبر، وكان قد سار على غير طريق أبى العباس، وخرج من مع أبى العبّاس من الملّاحين إلى غنم رأوها ليأخذوها، فبقى هو ومحمد بن شعيب فأتاهما جمع من الزنج من جانبى النهر، فقاتلهم أبو العباس بالنشّاب، ووافاه زيرك في باقى الشذاوات، فسلم أبو العبّاس وعاد إلى عسكره، ورجع نصير، وجمع سليمان بن جامع أصحابه وتحصّن بطهيثا، وتحصّن الشعرانىّ وأصحابه بسوق الخميس، وجعلوا يحملون الغلات إليها، واجتمع بالصينيّة جمع كثير، فوجّه أبو العباس جماعة من قوّاده على الخيل إلى ناحية الصينيّة، وأمرهم بالمسير في البرّ وإذا عرض لهم نهر عبروه، وركب هو في الشذاوات والسميريّات، فلما أبصرت الزنج الخيل خافوا ولجأوا إلى الماء والسفن، فلم يلبثوا أن وافتهم الشذاوات مع أبى العبّاس، فلم يجدوا ملجأ فاستسلموا، فقتل منهم فريق وأسر فريق، وألقى فريق أنفسهم في الماء، وأخذ أصحاب أبى العبّاس سفنهم وهى مملوءة أرزا، وأخذ الصينيّة وأزاح الزنج عنها، فانحازوا إلى طهيثا وسوق الخميس، ورجع أبو العباس إلى عسكره وقد فتح الصينيّة.
وبلغه أن جيشا عظيما للزنج مع ثابت بن أبى دلف ولؤلؤ، فسار إليهم وأوقع بهم وقعة عظيمة وقت السحر، فقتل منهم خلقا كثيرا منهم لؤلؤ، وأسر ثابتا فمنّ عليه وجعله مع بعض قوّاده، واستنقذ خلقا كثيرا من النساء، فأمر بردّهنّ إلى أهلهنّ، وأخذ كلّ ما كان الزنج جمعوه، وأمر أصحابه أن يتجهزوا للمسير إلى سوق الخميس،
وأمر نصيرا بتعبئة أصحابه للمسير، فقال له: إن نهر سوق الخميس ضيّق، فأقم أنت ونسير نحن، فأبى عليه، فقال له محمد بن شعيب: إن كنت لا بدّ فاعلا فلا تكثر الشذاوات ولا الرجال فإنّ النهر ضيّق، فسار نصير بين يديه إلى فم برمساور «1» ، فوقف أبو العبّاس وتقدّمه نصير في خمس عشرة شذاة، فى نهر يؤدى إلى مدينة الشعرانىّ، التى سمّاها المنيعة في سوق الخميس، فلما غاب عنه نصير خرج جماعة كثيرة في البرّ على أبى العبّاس، فمنعوه من الوصول إلى المدينة، وقاتلوه قتالا شديدا من أوّل النهار إلى الظهر، وخفى عليه خبر نصير، وجعل الزنج يقولون: قد قتلنا نصيرا، فاغتمّ أبو العبّاس لذلك وأمر محمدا يتعرّف خبره، فسار فرآه عند سكر «2» الزنج، وقد أحرقه وأضرم النار في مدينتهم، وهو يقاتلهم قتالا شديدا، فعاد إلى أبى العبّاس فأخبره فسرّ بذلك، وأسر نصير من الزنج جماعة كثيرة، ورجع حتى وافى أبا العبّاس، ووقف أبو العبّاس فقاتلهم فرجعوا عنه، وكمّن بعض شذاواته وأمر أن تظهر واحدة منها، فطمعوا فيها وأدركوها فعلقوا بسكّانها، فخرجت عليهم السفن الكمائن وفيها أبو العبّاس، فانهزم الزنج وغنم أبو العبّاس منهم ست سميريّات، وانهزموا لا يلوون على شىء من الخوف، ورجع أبو العبّاس إلى عسكره سالما، وخلع على الملّاحين وأحسن إليهم.