المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

قال: ولما كان من أمر أبى سعيد الجنّابى ما كان، اتصلت أخباره بالمعتضد بالله، وكتب إليه أحمد بن محمد بن يحيى الواثقى- وهو إذ ذاك يتولى البصرة- يعلمه خبر أبى سعيد، وأنّه اتّصل به أنّه يريد الهجوم على البصرة، فأمره المعتضد بالله أن يعمل على البصرة سورا فعمله، فكان مبلغ ما صرف عليه أربعة عشر ألف دينار، ثم كتب الواثقى إلى المعتضد يسأله المدد، فسيّر إليه ثلاثمائة رجل في سماريّات، وأنفذ المعتضد بالله العبّاس بن عمرو الغنوى في ألفى رجل، وأقطعه اليمامة والبحرين وأمره بمحاربة القرامطة- وكان يتولّى بلاد فارس- فسار إلى البصرة فوردها وذلك في سنة سبع «1» وثمانين ومائتين، وخرج منها نحو هجر وبينهما بضع عشرة ليلة في فلاة مقفرة، وتبعه من مطوّعة البصرة نحو من ثلاثمائة رجل من بنى ضبة وغيرهم، وعرف أبو سعيد خبرهم فسار نحوهم وقدّم أمامه مقدّمة، فلما عاينهم العبّاس بن عمرو خلف سواده وسار إليهم فيمن خفّ من أهل العسكر وأدرك أبو سعيد مقدّمته في باقى أصحابه، فتناوشوا القتال فكانت بينهم حملات، ثم حجز الليل بينهم فانصرفوا على السواء فلما جاء الليل انصرفت مطوّعة البصرة ومن معهم من بنى ضبّة، فكسر ذلك الجيش وفتّ في أعضادهم، وأصبح العباس بن عمرو فعبّى أصحابه للقتال والتقوا، فجعل بدرا غلام أحمد بن عيسى بن

ص: 239

الشيخ في نحو مائة من أصحابه على ميمنة أبى سعيد، فأوغل فيهم فلم يرجع منهم أحد، وحمل أبو سعيد على العبّاس وأصحابه فانهزموا، وأسر العبّاس بن عمرو ومعه «1» نحو من سبعمائة رجل من أصحابه، واحتوى القرامطة على عسكره، وقتل أبو سعيد من غديومة جميع الأسرى ثم أحرقهم، وترك العبّاس بن عمرو «2» ومضى المنهزمون فتاه كثير منهم في البرّ وتلف كثير منهم عطشا، وورد قوم منهم البصرة فارتاع الناس لهم، حتى أخذوا في الانتقال عن البصرة فمنعهم الواثقى.

قال: ولما كان بعد الوقعة بأيام أحضر أبو سعيد الجنّابى العبّاس ابن عمرو، وقال له: أتحب أن أطلقك؟ قال: نعم قال: على أن تبلغ عنى صاحبك ما أقول، قال: أفعل، قال: تقول الذى أنزل بجيشك ما أنزل بغيك، هذا بلد كان خارجا عن يدك غلبت عليه وأقمت به وكان فيّ من الفضل ما آخذ غيره، فما عرضت لما كان في يدك ولا هممت به، ولا أخفت لك سبيلا، ولا نلت أحدا من رعيّتك بسوء، فتوجيهك إلىّ الجيوش لأى سبب؟! اعلم إنّى لا أبرح عن هذا البلد ولا يوصل إليه وفيّ، وفي هذه العصابة التى معى روح، فاكفنى نفسك ولا تتعرّض لما ليس لك فيه فائدة، ولا تصل إلى مرادك منه إلا ببلوغ القلوب الحناجر، وأطلقه وأرسل معه من يردّه إلى مأمنه، فأوردوه بعض السواحل فصادف مركبا فركب فيه إلى الأبلة، ووصل إلى بغداد في شهر رمضان من السنة. قال: وقد كان الناس يعظّمون

ص: 240

أمر العباس ويكثرون ذكره ويسمّونه قائد الشهداء، فلما وصل إلى المعتضد بالله عاتبه على تركه الاستظهار والتحرّز وأنّبه، فاعتذر بهرب بنى ضبّة ومن كان معهم من المطوّعه وهرب أصحابه عنه، وأنّه لو أراد الهرب لأمكنه، فلم يبرح حتى رضى عنه وزال همّه، ثم سأله عن خبره فعرّفه جميعه، ووصف له أحوال القرامطة وما قاله أبو سعيد بعد أن استأذنه في ذلك فأذن له، فقال: صدق ما أخذ شيئا كان في أيدينا، وأطرق مفكرا ثم رفع رأسه، فقال: كذب عدوّ الله الكافر، المسلمون رعيّتى حيث كانوا من بلاد الله، والله لئن طال بى عمر لأشخصنّ بنفسى إلى البصرة وجميع غلمانى، ولأوجهنّ إليه جيشا كثيفا فإن هزمه وجّهت جيشا، فإن هزمه خرجت في جميع قوّادى وجيشى إليه، حتى يحكم الله بينى وبينه، وشغله بعد ذلك أمر وصيف غلام ابن أبى السّاج وأحفزه، فخرج في طلبه وهو عليل، وذلك في شوّال من هذه السنة، فأخذه وعاد إلى بغداد فدامت علّته واستمرّ وجعه ومات.

قال القاسم بن عبيد الله: ما زال أمير المؤمنين المعتضد بالله يذكر أمر أبى سعيد في مرضه ويتلهّف، فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟

قال: حسرة في نفسى كنت أحب أن أبلغها قبل موتى، والله لقد كنت وضعت في نفسى أن أركب، ثم أخرج إلى باب البصرة متوجّها نحو البحرين، ثم لا ألقى أحدا أطول من سيفى إلا ضربت عنقه، وإنى أخاف أن يكون من هناك حوادث عظيمة.

قال: وأقبل أبو سعيد بعد اطلاق العبّاس على جمع الخيل وإعدا

ص: 241

السلاح واتخاذ الإبل وإصلاح الرجال ونسج الدروع والمغافر ونظم الجواشن وضرب السيوف والأسنّة واتخاذ الروايا والمزاد والقرب وتعليم الصبيان الفروسية، وطرد الأعراب عن قربه وسدّ الوجوه التى يتعرّف منها أمر بلده وأحواله بالرجال واصلاح أراضى المزارع وأصول النخل وعمارته، واصلاح مثل هذه الأمور وتفقدها، ونصب الأمناء على ذلك، وإقامة العرفاء على الرجال، والاحتياط على ذلك كلّه، حتى بلغ من تفقّده واحتياطه أنّ الشاة كانت تذبح فيسلّم اللحم إلى العرفاء، ليفرّقوه على من يرسم لهم، ويدفع الرأس والأكارع والبطن إلى العبيد والإماء، ويجزّ الصوف والشعر من الغنم ويفرّقه على من يغزله، ثم يدفع إلى من ينسجه عبيّا وأكسبة وغرائر وجوالقات ويفتل منه حبال، ويسلّم الجلد إلى الدبّاغ، فإذا خرج من الدبّاغ سلّم إلى خرّازى القرب والروايا والمزاد، وما كان من الجلود يصلح نعالا وخفافا عمل منه، ثم يجمع ذلك كلّه إلى خزائن، فكان ذلك دأبه لا يغفل عنه، ويوجّه في كلّ مديدة بخيل إلى ناحية البصرة، فتأخذ من وجدت فتصير بهم إليه فيستعبدهم، فزادت بلاده وعظمت هيبته فى صدور الناس.

قال الشريف أبو الحسين: وقد كان واقع بنى ضبّة عند طرده لهم عن قرب بلده، فأصاب منهم وأصابوا منه، ولم يتب عدوا عنه بعيدا، فلما شخص مع العبّاس بن عمرو منهم من شخص- فى وقت مسيره لقتاله- ازداد بذلك حنقا عليهم، فواقعهم وقائع مشهورة بالشدّة والعظم، ثم ظفر بهم فأخذ منهم خلقا، وبنى لهم حبسا عظيما وجمعهم فيه وسدّه عليهم، ومنعهم الطعام والشراب فصاحوا وضجّوا

ص: 242