المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

أحد العلماء بكل فلسفة وغيرها، وأنّه يعلم ما يكون قبل كونه، ومخرق بجهده على جهّال فصاروا له أتباعا، وأفسد فسادا عظيما، قال الشريف: وادعى خلافته من مخرق بعده إلى الآن.

وحكى ابن الأثير في تاريخه الكامل «1»

: أن الخليفة المقتدر بالله أرسل إلى حريث بن مسعود، هارون بن غريب وإلى عيسى بن موسى صافى النصرى، فأوقعوا بهم وانهزمت القرامطة وقتل أكثرهم وأسروا وأخذت أعلامهم وكانت بيضاء وعليها مكتوب (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)

«2»

فدخلت بغداد منكوسة، واضمحلّ أمر القرامطة بالسواد.

نعود إلى أخبار أبى طاهر

‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

وفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة حجّ بالناس منصور الديلمى، وسلموا في مسيرهم حتى أتوا مكة، فوافاهم أبو طاهر القرمطى بمكة يوم التروية، وهو يوم الاثنين لثمان خلون من ذى الحجة، فنهب هو وأصحابه أموال الحجّاج وقتلوهم حتى في المسجد الحرام والبيت، وقلعوا الحجر الأسود وأنفذوه إلى هجر، وأخذوا كسوة الكعبة وباب

ص: 296

البيت، وطلع رجل منهم ليقلع الميزاب «1»

فسقط فمات، وخرج أمير مكة ابن مجلب في جماعة من الأشراف إلى أبى طاهر، وسألوه في أموالهم فلم يشفّعهم فقاتلوه فقتلهم جميعا وطرح القتلى في بئر زمزم، ودفن الناس في المسجد الحرام حيث قتلوا من غير غسل ولا كفن ولا صلاة على أحد منهم، ونهب دور أهل مكة، قال الشريف أبو الحسين: ولما نهب القرامطة مكة ورجع أبو طاهر إلى بلده لحقه كدّ شديد عند خروجه من مكة، وحاصرته هذيل فأشرف على الهلكة إلى أن عدل به دليل من الطريق المعروف إلى غيره، فوصل إلى بلده بعد ذلك في المحرم سنة ثمانى عشرة وثلاثمائة، فأقام به ثم سار إلى الكوفة فدخلها في شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة، فاشتروا منها أمتعة وأسروا خلقا من السواد، وعاثوا ورجعوا بعد خمسين يوما إلى بلدهم، فأقاموا به.

وأنفذ أبو طاهر سريّة إلى جنّابه وسينيز ومهروبان في البحر، فيها وجوه أصحابه في نحو أربعين مركبا، فوافت ساحل سينيز فصعدوا من المراكب، فحملوا على أهلها حملة واحدة فانكشف الناس عنهم، فوضعوا فيهم السيف فمالقوا أحدا إلا قتلوه من رجل وامرأة، فما نجا إلا من لحق بالجبال وسبوا النساء، فترك الناس الديار وخرجوا يريدون الهرب، فنادى أبو بكر الطرازى في الناس:

لا هرب أحد، فإنّا نقاتل من ورد إلينا، وضرب بالبوق ووجّه من

ص: 297

حبس الناس عن سلوك الطرقات وردّهم إلى البلد، وجمع الناس بالمسجد الجامع ورغبّهم في الجهاد وأسعفهم بماله، ورغبت المتطوّعة في الاجتماع فقويت قلوب الناس، وأنفذ أبو بكر سريّة من وقته من خاصّة غلمانه في نحو ثلاثمائة رجل في البحر، ووجّه سريّة أخرى في البر، وأنفذ إلى مهروبان يخبر أنّه على لقاء العدوّ، وسألهم الإنجاد في المراكب لمعاونة أهل جنّابه على قتال القرامطة، فساروا والتقى الفريقان في البرّ والبحر من أهل جنابه وسينيز، ووافت قوارب مهروبان فأشعلوا النيران في القوارب، فأحرقوا بعضها وتخلص منهم نحو عشرين قاربا، وانتشبت الحرب فقتل الله منهم خلقا كثيرا، وأسر جماعة ولحق بعضهم بالجبال، وورد على أبى بكر الطرازى من أخبره بذلك، فجمع الناس وغدا نحو الجبال، وأرسل فارسا إلى من بسينيز من أصحابه أن يلحقوا به، وأنفذ إلى جنّابه ألّا يتخلّف عنه من فيه حراك، لتكون الوقعة بهم من كل وجه، فوافوا المنهزمين من القرامطة في بعض كهوف الجبال، وذلك في يوم الأربعاء فلمّا رأوا الناس قد أقبلوا نحوهم كسروا جفون سيوفهم، وحملوا عليهم فثبتوا لهم، ولم تزل الحرب قائمة بينهم يوم الأربعاء والخميس إلى نصف النهار، ثم نادى أبو بكر الطرازى: من جاء برأس فله خمسون درهما، فتنادى الناس بالشهادة وجدّوا ونشطوا، وقتلوا خلقا كثيرا وأخذوا جميع من بقى أسرى، وحملوا مشهرّين والناس يكثرون حمد الله عز وجل والثناء عليه، ولم يفلت منهم أحد.

وكتب الناس محضرا أنفذوه إلى بغداد، وحملت الأسرى والرؤوس معه، قال الشريف: ونسخة المحضر:

ص: 298

بسم الله الرحمن الرحيم- حضر من وقّع بخطّه وشهادته آخر هذا الكتاب المحضر، وقد حضر عندهم ثلاثة من القرامطة- لعنهم الله- ذكر أحدهم أنّه يقال له- سيّار بن عمر بن سيّار، والآخر ذكر أنّه يقال له- على بن محمد بن عمر «1»

، والآخر ذكر أنّه يعرف بأحمد ابن غالب بن جعفر الأحساوى، فذكروا أنّهم متى نفذ رسولهم إلى صاحبهم سليمان بن الحسن القرمطى ردّ الحجر والشّمسة وكسوة البيت وأطلق الأسارى الذين في قبضته، وهادن السلطان وارتدع عن السعى بالفساد والقطع على الحاج، ولم يحفزهم ولم يعترض عليهم، ويقول هؤلاء النفر من جملة الأسرى الذين في يد محمد بن على الطرازى- وهم الذين ظفّر الله بهم- فمتى ما وفى سليمان بن الحسن القرمطى بما بذلوه عنه أفرج السلطان عنهم وردّهم إليه، وذلك في يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وأسفل ذلك خطوط أهل البلد بالشهادة.

وأحضر سيّار بن عمر بن سيّار وعلى بن محمد بن عمر المعروف بأبى الهذيل بن المهلّب وأحمد العيّار، وهم من جملة الأسرى في الوقعتين بسينيز وجنابه، فعرض عليهم رؤوس أصحابهم ممّن قتل من القرامطة، ليعرفوا باسمائهم وأنسابهم فذكروا نحو المائة رأس، ومن الأسرى نحوهم، وحملوا إلى بغداد فحبسوا وأجرى عليهم، ويقال إنّه قد كان فيهم من إخوة سليمان بن الحسن من كتم أمره.

وحدّثنى ابن حمدان أنّهم كانوا بعد خلاصهم ومصيرهم إلى

ص: 299

أبى طاهر يتحدثون: أن كثيرا من الكبراء وغيرهم كانوا يرسلون إليهم ما يتقرّبون به إلى قلوبهم، وذكروا أنهم كانوا يكثرون الخشوع وذكر النبى صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإقامة الصلاة؛ قال:

ويضحكون من فعلهم هذا وخديعتهم الناس، قال: ويضحك أبو طاهر وإخوته مما يتحدثون به، قال: وكان سبب تخلص هؤلاء الأسرى أن أبا بكر بن ياقوت كتب في المهادنة، وجرى بينهم خطوب في المراسلة إلى أن وافقهم أن يردّوا الحجر الأسود ويخلوا الأسرى ولا يعرضوا للحاج، فجرى الأمر على ذلك.

قال الشريف: وفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة دخل القرمطى الكوفة، واستقبل لؤلؤا الأمير خارجا بالحاج في ذى القعدة، فرجع بهم لؤلؤ إلى الكوفة وتفرّقوا فيها، بعد أن واقعته الخراسانية فلم يقدر على مقاومتهم وامتنعوا منه، إلا أن الناس تسرّبوا وافترقوا، فظفر بمن ظفر منهم فلم يكثر القتل وأخذ ما وجد، وأشار بعض أهل الكوفة على بعض أصحابه في هذه السنة- عند نزولهم بالكوفة- أن يسار في الحاج بغير ما يجرى فيهم، فقال الرجل: الذى من أصحاب القرمطى: والله ما ندرى ما عند سيّدنا أبى طاهر، من نمزيق هؤلاء الذين من شرق الأرض وغربها، واتخاذهم ومن وراءهم أعداء، وما يفوز بأكثر أموالهم إلا الأعراب والشرّاد من الناس، قال الكوفي:

فلو أنّه حين يظفر بهم دعاهم أن يؤدى كل رجل دينارا وأطلقهم وأمّنهم لم يكره أحد منهم ذلك وخفّ عليهم وسهل، وحجّ الناس من كل بلد لأنّهم ظماء إلى ذلك جدا، ولم يبق ملك إلا كاتبه وهاداه واحتاج إليه في حفظ أهل بلده وخاصّته، فجبى في كل سنة

ص: 300

ما لا يصبر إلى سلطان مثله من الخراج، واستولى على الأرض وانقاد له الناس، وإن منع من ذلك السلطان اكتسب المذمّة، وصار عند الناس هو المانع من الحج، فاستصوب رأيه وفرّج عنه، لأن أصحاب أبى طاهر كان قد ظهر منهم اضطراب عليه وقلّت طاعتهم له، قال:

حتى لقد سمعت بعضهم وقد لحقه فارس من العرفاء يركض ويدور في الكوفة ويقول: ارجع إلى العسكر فإنّ السيّد يأمرك بذلك، فذكر أمّه بقبيح من الشّتيمة بعد أن كانوا يعبدونه، قال: ولما سمع رئيس القرامطة كلام الكوفي وما أشار به من أمر الحاج وما جرى من الكلام في ذلك دخل إلى أبى طاهر فعرّفه ما جرى، فبادر من وقته ونادى في الناس بالأمان، وأحضر الخراسانيّة وقرّر معهم أنهم يحجّون ويؤدون إليه المال في كل سنة، ويكونون آمنين على أنفسهم وأموالهم فلم يأمنوا له، فسلّم سياسة أمرهم إلى أبى على عمر بن يحيى العلوى، واستقرّ للقرامطة ضريبة ورسم على سفر الحاج.

قال الشريف: ولمّا كان في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة كبس أبو طاهر الكوفة عشية، وفيها شفيع اللؤلؤى أمير، فهرب من مجلسه والناس عنده، ورمى بنفسه من سطحه واستتر عند امرأة ضعيفة، وظهر الجند من الطرقات فقاوموا من لحقهم من جيشه، وامتنع أكثرهم منه وخرجوا سالمين إلا نفرا منهم أصيبوا، ووجّه أبو طاهر إلى شفيع اللؤلؤى فأمّنه وأحضره، فحضر إليه وقدّم إليه طعاما يأكله، وطلبت مائدة يأكل عليها، فقيل ما يحضر إلا مائدة نهبت من داره، فقال أبو طاهر: قبيح أن يراها فافرشوها بالرقاق لكى لا يعرفها، ففعلوا

ص: 301

ذلك وقدّمت إليه، وكان يحمل إلى أبى طاهر صحفة صحفة مما يقدّم إليه، فينظر إليها أولا وينفذها إليه وكان ذلك لدناءته ومهانته، وتفرّق أصحابه عنه وقلّت طاعتهم له فاحتاج إلى المداراة، فوجّه إلى شفيع من يخاطبه في أن يمضى إلى السلطان، ويعرّفه أنّهم صعاليك لا بدّ لهم من أموال، وأنّه إن أعطاهم ما لا لم يفسدوا عليه شيئا وخدموه فما يلتمسه، وإن أبى ذلك لم يجدوا بدا من أن يأكلوا بأسيافهم وسيّره أبو طاهر ووصله، وخرج شفيع إلى السلطان فقدم إلى القرمطى أبو بكر بن مقاتل من قبل السلطان يناظره، ففتّ في عضده وملأ صدره من السلطان وأتباعه، فزاده ذلك انكسارا وذلة وسار عن الكوفة.

وفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة فسدت رجال القرامطة وقتل بعضهم بعضا، وسبب ذلك أنّه كان منهم رجل يقال له ابن سنبر، وهو من خواص أبى سعيد الجنّابى المطلعين على سرّه، وكان له عدوّ من القرامطة اسمه أبو حفص الشريك، فعمد ابن سنبر إلى رجل من أصفهان، وقال له: إذا ملّكتك أمر القرامطة نقتل عدوّى، فأجابه إلى ذلك وعاهده عليه، فأطلعه على أسرار أبى سعيد وعلامات كان يذكرها في صاحبهم الذى يدعو إليه، فحضر إليه أولاد أبى سعيد فذكر لهم العلامات، فقال أبو طاهر: هذا هو الذى ندعو إليه، فأطاعوه ودانوا له حتى كان يأمر الرجل منهم بقتل أخيه فيقتله، وكان إذا كره رجل منهم يقول إنه مريض- يعنى قد شك في دينه ويأمر بقتله، وبلغ أبو طاهر أنّ الأصفهانى يريد قتله لينفرد بالأمر، فقال لإخوته:

ص: 302