الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحد العلماء بكل فلسفة وغيرها، وأنّه يعلم ما يكون قبل كونه، ومخرق بجهده على جهّال فصاروا له أتباعا، وأفسد فسادا عظيما، قال الشريف: وادعى خلافته من مخرق بعده إلى الآن.
وحكى ابن الأثير في تاريخه الكامل «1»
: أن الخليفة المقتدر بالله أرسل إلى حريث بن مسعود، هارون بن غريب وإلى عيسى بن موسى صافى النصرى، فأوقعوا بهم وانهزمت القرامطة وقتل أكثرهم وأسروا وأخذت أعلامهم وكانت بيضاء وعليها مكتوب (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)
«2»
فدخلت بغداد منكوسة، واضمحلّ أمر القرامطة بالسواد.
نعود إلى أخبار أبى طاهر
ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك
وفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة حجّ بالناس منصور الديلمى، وسلموا في مسيرهم حتى أتوا مكة، فوافاهم أبو طاهر القرمطى بمكة يوم التروية، وهو يوم الاثنين لثمان خلون من ذى الحجة، فنهب هو وأصحابه أموال الحجّاج وقتلوهم حتى في المسجد الحرام والبيت، وقلعوا الحجر الأسود وأنفذوه إلى هجر، وأخذوا كسوة الكعبة وباب
البيت، وطلع رجل منهم ليقلع الميزاب «1»
فسقط فمات، وخرج أمير مكة ابن مجلب في جماعة من الأشراف إلى أبى طاهر، وسألوه في أموالهم فلم يشفّعهم فقاتلوه فقتلهم جميعا وطرح القتلى في بئر زمزم، ودفن الناس في المسجد الحرام حيث قتلوا من غير غسل ولا كفن ولا صلاة على أحد منهم، ونهب دور أهل مكة، قال الشريف أبو الحسين: ولما نهب القرامطة مكة ورجع أبو طاهر إلى بلده لحقه كدّ شديد عند خروجه من مكة، وحاصرته هذيل فأشرف على الهلكة إلى أن عدل به دليل من الطريق المعروف إلى غيره، فوصل إلى بلده بعد ذلك في المحرم سنة ثمانى عشرة وثلاثمائة، فأقام به ثم سار إلى الكوفة فدخلها في شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة، فاشتروا منها أمتعة وأسروا خلقا من السواد، وعاثوا ورجعوا بعد خمسين يوما إلى بلدهم، فأقاموا به.
وأنفذ أبو طاهر سريّة إلى جنّابه وسينيز ومهروبان في البحر، فيها وجوه أصحابه في نحو أربعين مركبا، فوافت ساحل سينيز فصعدوا من المراكب، فحملوا على أهلها حملة واحدة فانكشف الناس عنهم، فوضعوا فيهم السيف فمالقوا أحدا إلا قتلوه من رجل وامرأة، فما نجا إلا من لحق بالجبال وسبوا النساء، فترك الناس الديار وخرجوا يريدون الهرب، فنادى أبو بكر الطرازى في الناس:
لا هرب أحد، فإنّا نقاتل من ورد إلينا، وضرب بالبوق ووجّه من
حبس الناس عن سلوك الطرقات وردّهم إلى البلد، وجمع الناس بالمسجد الجامع ورغبّهم في الجهاد وأسعفهم بماله، ورغبت المتطوّعة في الاجتماع فقويت قلوب الناس، وأنفذ أبو بكر سريّة من وقته من خاصّة غلمانه في نحو ثلاثمائة رجل في البحر، ووجّه سريّة أخرى في البر، وأنفذ إلى مهروبان يخبر أنّه على لقاء العدوّ، وسألهم الإنجاد في المراكب لمعاونة أهل جنّابه على قتال القرامطة، فساروا والتقى الفريقان في البرّ والبحر من أهل جنابه وسينيز، ووافت قوارب مهروبان فأشعلوا النيران في القوارب، فأحرقوا بعضها وتخلص منهم نحو عشرين قاربا، وانتشبت الحرب فقتل الله منهم خلقا كثيرا، وأسر جماعة ولحق بعضهم بالجبال، وورد على أبى بكر الطرازى من أخبره بذلك، فجمع الناس وغدا نحو الجبال، وأرسل فارسا إلى من بسينيز من أصحابه أن يلحقوا به، وأنفذ إلى جنّابه ألّا يتخلّف عنه من فيه حراك، لتكون الوقعة بهم من كل وجه، فوافوا المنهزمين من القرامطة في بعض كهوف الجبال، وذلك في يوم الأربعاء فلمّا رأوا الناس قد أقبلوا نحوهم كسروا جفون سيوفهم، وحملوا عليهم فثبتوا لهم، ولم تزل الحرب قائمة بينهم يوم الأربعاء والخميس إلى نصف النهار، ثم نادى أبو بكر الطرازى: من جاء برأس فله خمسون درهما، فتنادى الناس بالشهادة وجدّوا ونشطوا، وقتلوا خلقا كثيرا وأخذوا جميع من بقى أسرى، وحملوا مشهرّين والناس يكثرون حمد الله عز وجل والثناء عليه، ولم يفلت منهم أحد.
وكتب الناس محضرا أنفذوه إلى بغداد، وحملت الأسرى والرؤوس معه، قال الشريف: ونسخة المحضر:
بسم الله الرحمن الرحيم- حضر من وقّع بخطّه وشهادته آخر هذا الكتاب المحضر، وقد حضر عندهم ثلاثة من القرامطة- لعنهم الله- ذكر أحدهم أنّه يقال له- سيّار بن عمر بن سيّار، والآخر ذكر أنّه يقال له- على بن محمد بن عمر «1»
، والآخر ذكر أنّه يعرف بأحمد ابن غالب بن جعفر الأحساوى، فذكروا أنّهم متى نفذ رسولهم إلى صاحبهم سليمان بن الحسن القرمطى ردّ الحجر والشّمسة وكسوة البيت وأطلق الأسارى الذين في قبضته، وهادن السلطان وارتدع عن السعى بالفساد والقطع على الحاج، ولم يحفزهم ولم يعترض عليهم، ويقول هؤلاء النفر من جملة الأسرى الذين في يد محمد بن على الطرازى- وهم الذين ظفّر الله بهم- فمتى ما وفى سليمان بن الحسن القرمطى بما بذلوه عنه أفرج السلطان عنهم وردّهم إليه، وذلك في يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وأسفل ذلك خطوط أهل البلد بالشهادة.
وأحضر سيّار بن عمر بن سيّار وعلى بن محمد بن عمر المعروف بأبى الهذيل بن المهلّب وأحمد العيّار، وهم من جملة الأسرى في الوقعتين بسينيز وجنابه، فعرض عليهم رؤوس أصحابهم ممّن قتل من القرامطة، ليعرفوا باسمائهم وأنسابهم فذكروا نحو المائة رأس، ومن الأسرى نحوهم، وحملوا إلى بغداد فحبسوا وأجرى عليهم، ويقال إنّه قد كان فيهم من إخوة سليمان بن الحسن من كتم أمره.
وحدّثنى ابن حمدان أنّهم كانوا بعد خلاصهم ومصيرهم إلى
أبى طاهر يتحدثون: أن كثيرا من الكبراء وغيرهم كانوا يرسلون إليهم ما يتقرّبون به إلى قلوبهم، وذكروا أنهم كانوا يكثرون الخشوع وذكر النبى صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإقامة الصلاة؛ قال:
ويضحكون من فعلهم هذا وخديعتهم الناس، قال: ويضحك أبو طاهر وإخوته مما يتحدثون به، قال: وكان سبب تخلص هؤلاء الأسرى أن أبا بكر بن ياقوت كتب في المهادنة، وجرى بينهم خطوب في المراسلة إلى أن وافقهم أن يردّوا الحجر الأسود ويخلوا الأسرى ولا يعرضوا للحاج، فجرى الأمر على ذلك.
قال الشريف: وفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة دخل القرمطى الكوفة، واستقبل لؤلؤا الأمير خارجا بالحاج في ذى القعدة، فرجع بهم لؤلؤ إلى الكوفة وتفرّقوا فيها، بعد أن واقعته الخراسانية فلم يقدر على مقاومتهم وامتنعوا منه، إلا أن الناس تسرّبوا وافترقوا، فظفر بمن ظفر منهم فلم يكثر القتل وأخذ ما وجد، وأشار بعض أهل الكوفة على بعض أصحابه في هذه السنة- عند نزولهم بالكوفة- أن يسار في الحاج بغير ما يجرى فيهم، فقال الرجل: الذى من أصحاب القرمطى: والله ما ندرى ما عند سيّدنا أبى طاهر، من نمزيق هؤلاء الذين من شرق الأرض وغربها، واتخاذهم ومن وراءهم أعداء، وما يفوز بأكثر أموالهم إلا الأعراب والشرّاد من الناس، قال الكوفي:
فلو أنّه حين يظفر بهم دعاهم أن يؤدى كل رجل دينارا وأطلقهم وأمّنهم لم يكره أحد منهم ذلك وخفّ عليهم وسهل، وحجّ الناس من كل بلد لأنّهم ظماء إلى ذلك جدا، ولم يبق ملك إلا كاتبه وهاداه واحتاج إليه في حفظ أهل بلده وخاصّته، فجبى في كل سنة
ما لا يصبر إلى سلطان مثله من الخراج، واستولى على الأرض وانقاد له الناس، وإن منع من ذلك السلطان اكتسب المذمّة، وصار عند الناس هو المانع من الحج، فاستصوب رأيه وفرّج عنه، لأن أصحاب أبى طاهر كان قد ظهر منهم اضطراب عليه وقلّت طاعتهم له، قال:
حتى لقد سمعت بعضهم وقد لحقه فارس من العرفاء يركض ويدور في الكوفة ويقول: ارجع إلى العسكر فإنّ السيّد يأمرك بذلك، فذكر أمّه بقبيح من الشّتيمة بعد أن كانوا يعبدونه، قال: ولما سمع رئيس القرامطة كلام الكوفي وما أشار به من أمر الحاج وما جرى من الكلام في ذلك دخل إلى أبى طاهر فعرّفه ما جرى، فبادر من وقته ونادى في الناس بالأمان، وأحضر الخراسانيّة وقرّر معهم أنهم يحجّون ويؤدون إليه المال في كل سنة، ويكونون آمنين على أنفسهم وأموالهم فلم يأمنوا له، فسلّم سياسة أمرهم إلى أبى على عمر بن يحيى العلوى، واستقرّ للقرامطة ضريبة ورسم على سفر الحاج.
قال الشريف: ولمّا كان في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة كبس أبو طاهر الكوفة عشية، وفيها شفيع اللؤلؤى أمير، فهرب من مجلسه والناس عنده، ورمى بنفسه من سطحه واستتر عند امرأة ضعيفة، وظهر الجند من الطرقات فقاوموا من لحقهم من جيشه، وامتنع أكثرهم منه وخرجوا سالمين إلا نفرا منهم أصيبوا، ووجّه أبو طاهر إلى شفيع اللؤلؤى فأمّنه وأحضره، فحضر إليه وقدّم إليه طعاما يأكله، وطلبت مائدة يأكل عليها، فقيل ما يحضر إلا مائدة نهبت من داره، فقال أبو طاهر: قبيح أن يراها فافرشوها بالرقاق لكى لا يعرفها، ففعلوا
ذلك وقدّمت إليه، وكان يحمل إلى أبى طاهر صحفة صحفة مما يقدّم إليه، فينظر إليها أولا وينفذها إليه وكان ذلك لدناءته ومهانته، وتفرّق أصحابه عنه وقلّت طاعتهم له فاحتاج إلى المداراة، فوجّه إلى شفيع من يخاطبه في أن يمضى إلى السلطان، ويعرّفه أنّهم صعاليك لا بدّ لهم من أموال، وأنّه إن أعطاهم ما لا لم يفسدوا عليه شيئا وخدموه فما يلتمسه، وإن أبى ذلك لم يجدوا بدا من أن يأكلوا بأسيافهم وسيّره أبو طاهر ووصله، وخرج شفيع إلى السلطان فقدم إلى القرمطى أبو بكر بن مقاتل من قبل السلطان يناظره، ففتّ في عضده وملأ صدره من السلطان وأتباعه، فزاده ذلك انكسارا وذلة وسار عن الكوفة.
وفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة فسدت رجال القرامطة وقتل بعضهم بعضا، وسبب ذلك أنّه كان منهم رجل يقال له ابن سنبر، وهو من خواص أبى سعيد الجنّابى المطلعين على سرّه، وكان له عدوّ من القرامطة اسمه أبو حفص الشريك، فعمد ابن سنبر إلى رجل من أصفهان، وقال له: إذا ملّكتك أمر القرامطة نقتل عدوّى، فأجابه إلى ذلك وعاهده عليه، فأطلعه على أسرار أبى سعيد وعلامات كان يذكرها في صاحبهم الذى يدعو إليه، فحضر إليه أولاد أبى سعيد فذكر لهم العلامات، فقال أبو طاهر: هذا هو الذى ندعو إليه، فأطاعوه ودانوا له حتى كان يأمر الرجل منهم بقتل أخيه فيقتله، وكان إذا كره رجل منهم يقول إنه مريض- يعنى قد شك في دينه ويأمر بقتله، وبلغ أبو طاهر أنّ الأصفهانى يريد قتله لينفرد بالأمر، فقال لإخوته: