الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد
كان ظهوره بالبصرة في أول شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وكان قبل ظهوره قد طلب أشد الطلب، فحكت جارية له أنّهم لم تقرّهم أرض خمس سنين، مرة بفارس، ومرة بكرمان، ومرة بالجبل، ومرة بالحجاز، ومرة باليمن، ومرة بالشام، ثم إنّه قدم الموصل وقدمها المنصور في طلبه، فحكى إبراهيم عن نفسه قال: اضطرّنى الطلب بالموصل حتى جلست على مائدة المنصور، ثم خرجت وقد كفّ الطلب، وكان قوم من أهل العسكر يتشيّعون، فكتبوا إلى إبراهيم يسألونه القدوم عليهم ليثبوا بالمنصور فقدم عسكر أبى جعفر وهو ببغداد وقد خطّها، وكانت له مرآة ينظر فيها، فيرى عدوّه من صديقه، فنظر فيها فقال: يا مسيّب قد رأيت إبراهيم في عسكرى، وما في الأرض أعدى لى منه، فانظر أىّ رجل يكون؟ ثم إنّ المنصور أمر ببناء قنطرة الصراة العتيقة، فخرج إبراهيم ينظر إليها مع الناس، فوقعت عليه عين المنصور، فجلس إبراهيم وذهب في الناس، فأتى فاميا فلجأ إليه فأصعده غرفة له، وجدّ المنصور فى طلبه ووضع الرصد بكل مكان، فثبت «1» إبراهيم مكانه، فقال له صاحبه سفيان بن حيّان العمىّ «2» : قد نزل بنا ما ترى، ولا بد
من المخاطرة، قال: فأنت وذاك، فأقبل سفيان إلى الربيع، فسأله الإذن على المنصور فأدخله إليه، فلمّا رآه شتمه فقال: يا أمير المؤمنين، أنا أهل لما تقول، غير أنى أتيتك تائبا ولك عندى كلّ ما تحبّ، وأنا آتيك بإبراهيم بن عبد الله، إنّى قد بلوتهم فلم أجد فيهم خيرا، فاكتب لى جوازا ولغلام معى، واحملنى على البريد ووجّه معى جندا، فكتب له جوازا ودفع إليه جندا، وقال له: هذه ألف دينار «1» فاستعن بها، قال: لا حاجة لى فيها، فأخذ منها ثلاثمائة دينار، وأقبل والجند معه فدخل البيت على إبراهيم، وعلى إبراهيم جبة صوف وقباء كأقبية الغلمان، فصاح به فوثب فجعل يأمره وينهاه، وسار على البريد، وقيل لم يركب البريد، وسار حتى قدم المدائن، فمنعه صاحب القنطرة بها، فدفع جوازه إليه، فلما جازها قال له الموكّل بالقنطرة: ما هذا غلام وإنّه لإبراهيم بن عبد الله، اذهب راشدا فأطلقهما، فركبوا سفينة حتى قدموا البصرة، فجعل يأتى بالجند الدار لها بابان، فيقعد البعض منهم على أحد البابين، ويقول:
لا تبرحوا حتى آتيكم، فيخرج من الباب الآخر ويتركهم، حتى فرّق الجند عن نفسه وبقى وحده، وبلغ الخبر سفيان بن معاوية أمير البصرة، فأرسل إلى الجند فجمعهم، وطلب العمىّ فأعجزه وكان إبراهيم قد قدم الأهواز قبل ذلك فاختفى عند الحسن بن حبيب «2» ،
وكان محمد بن حصين يطلبه، فقال يوما: إنّ أمير المؤمنين كتب إلى يخبرنى أن المنجّمين أخبروه: أنّ إبراهيم نازل بالأهواز، وهو في جزيرة بين نهرين، وقد طلبته في الجزيرة وليس هناك، وقد عزمت أن أطلبه غدا بالمدينة، لعلّ أمير المؤمنين يعنى بقوله- بين نهرين- بين دجيل والمسرقان، فرجع الحسن بن حبيب إلى إبراهيم فأخبره، وأخرجه إلى ظاهر البلد، ولم يطلبه محمد ذلك اليوم، فلما كان آخر النهار خرج الحسن إلى إبراهيم، فأدخله البلد وهما على حمارين وقت العشاء الآخرة، فلحقه أوائل خيل ابن الحصين، فنزل إبراهيم عن حماره كأنه يبول، فسأل ابن الحصين الحسن بن حبيب عن مجيئه، فقال: جئت من عند بعض أهلى، فمضى وتركه، ورجع الحسن إلى إبراهيم فأركبه وأدخله إلى منزله، فقال له إبراهيم: والله لقد بلت دما، فأتيت الموضع فرأيته وقد بال دما، ثم إن إبراهيم قدم البصرة، قيل قدمها في سنة خمس وأربعين ومائة، بعد ظهور أخيه محمد بالمدينة، وقيل قدمها فى سنة ثلاث وأربعين ومائة، وكان الذى أقدمه وتولى أمره- فى قول بعضهم- يحيى بن زياد بن حيان «1» النبطى، وأنزله في داره في بنى ليث، وقيل نزل في دار أبى فروة، ودعا الناس إلى بيعة أخيه، وكان أوّل من بايعه نميلة بن مرّة العبشمى، وعفو الله بن سفيان،
وعبد الواحد بن زياد، وعمرو «1» بن سلمة الهجيمى، وعبد الله «2» ابن يحيى بن حصين الرّقاشى، وندبوا الناس، فأجابهم المغيرة بن الفزع «3» وأشباه له، وأجابه أيضا عيسى بن يونس، ومعاذ بن معاذ، وعبّاد بن العوّام، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ومعاوية بن هشيم ابن «4» بشير، وجماعة كثيرة من الفقهاء وأهل العلم، حتى أحصى ديوانه أربعة آلاف، وشهر أمره فقالوا له: لو كنت تحوّلت إلى وسط البصرة، أتاك الناس وهم مستريحون، فتحوّل فنزل دار أبى مروان- مولى بنى سليم- فى مقبرة بنى يشكر.
وكان سفيان بن معاوية- أمير البصرة- قد مالأ على أمره، ولما ظهر أخوة محمد كتب إليه يأمره بالظهور، فوجم لذلك واغتمّ، فجعل بعض أصحابه يسهّل عليه دلك، وقال له: قد اجتمع لك عالم من الناس، فطابت نفسه، وكان المنصور بظاهر الكوفة في قلة من العساكر، وقد أرسل ثلاثة من القوّاد إلى سفيان بن معاوية بالبصرة مددا له، ليكونوا عونا له على إبراهيم، إن ظهر، فلما أراد إبراهيم الظهور أرسل إلى سفيان فأعلمه، فجمع القوّاد عنده، وظهر إبراهيم أول شهر
رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، فغنم دوابّ أولئك الجند، وصلّى بالناس الصبح بالجامع، وقصد دار الإمارة وبها سفيان متحصنا، فحضره فطلب سفيان منه الأمان، فأمّنه إبراهيم ودخل إلى الدار، ففرشوا له حصيرا فهبّت الريح فقلبته قبل أن يجلس، فتطيّر الناس لذلك، فقال إبراهيم: إنا لا نتطيّر وجلس عليه مقلوبا، وحبس القوّاد وحبس أيضا سفيان بن معاوية في القصر وقيّده بقيد خفيف، ليعلم المنصور أنه محبوس، وبلغ جعفرا ومحمدا، ابنى سليمان بن على ظهور إبراهيم، فأتيا في ستمائة رجل، فأرسل إليهما إبراهيم المضاء ابن القاسم الجزرى في خمسين رجلا فهزمهما، ونادى منادى إبراهيم:
لا يتبع منهزم ولا يذفف «1» على جريح، ومضى إبراهيم بنفسه إلى باب زينب بنت سليمان بن على بن عبد الله بن العباس؛ وإليها ينسب الزينبيون من العباسيين، فنادى بالأمان وألّا يعرض لهم أحد، فصفت له البصرة ووجد في بيت ما لها ألفى ألف درهم، فقوى بذلك وفرض لأصحابه لكل رجل خمسين درهما.
فلما استقرت له البصرة أرسل المغيرة إلى الأهواز، فبلغها في مائتى رجل، وكان فيها محمد بن الحصين عاملا للمنصور، فخرج إليه في أربعة آلاف فالتقوا، فانهزم ابن الحصين ودخل المغيرة الأهواز؛ وقيل إنّما سيّر إبراهيم المغيرة إلى الأهواز بعد مسيره من البصرة إلى باخمرى، وسيّر إبراهيم إلى فارس عمرو بن سدّاد، فقدمها وبها إسماعيل وعبد الصمد ابنا على بن عبد الله بن العباس، فبلغهما دنو