الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم
والقرامطة منسوبون إلى قرمط، وقد اختلف فيه: فمن الناس من يقول إنّه حمدان بن الأشعث، وأنّه إنما سمّى قرمطا لأنّه كان رجلا قصيرا قصير الرجلين متقارب الخطو فسمّى بذلك، وقيل قرمط:
ثور كان لحمدان بن الأشعث هذا، وأنّه كان يحمل غلّات السواد على أثوار له بسواد الكوفة، والله تعالى أعلم.
قال ابن الأثير في تاريخه «1» الكامل في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين:
وفيها تحرّك بسواد الكوفة قوم يعرفون بالقرامطة، وكان ابتداء أمرهم: أن رجلا يقال له حمدان يظهر الدين والزهد والتقشّف، ويأكل من كسبه، وأقام على ذلك مدة، فكان إذا جالسه رجل ذاكره الدين وزهده في الدنيا، وأعلمه أن الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم «2» ، حتى فشا ذلك بموضعه، ثم أعلمهم أنّه يدعو إلى إمام من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستجاب له جمع كثير وكان يقعد إلى بقّال هناك، فجاء رجل إلى البقّال يطلب منه من يحفظ له ما صرم من نخله، فدلّه عليه وقال لعلّه يجيب، فكلّموه في ذلك
فاتفق معهم على أجرة معلومة، فكان يحفظ لهم ويصلى أكثر نهاره، ويصوم ويأخذ عند إفطاره من البقّال رطل تمر، يفطر عليه ويجمع نواه ويعطيه للبقّال، فلما حمل التجار تمرهم جلسوا عند البقّال وحاسبوه وأعطوه أجرته، وحاسب هو البقّال على ما أخذ من التمر وحطّ ثمن النوى فضربوه، وقالوا ألم يكفك أن تأكل تمرنا حتى تبيع نواه؟! فأوقفهم البقّال على الخبر فاعتذروا واستحلوا منه، وازداد بذلك عند أهل القرية، ودعا أهل تلك الناحية إلى مذهبه فأجابوه، وكان يأخذ من الرجل إذا أجابه دينارا واحدا، ويزعم أنّه للإمام، واتخذ منهم إثنى عشر نقيبا أمرهم أن يدعو الناس إلى مذهبه وقال: أنتم «1» كحوارى عيسى بن مريم، فاشتعل أهل تلك الناحية عن أعمالهم، وكان للهيصم في تلك الناحية ضياع، فرأى تقصير الأكّارة في عمارتها، فسأل عن ذلك فقيل له خبر الرجل فحبسه، وحلف ليقتلنّه لما اطّلع على مذهبه، وأغلق عليه الباب ليقتله في غد، وجعل المفتاح تحت رأسه، فسمع بعض جواريه خبره فرقّت له، فسرقت المفتاح وأخرجته وأعادت المفتاح إلى موضعه، فلما أصبح الهيصم فتح الباب ليقتله فلم يجده، فشاع ذلك في الناس فافتتنوا به وقالوا رفع، ثم ظهر في ناحية أخرى، ولقى جماعة من أصحابه فسألوه عن قصّته فقال: لا يمكن أن ينالنى أحد بسوء، فعظم في أعينهم ثم خاف على نفسه فخرج إلى ناحية الشام، فلم يوقف له على خبر، هذا ما حكاه عز الدين بن الأثير الجزرى في تاريخه الكامل.
وحكى الشريف أبو الحسين محمد بن على بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد ابن على بن الحسين «1» بن على بن أبى طالب- وهو المعروف بأخى محسن- فى كتاب «2» ألّفه ذكر فيه عبيد الله الملقب بالمهدى، الذى استولى على بلاد المغرب واستولى بنوه من بعده على الديار المصرية والشام وغير ذلك، وذكر الشريف أصل عبيد الله هذا ونفاه عن النسب إلى على بن أبى طالب رضى الله عنه، واستدلّ على ذلك بأدلّه يطول شرحها أجاد في تبيانها، وقال في أثناء ما حكاه أنّه لما صار الأمر إلى أحمد بن عبد الله بن ميمون بن ديصان بعد أبيه- وأحمد هذا هو جد عبيد الله الملقّب بالمهدى- بعث- وهو بسلمية- الحسين الأهوازى داعية إلى العراق، فلقى حمدان بن الأشعث قرمطا بسواد الكوفة ومعه ثور ينقل عليه، فقال له الحسين الأهوازى: كيف الطريق إلى قس بهرام؟ فعرّفه حمدان أنّه قاصد إليه، وسأله الأهوازى عن قرية تعرف ببانبورا من قرى السواد، فذكر أنّها قريبة من قريته وكان حمدان هذا من قرية تعرف بالدّور على نهر هد من رستاق مهروسا «3» من طسّوج فرات بادقلى، قال: فتماشيا ساعة، فقال له حمدان: إنّى أراك جئت من سفر بعيد، وأنت معى فاركب ثورى هذا، فقال له الحسين: لم أومر بذلك، فقال له حمدان: كأنّك تعمل بأمر أمر لك؟ قال نعم، قال: ومن يأمرك وينهاك؟ قال:
مالكى ومالكك ومن له الدنيا والآخرة، قال: فبهت حمدان قرمط مفكّرا، وأقبل ينظر إليه ثم قال له: يا هذا ما يملك ما ذكرته إلا الله تعالى! قال: صدقت، والله يهب ملكه لمن يشاء، قال له حمدان:
فما تريد في القرية التى سألتنى عنها؟ قال: دفع إلىّ جراب فيه علم سرّ من أسرار الله تعالى، وأمرت، أن أشفى هذه القرية وأغنى أهلها وأستنقذهم وأملّكهم أملاك أصحابهم.
وابتدأ يدعوه فقال له حمدان: يا هذا نشدتك الله إلا دفعت إلىّ من هذا العلم الذى معك وأنقذتنى ينقذك الله!! قال له: لا يجوز ذلك أو آخذ عليك عهدا وميثاقا أخذه الله تعالى على النبيّين والمرسلين وألقى عليك ما ينفعك، قال: فما زال حمدان يضرع إليه حتى جلسا فى بعض الطريق وأخذ عليه العهد، ثم قال له: ما اسمك؟ قال:
قرمط، ثم قال له قرمط: قم معى إلى منزلى حتى تجلس فيه، فإنّ لى إخوانا أصير بهم إليك لتأخذ عليهم العهد للمهدى، فصار معه إلى منزله، فأخذ على الناس العهد هناك، وأقام في منزل حمدان وأعجبه أمره وعظّمه وكرّمه، وكان على غاية ما يكون من الخشوع، صائما نهاره قائما ليله، وكان المغبوط «1» من أخذه إلى منزله ليلة، وكان «2» ربما خاط لهم الثياب وتكسّب بذلك، وكانوا يتبرّكون به وبخياطته.
قال: وأدرك التمر فاحتاج أبو عبد الله محمد بن عمر بن شهاب العدوى إلى عمل «3» تمره، وكان من وجوه أهل الكوفة ومن أهل العلم والفضل والتوحيد، فوصف له هذا الرجل فنصبه لحفظ تمره والقيام
فى حظيرته، فأحسن حفظها واحتاط في أداء الأمانة، وظهر منه من التشديد في ذلك ما خرج به عن أحوال الناس في تساهلهم في كثير من الأمور، وذلك في سنة أربع وستين ومائتين، فاستحكمت ثقة الناس به، وثقته بحمدان قرمط وسكونه إليه، فأظهر له أمره وكشف له الغطاء.
قال: وكلّ ما كان هذا الداعية يفعله من الثقة والأمانة واظهار الخشوع والنسك إنما كان حيلة ومكرا وخديعة «1» وغشا، قال:
فلما حضرت هذا الطاغية الوفاة جعل مقامه حمدان بن الأشعث قرمطا، فأخذ على أكثر أهل السواد وكان ذكيا خبيثا، قال: وكان ممّن أجابه من أصحابه الذين صار لهم ذكر زكرويه بن مهرويه السلمانى وجلندى الرازى، وعكرمة البابلى، وإسحاق السّورانى، وعطيف النّيلى وغيرهم، وبث دعاته في السواد يأخذون على الناس، وكان أكبر دعاته عبدان متزوجا أخت قرمط أو قرمط متزوجا أخته، وكان عبدان رجلا ذكيا خفيفا «2» فطنا خبيثا، خارجا عن طبقة نظرائه من أهل السواد ذا فهم وخبث، فكان يعمل عند نفسه على حدّ قد نصب له، ولا يرى أنّه يجاوزه إلى غيره من خلع الإسلام، ولا يظهر غير التشيّع والعلم ويدعو إلى الإمام من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد بن إسماعيل بن جعفر، وكان أحد من تبع عبدان
زكرويه بن مهرويه، وكان زكرويه شابا فيه ذكاء وفطنة، وكان من قرية بسواد الكوفة يقال لها المنسانيّة «1» تلاصق قرية الصوّان، وهاتان القريتان على نهرهد، نصبه عبدان على إقليم نهرهد وطسّوج السالحين وإقليم نهر يوسف داعية، ومن قبله جماعة دعاة متفرقون في عمله، يدور كل واحد منهم في عمله في كل شهر مرّة، وكلّ ذلك بسواد الكوفة، ودخل في دعوته من العرب من بنى ضبيعة بن عجل- وهم من ربيعة- رجلان، أحدهما يعرف برباح والآخر يعرف بعلى بن يعقوب القمر، فأنفذهما دعاة إلى العرب في أعمال الكوفة وسورا وبربسما وبابل، ودخل في دعوته من العرب أيضا رفاعة من «2» بنى يشكر، ثمّ من بكر بن وائل رجل يعرف بسند «3» وآخر يعرف بهارون، فجعلهما دعاة نخيلة «4» وما والاها في العرب خاصة إلى حدود واسط، فمال إليه هذان البطنان ودخلا في دعوته فلم يكد يختلف رفاعى ولا ضبعى، ولم يبق من البطون المتصلة بسواد الكوفة بطن إلا