الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب
وفي سنة ثمان وستين ومائتين أوقع أبو العبّاس أحمد بن الموفّق، وهو المعتضد بالله بقوم من الأعراب، كانوا يحملون الميرة إلى الزنج فقتل منهم جماعة وأسر الباقين وغنم ما كان معهم، وأرسل إلى البصرة من أقام بها لأجل قطع الميرة، وسيّر الموفّق رشيقا مولى أبى العبّاس، فأوقع بقوم من بنى تميم كانوا يجلبون الميرة إلى صاحب الزنج، فقتل أكثرهم وأسر جماعة منهم، فحمل الأسرى والرووس إلى الموفقيّة، فأمر بهم الموفّق فوقفوا بازاء عسكر الزنج، وكان فيهم رجل يسفر بين صاحب الزنج والأعراب «1» ، فقطعت يده ورجله وألقى في عسكر الزنج، وأمر بضرب أعناق الأسرى فانقطعت الميرة بذلك عن صاحب الزنج «2» ، فأضرّ بهم الحصار وأضعف أبدانهم، فكان يسأل الأسير والمستأمن عن عهده بالخبز فيقول: عهدى به منذ زمان طويل، فلما وصلوا إلى هذه الحال رأى الموفّق أن يتابع عليهم الحرب، ليزيدهم ضرا وجهدا، فكثر المستأمنون في هذا الوقت، وخرج كثير من أصحاب الخبيث فتفرّقوا في القرى والأنهار البعيدة فى طلب القوت، فبلغ ذلك الموفّق فأمر جماعة من قوّاد غلمانه بقصد تلك المواضع، ويدعون من بها إليه فمن أبى قتلوه، فقتلوا منهم خلقا كثيرا وأتاه كثير منهم، فلما كثر المستأمنون عند الموفّق عرضهم، فمن كان ذا قوّة وجلد أحسن إليه وخلطه بغلمانه، ومن كان منهم
ضعيفا أو شيخا أو جريحا قد أزمنته الجراحة كساه وأعطاه دراهم، وأمر به أن يحمل إلى عسكر صاحب الزنج، فيذكر ما رأى من الإحسان، فتهيّأ له بذلك ما أراد من استمالة أصحاب الخبيث، وجعل الموفّق وابنه أبو العبّاس يلازمان قتال صاحب الزنج- تارة هذا وتارة هذا- وجرح أبو العبّاس ثم برىء، وكان من جملة من قتل من أعيان قوّاد صاحب الزنج بهبوذ بن عبد الوهاب، وكان كثير الخروج في السميريّات، وكان ينصب عليها أعلاما تشبه أعلام الموفّق، فإذا رأى من يستضعفه أخذه، فأخذ من ذلك ما لا جزيلا، فواقعه في بعض خرجاته أبو العباس، فأفلت بعد أن أشفى على الهلاك، ثم خرج مرّة أخرى فرأى سميريّة، فيها بعض أصحاب أبى العباس فقصدها طامعا في أخذها، فحاربه أهلها فطعنه غلام من غلمان أبى العبّاس في بطنه، فسقط في الماء فأخذه أصحابه فحملوه إلى عسكر صاحبه، فمات قبل وصوله وكان قتله من أعظم الفتوح، وعظمت الفجيعة على صاحب الزنج وأصحابه، فاشتد جزعهم عليه، وأحسن الموفّق إلى ذلك الغلام فوصله وكساه وطوّقه وزاد في رزقه، وفعل بكل من كان معه في تلك السميريّة نحو ذلك، ثم ظفر بالذوائبى «1» وكان ممايلا لصاحب الزنج.
وفي سنة تسع وستين ومائتين رمى الموفّق بسهم في صدره، وكان سبب ذلك أنّ بهبوذ لما هلك طمع صاحب الزنج في أخذ أمواله، وكان قد صحّ عنده أن ملكه قد حوى مائتى ألف دينار وجواهر وفضّة، فطلب
ذلك وأخذ أهله وأصحابه فضربهم، وهدم أبنيته طمعا في المال فلم يجد شيئا، فكان فعله مما أفسد قلوب أصحابه عليه، ودعاهم إلى الهرب منه، فأمر الموفّق بالنداء بالأمان في أصحاب بهبوذ، فسارعوا إليه فألحقهم في العطاء بمن تقدّم، ورأى الموفّق ما كان يتعذّر عليه من العبور إلى الزنج، فى الأوقات التى تهب فيها الرياح لتحرّك الأمواج، فعزم على أن يوسّع لنفسه ولأصحابه موضعا في الجانب الغربى، فأمر بقطع النخل واصلاح المكان، وأن تعمل له الخنادق والسور ليأمن البيات، فعلم صاحب الزنج أنّ الموفّق إذا جاوره قرّب على من يريد اللحاق به المسافة، مع ما يدخل قلوب أصحابه من الخوف وانتقاض تدبيره عليه فاهتمّ بمنع الموفّق من ذلك وبذل الجهد فيه وقاتل أشد القتال، فاتفق أن الريح عصفت في بعض تلك الأيام وقائد من القواد هناك، فانتهز صاحب الزنج الفرصة في انفراد هذا القائد وانقطاع المدد عنه فسيّر إليه جميع أصحابه فقاتلوه فهزموه، وقتلوا كثيرا من أصحابه ولم يجد الشذاوات التى لأصحاب الموفّق سبيلا إلى القرب منهم، خوفا من الزنج أن تلقيها على الحجارة فتنكسر، فغلب الزنج عليهم وأكثروا القتل والأسر، ومن سلّم منهم ألقى نفسه في الشذاوات وعبروا إلى الموفقيّة فعظم ذلك على الناس، ونظر الموفّق فرأى أنّ نزوله بالجانب الغربى لا يأمن معه حيلة الزنج وصاحبهم وانتهاز فرصة لكثرة الأدغال وصعوبة المسالك، وأنّ الزنج أعرف بتلك المضايق وأجرأ عليها من أصحابه، فترك ذلك وجعل قصده إلى هدم سور صاحب الزنج وتوسعة الطرق والمسالك، فأمر بهدم السور من ناحية النهر المعروف بمنكى، وباشر الحرب بنفسه واشتد القتال، وكثر القتل
والجراح من الجانبين ودام ذلك أياما عدّة، وكان أصحاب الموفّق لا يستطيعون الولوج لقنطرتين كانتا على نهر منكى، وكان الزنج يعبرون عليها وقت القتال، فيأتون أصحاب الموفّق من وراء ظهورهم فينالون منهم، فأعمل الحيلة في إزالتهما، فأمر أصحابه بقصدهما عند اشتغال الزنج وغفلتهم عن حراستهما، وأمرهم أن يعدّوا الفؤوس والمناشير وما يحتاجون إليه من الآلات، فقصدوا القنطرة الأولى نصف النهار فأتاهم الزنج لمنعهم، فاقتتلوا فانهزم الزنج، وكان مقدّمهم أبا النداء فأصابه سهم، فى صدره فقتله، وقطع أصحاب الموفّق القنطرتين ورجعوا، وألحّ الموفّق على صاحب الزنج بالحرب، وهدم أصحابه من السور ما أمكنهم، ودخلوا المدينة وقاتلوا فيها، وانتهوا إلى دار ابن سمعان وسليمان بن جامع فهدموهما، ونهبوا ما فيهما، وانتهوا إلى سويقة لصاحب الزنج سمّاها الميمونة، فهدمت وأخربت وهدموا دار الجبّائى وانتهبوا ما كان فيها من الخزائن، وتقدّموا إلى الجامع ليهدموه فاشتد محاماة الزنج عنه، فلم يصل إليه أصحاب الموفّق، لأنّه كان قد خلص مع صاحب الزنج نخبة أصحابه وأرباب البصائر، فكان أحدهم إذا قتل أو جرح اجتذبه الذى إلى جنبه ووقف مكانه، فلما رأى الموفّق ذلك أمر أبا العبّاس بقصد الجامع من أحد أركانه بشجعان أصحابه، وأضاف إليهم الفعول للهدم ونصب السلاليم ففعل ذلك، وقاتل عليه أشد قتال فوصلوا إليه فهدموه، وأخذ منبره فأتى به الموفّق، ثم عاد الموفّق لهدم السور فأكثر منه، وأخذ أصحابه دواوين صاحب الزنج وبعض خزانته، فظهر للموفّق أمارات الفتح، فإنّهم لعلى ذلك إذ وصل سهم إلى الموفّق فأصابه في صدره