المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مقتل صاحب الزنج - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

وجعل من ظفر منهم بشىء حمله إلى سفينته، فلما رآهم الزنج كذلك رجعوا إليهم فقتلوا منهم مقتله عظيمة «1» ، وكان جماعة من غلمان الموفّق قد قصدوا دار صاحب الزنج، فتشاغلوا بحمل الغنائم إلى السفن أيضا، فأطمع ذلك الزنج فيهم فكشفوهم واتبعوا آثارهم، وثبت جماعة من أبطال الموفّق فردّوا الزنج حتى تراجع الناس إلى مواقفهم، ودامت الحرب إلى العصر فأمر الموفّق غلمانه بصدق الحملة عليهم ففعلوا، فانهزم صاحب الزنج ومن معه وأخذتهم السيوف حتى انتهوا إلى داره أيضا، فرأى الموفّق أن يصرف أصحابه فردّهم، وقد استنقذوا جمعا من النساء المأسورات فحملن إلى الموفقيّة، وكان أبو العبّاس قد أرسل في ذلك اليوم قائدا فأحرق بيادر كانت ذخيرة لصاحب الزنج وكان ذلك مما أضعفه وأضعف أصحابه. قال: ثم وصل إلى الموفّق كتاب لؤلؤ غلام أحمد بن طولون يستأذنه في القدوم عليه، فأمره بذلك وأخّر القتال إلى أن يحضر.

‌ذكر مقتل صاحب الزنج

قال: ولما ورد كتاب لؤلؤ على الموفّق يستأذنه في الحضور إليه أذن له، وأحبّ أن يؤخر القتال إلى أن يحضر فيشهده، وكان لؤلؤ قد خالف على مولاه أحمد بن طولون، وكان في يده حمص وقنّسرين وحلب وديار مضر من الجزيرة وصار إلى بالس فنهبها، وكاتب الموفّق فى المصير إليه واشترط شروطا فأجابه الموفّق إليها، وكان بالرقة

ص: 180

فسار إلى الموفّق فوصل إليه في ثالث شهر المحرّم سنة سبعين ومائتين فى جيش عظيم، فأكرمه الموفّق وأنزله وخلع عليه وعلى أصحابه ووصلهم وأحسن إليهم، وأمر لهم بالأرزاق على قدر مراتبهم، وأضعف ما كان لهم.

ثم تقدّم إلى لؤلؤ بالتأهب لحرب الزنج، وكان صاحب الزنج، لمّا غلب على نهر أبى الخصيب وقطعت القناطر والجسور التى عليه، أحدث سكرا في النهر من جانبيه، وجعل في وسط النهر بابا ضيّقا لتحتد جرية الماء فيه فيمتنع الشذا من دخوله في الجزر، ويتعذّر خروجها منه في المدّ، فرأى الموفّق أنّ حربة لا يتهيّأ إلا بقلع هذا السكر، وحاول ذلك فاشتدت محاماة الزنج عليه، وجعلوا يزيدون كل يوم، فيه، فشرع الموفّق في محاربتهم بفريق بعد فريق من أصحاب لؤلؤ، ليتمرّنوا على قتالهم ويقفوا على المسالك والطرق في مدينتهم، وأمر لؤلؤا أن يحضر في جماعة من أصحابه للحرب على هذا السكر ففعل، فرأى الموفّق من شجاعتهم وإقدامهم ما سرّه، فأمر لؤلؤا بصرفهم إشفاقا عليهم ووصلهم وأحسن إليهم، وألحّ الموفّق على هذا السكر، فكان يحارب والفعلة يعملون في قلعه، واستأمن إليه جماعة، وكان قد بقى لصاحب الزنج وأصحابه أرضين بناحية النهر الغربى، لهم فيها مزارع وحصون وقنطرتان وبه جماعة يحفظونه، فسار إليهم أبو العباس وفرّق أصحابه من جهاتهم، وجعل كمناء، ثم أوقع بهم فانهزموا فما قصدوا جهة إلا خرج عليهم من يقاتلهم فيها، فقتلوا لم يسلم منهم إلا الشريد، وأخذوا من أسلحتهم ما أثقلهم حمله، وقطع

ص: 181

القنطرتين، ولم يزل الموفّق يقاتلهم على سكرهم حتى تهيّأ له فيه ما أحب وحرقه.

فلما فرغ منه عزم على لقاء صاحب الزنج، فأمر باصلاح السفن والآلات للماء والطين، وتقدّم إلى ابنه أبى العبّاس أن يأتى الزنج من ناحية دار المهلبىّ، وفرّق العساكر من جميع جهاته، وأضاف المستأمنة إلى شبل، وأمر الناس ألّا يزحفوا حتى يحرّك علما أسود كان نصبه على دار الكرنبائى، وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت، وكان عبوره يوم الاثنين «1» لثلاث بقين من المحرّم، فعجّل بعض الناس وزحف نحوهم، فلقيه الزنج فقتلوا منهم وردّوهم إلى مواقفهم، ولم يعلم سائر العسكر بذلك لكثرتهم وبعد المسافة فيما بين بعضهم وبعض، وأمر الموفّق بتحريك العلم الأسود والنفخ في البوق، فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضهم بعضا، فلقيهم الزنج وقد حشدوا واجترأوا بما تهيّأ لهم، فلقيهم الجيش بنيّات صادقة وبصائر نافذة، واشتد القتال وقتل من الفريقين جمع كثير، فانهزم أصحاب صاحب الزنج وتبعهم أصحاب الموفّق، فقتل منهم ما لا يحصى وغرق منهم مثل ذلك، وحوى الموفّق المدينة بأسرها، فغنم أصحابه ما فيها واستنقذوا من كان بقى من الأسارى من الرجال والنساء والصبيان، وظفروا بجميع عيال على بن أبان المهلبىّ وبأخويه الخليل ومحمد وأولادهما، فسيّروا إلى الموفقيّة، ومضى صاحب الزنج في أصحابه ومعه ابنه انكلاى وسليمان بن جامع وقوّاد من الزنج وغيرهم

ص: 182

هرابا، عامدين إلى موضع كان قد أعدّه ملجأ إذا غلب على مدينته، وذلك المكان على النهر المعروف بالسفيانى، وكان أصحاب الموفّق قد اشتغلوا بالنهب والإحراق، وتقدّم أصحاب الموفّق في الشذا نحو نهر السفيانى، وانتهى الموفّق ومن معه إلى عسكر صاحب الزنج وهم منهزمون، واتبعهم لؤلؤ في أصحابه حتى عبروا النهر فاقتحم «1» لؤلؤ النهر بفرسه واتبعه أصحابه حتى انتهى إلى النهر «2» المعروف بالقريرى «3» فوصل إليه لؤلؤ وأصحابه، فأوقعوا به وبمن معه فهزموهم حتى عبروا نهر المساوان «4» ولؤلؤ في أثرهم، فاعتصموا بجبل وراءه، وانفرد لؤلؤ وأصحابه باتباعهم إلى هذا المكان إلى آخر النهار، فأمر الموفّق بالانصراف فعاد مشكورا محمود الفعل، فحمله الموفّق معه وجدّد له البرّ والكرامة ورفع منزلته، ورجع الموفّق فلم ير أحدا من أصحابه بمدينة الزنج، وكانوا قد انصرفوا إلى الموفقيّة بما حووا في سفنهم، فرجع الموفّق إلى مدينته واستبشر الناس بالفتح، وغضب الموفّق على أصحابه لمخالفتهم أمره وتركهم الوقوف حيث أمرهم، فجمعهم ووبّخهم على ذلك وأغلظ لهم، فاعتذروا بما ظنّوه من انصرافه، وأنّهم لم يعلموا بمسيره ولو علموا ذلك لأسرعوا نحوه، ثم تعاقدوا وتحالفوا على ألّا ينصرف منهم أحد إذا توجّهوا نحو صاحب الزنج حتى يظفروا، فإن أعياهم أقاموا حتى يحكم الله بينهم وبينه، وسألوا الموفّق أن يردّ السفن التى يعبرون فيها إلى

ص: 183

صاحب الزنج، لينقطع الناس عن الرجوع فشكرهم وأثنى عليهم وأمرهم بالتأهّب. وأقام الموفّق بعد ذلك إلى يوم الجمعة يصلح ما يحتاج الناس إليه، وأمر الناس بالمسير إلى حرب الزنج بكرة السبت، وطاف عليهم بنفسه يعرّف كل قائد مركزه والمكان الذى يقصده.

وغدا الموفّق يوم السبت لليلتين «1» خلتا من صفر سنة سبعين وعبر الناس، وأمر بردّ السفن فردّت، وسار يقدمهم إلى المكان الذى قدّر أن يلقاهم فيه، وكان صاحب الزنج وأصحابه قد رجعوا إلى مدينتهم بعد انصراف الجيش عنهم، وأمّلوا أن تتطاول بهم الأيام وتندفع عنهم المناجزة، فوجد الموفّق المتسرّعين من غلمانه من الفرسان والرجّالة قد سبقوا الجيش، فأوقعوا بصاحب الزنج وأصحابه وهزموهم بها، وتفرّقوا لا يلوى بعضهم على بعض، وتبعهم أصحاب الموفّق يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم، فانقطع صاحب الزنج في جماعة من حماة أصحابه منهم المهلبىّ، وفارقه ابنه انكلاى وسليمان بن جامع، فقصد كل فريق منهم جمعا كثيفا من الجيش، وكان أبو العبّاس قد تقدّم فلقى المنهزمين في الموضع المعروف بعسكر ريحان، فوضع أصحابه فيهم السلاح، ولقيهم طائفة أخرى فأوقعوا بهم وقتلوا منهم جماعة، وأسروا سليمان بن جامع فأتوا به الموفّق من غير عهد ولا عقد، فاستبشر الناس بأسره، وأسر بعده إبراهيم بن جعفر الهمدانى- وكان أحد أمراء جيوشه- فأمر الموفّق بالاستيثاق منهما، ثم إنّ الزنج الذين انفردوا مع صاحبهم حملوا على الناس

ص: 184

حملة أزالوهم عن مواقفهم ففتروا، فجدّ الموفّق في طلبهم وأمعن، فتبعه أصحابه وانتهى إلى آخر نهر أبى الخصيب، فلقيه البشير بقتل صاحب الزنج، وأتاه بشير آخر ومعه كفّ ذكر أنّها كفّه، ثم أتاه غلام من أصحاب لؤلؤ يركض ومعه رأس صاحب الزنج، فعرض الموفّق الرأس على جماعة من المستأمنة فعرفوه، فخرّ لله ساجدا وسجد معه الناس، وأمر برفع الرأس على قناة فعرفه الناس.

قال: ولما أحيط بصاحب الزنج كان معه المهلبى وحده، فولّى عنه هاربا وقصد نهر فألقى نفسه فيه، وكان انكلاى قد سار نحو الدينارىّ ورجع الموفّق والرأس بين يديه وسليمان بن جامع، فأتى مدينته وأتاه من الزنج عالم عظيم يطلبون الأمان فأمنهم، وانتهى إليه خبر انكلاى والمهلبىّ ومكانهما ومن معهما من مقدّمى الزنج، فبث أصحابه في طلبهم وأمرهم بالتضييق عليهم، فلما أيقنوا ألّا ملجأ أعطوا بأيديهم فظفر بهم وبمن معهم وكانوا زهاء خمسة آلاف، فأمر بالاستيثاق من المهلبىّ وانكلاى، وكان ممّن هرب قرطاس الرومىّ الذى رمى الموفّق بالسهم فى صدره، فانتهى إلى رامهرمز فعرفه رجل فدل عليه عامل البلد، فأخذه وسيّره إلى الموفّق فقتله ابنه أبو العبّاس، ثم استأمن درمويه الزنجى إلى أبى أحمد الموفّق، وكان درمويه هذا من أنجاد الزنج وأبطالهم، وكان صاحب الزنج قد وجّهه قبل هلاكه بمدّة إلى موضع كثير الأدغال والشجر والآجام متصل بالبطيحة، وكان هو ومن معه يقطعون الطريق هناك على السابلة في زواريق خفاف، فإذا طلبوا دخلوا الأنهار الضيّقة واعتصموا بالأدغال، وإذا تعذّر عليهم مسلك لضيقه حملوا سفنهم ولجأوا إلى الأمكنة الوسيعة، ويغيرون على قرى البطيحة

ص: 185

ويقطعون الطريق، فظفروا بجماعة من عسكر الموفّق معهم نساء قد عادوا إلى منازلهم، فقتلوا الرجال وأخذوا النساء، فسألهنّ درمويه عن الخبر فأخبرنه بقتل صاحب الزنج وأسر أصحابه وقوّاده، وأن كثيرا منهم قد صار إلى الموفّق بالأمان فأحسن إليهم، فسقط في يده ولم ير لنفسه ملجأ إلا طلب الأمان والصفح عن جرمه، فأرسل إلى أبى أحمد الموفّق يطلب الأمان فأجابه إلى ذلك وأمّنه، فخرج هو ومن معه حتى وافى عسكر الموفّق فأحسن إليهم وأمّنهم، فلما اطمأن درمويه أظهر ما كان في يده من الأموال والأمتعة، وردّها إلى أربابها ردا ظاهرا فعلم بذلك حسن نيّته فزاد الموفّق في الإحسان إليه، وأمر أن يكتب إلى أمصار المسلمين بالنداء في أهل النواحى التى دخلها الزنج بالرجوع إلى أوطانهم، فسارع الناس إلى ذلك.

وأقام الموفّق بالمدينة الموفقيّة ليأمن الناس بمقامه، وولّى البصرة والأبلّة وكور دجلة رجلا من قواده قد حمد مذهبه وعلم حسن سيرته يقال له العبّاس بن تركس، وأمره بالمقام بالبصرة، وولى قضاء البصرة والأبلّة وكور دجلة محمد بن حمّاد، وقدم ابنه أبا العباس إلى بغداد ومعه رأس صاحب الزنج ليراه الناس، فبلغها لاثنتى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة.

قال: وكان خروج صاحب الزنج يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين، وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين، فكانت أيّامه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيّام.

انقضت أخبار صاحب الزنج فلنذكر أخبار القرامطة

ص: 186