الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الأدقال الساج، وكان قطعها قد تعذّر عليهم فأدخلوا تلك السفن التى فيها القصب والنفط وأضرموها نارا، فوافت القنطرة فأحرقنها فوصل النجّارون بذلك إلى ما أرادوا، وأمكن أصحاب الشذا دخولهم النهر فدخلوا، وقتلوا الزنج حتى أجلوهم عن مواقفهم إلى الجسر الأوّل الذى يتلو هذه القنطرة، وقتل من الزنج كثير واستأمن كثير، ووصل أصحاب الموفّق إلى الجسر وقت المغرب، فكره الموفّق أن يدركهم الليل فأمرهم بالرجوع، وأثاب المحسن على قدر احسانه ليزدادوا جدا فى حرب عدوّه، وأخرب من العد برجين حجارة كانوا عملوهما، ليمنعوا الشذا من الخروج منه إذا دخلته، فلما أخربهما سهل له ما أراد من دخول النهر والخروج منه.
ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه
قال: لما أحرقت دور صاحب الزنج وقصوره ومنازل أصحابه، كما قدّمنا ذكر ذلك- ونهبت أموالهم انتقلوا إلى الجانب الشرقى من نهر أبى الخصيب، وجمع عياله حوله ونقل أسواقه، فضعف أمره بذلك ضعفا شديدا، ظهر للناس وامتنعوا من جلب الميرة إليه، فانقطعت عنه كل مادّة، وبلغ الرطل من خبز البرّ عشرة دراهم، فأكّلوا الشعير وأصناف الحبوب، ثم لم يزل الأمر بهم إلى أن كان أحدهم يأكل صاحبه إذا انفرد به، والقوى يأكل الضعيف، ثم أكلوا أولادهم، ورأى الموفّق أن يخرب الجانب الشرقى كما أخرب الغربىّ، فأمر أصحابه بقصد دار الهمدانىّ ومعهم الفعلة، وكان هذا الموضع محصّنا بجمع كثير،
وعليه عرّادات ومنجنيقات وقسى، فاشتبكت الحرب وكثرت القتلى فانتصر أصحاب الموفّق عليهم وقتلوهم وهزموهم، وانتهوا إلى الدار فتعذر عليهم الصعود إليها لعلوّ سورها، فلم تبلغه السلاليم الطوال فرمى بعض غلمان الموفّق كلاليب معهم، فعلّقوها في أعلام صاحب الزنج وجذبوها فتساقطت الأعلام منكوسة، فلم تشك المقاتلة عن الدار في أنّ أصحاب الموفّق قد ملكوها، فانهزموا لا يلوى أحد منهم على صاحبه فأخذها أصحاب الموفّق وصعد النفّاطون فأحرقوها وما كان عليها من المجانيق والعرّادات، ونهبوا ما كان فيها من المتاع والأثاث، وأحرقوا ما كان حولها من الدور، واستنقذوا من كان فيها من النساء، وكنّ كثيرا، فحملن إلى الموفقيّة وأمر الموفّق بالإحسان إليهن، واستأمن يومئذ من أصحاب صاحب الزنج وخاصّته الذين يلون خدمته جماعة كثيرة، فأمّنهم الموفّق وأحسن إليهم، ودلّ جماعة من المستأمنة الموفّق على سوق عظيمة كانت لصاحب الزنج، متّصلة بالجسر الأوّل تسمّى المباركة، وأعلموه أنّه إن أحرقها لم يبق لهم سوق غيرها، وخرج عنهم تجّارهم الذين بهم قواهم، فعزم الموفّق على احراقها وأمر أصحابه بقصد السوق من جانبيها ففعلوا، وأقبلت الزنج إليهم فتحاربوا أشد حرب، واتصل أصحاب الموفّق إلى طرف من أطراف السوق وألقوا فيه النار فاحترق، واتصلت النار، وكان الناس يقتتلون والنار محيطة بهم، وسقطت على المقاتلة واحترق بعضهم، فكانت هذه حالهم إلى مغيب الشمس، ثم تحاجزوا ورجع أصحاب الموفّق إلى عسكرهم، وانتقل تجّار السوق إلى أعلى المدينة، وكانوا قد نقلوا معظم أمتعتهم وأموالهم.
قال: ثم فعل صاحب الزنج بالجانب الشرقى من حفر الخنادق وتعوير «1» الطرق مثل ما كان فعل بالجانب الغربىّ بعد هذه الوقعة، واحتفر خندقا عظيما حصّن به منازل أصحابه التى على النهر الغربىّ، فرأى الموفّق أن يخرب باقى السور إلى النهر الغربىّ، ففعل ذلك بعد حرب طويلة في مدة بعيدة، وكان بالجانب الغربىّ جمع من الزنج قد تحصّنوا بسور منيع، وهم أشجع أصحابه، فكانوا يحامون عنه وكانوا يخرجون على أصحاب الموفّق عند محاربتهم، فأمر الموفّق أن يقصد هذا الموضع ويخرب سوره ويخرج من فيه، وأمر ابنه أبا العبّاس والقوّاد بالتأهّب لذلك، وتقدّم إليهم وأمر أن تقرب الشذاوات من السور، ونشبت الحرب ودامت إلى بعد الظهر، وهدم في السور مواضع وأحرق ما كان عليه من العرّادات، وتحاجز الفريقان وهما على السواء سوى هذا السور واحراق عرّادات كانت عليه، ونال الفريقين من الجراح أمر عظيم، وعاد الموفّق فوصل الناس على قدر بلائهم، هكذا كان عمله في محاربته، وأقام الموفّق بعد هذه الوقعة أياما، ثم رأى معاودة هذا الموضع لما رأى من حصانته وشجاعة من فيه، وأنّه لا يقدر على ما يريد إلا بعد إزالته، فأعدّ الآلات ورتّب أصحابه وقصده، وقاتل من فيه وأدخلت الشذاوات النهر، واشتدت الحرب ودامت، وأمدّ صاحب الزنج بالمهلبىّ وسليمان بن جامع في جيشهما، فحملوا على أصحاب الموفّق حتى ألحقوهم بسفنهم وقتلوا منهم جماعة، فرجع الموفّق ولم يبلغ منهم ما أراد، وتبيّن له أنّه إذا