الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حملهم الى العراق
قال المؤرخ «1» : ولما حجّ المنصور في سنة أربع وأربعين ومائة أرسل محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة «2» ومالك بن أنس إلى بنى الحسن وهم في الحبس، يسألهم «3» أن يدفعوا إليه محمدا وإبراهيم ابنى عبد الله، فدخلا عليهم وعبد الله قائم يصلى فأبلغاهم الرسالة، فقال حسن بن حسن أخو عبد الله: هذا عمل ابنى المشئومة!! أما والله ما هذا عن رأينا ولا عن ملأ منّا ولا لنا فيه حيلة «4» فقال له أخوه إبراهيم: علام تؤذى أخاك في ابنيه؟! وتؤذى ابن أخيك في أمه؟! ثم فرغ عبد الله من صلاته فأبلغاه الرسالة، فقال:
والله، لا أرد عليكما حرفا، إن أحبّ أن يأذن لى فألقاه فليفعل، فانطلق الرسولان إلى المنصور فأبلغاه قوله، فقال: أراد أن يسحرنى لا والله لا ترى عينه عينى حنى «5» يأتينى بابنيه، وكان عبد الله بن حسن لا يحدّث أحدا قط إلا فتله «6» عن رأيه.
ثم سار المنصور لوجهه، فلما حجّ ورجع لم يدخل المدينة ومضى إلى
الربذة، فخرج إليه رياح إلى الربذة فردّه إلى المدينة، وأمره بإشخاص بنى حسن إليه، ومعهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخو بنى حسن لأمهم، فرجع رياح وأخذهم وسار بهم إلى الربذة، وجعلت القيود فى أرجلهم وأعناقهم، وجعلهم في محامل بغير وطاء، ولما خرج بهم رياح من المدينة وقف جعفر بن محمد من خلف ستر يراهم ولا يرونه، وهو يبكى ودموعة تجرى على لحيته وهو يدعو الله، ثم قال: والله، لا تحفظ. لله حرمة بعد هؤلاء، ولما ساروا كان محمد وإبراهيم ابنا عبد الله يأتيان كهيئة الأعراب، فيسايران أباهما ويستأذنانه في الخروج، فيقول: لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك وقال لهما إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين، فلا يمنعكما أن تموتا كريمين، فلما وصلوا إلى الربذة أدخل محمد بن عبد الله العثمانى على المنصور، وعليه قميص وإزار رقيق، فلما وقف بين يديه قال: أيها باديوث، قال محمد: سبحان الله!! والله لقد عرفتنى بغير ذلك صغيرا وكبيرا، قال: فممّن حملت ابنتك رقيّة؟ وكانت تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وقد أعطيتنى الأيمان ألّا تغشنى، ولا تمالىء علىّ عدوا، وأنت ترى ابنتك حاملا وزوجها غائب!! فأنت بين أن تكون حانثا أو ديوثا، وأيم الله إنى لأهمّ برجمها، قال محمد:
أما أيمانى فهى علىّ؛ إن كنت دخلت لك في أمر غش علمته، وأما ما رميت به هذه الجارية فإنّ الله قد أكرمها بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّاها، ولكنى ظننت حين ظهر حملها أنّ زوجها ألمّ بها على حين
غفلة منّا، فاغتاظ «1» المنصور من كلامه، وأمر بشق ثيابه «2» وإزاره «3» فبدت عورته، ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط، فبلغت منه كل مبلغ والمنصور يفترى عليه لا يكنّى «4» ، فأصاب سوط منها وجهه، فقال: ويحك!! اكفف عن وجهى، فإنّ له حرمة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغرى المنصور فقال للجلاد: الرأس الرأس، فضرب على رأسه نحوا من ثلاثين سوطا، وأصاب إحدى عينيه سوط فسالت، ثم أخرج وكأنه زنجى من الضرب، وكان من أحسن الناس، وكان يكنى الديباج لحسنه، فلما أخرج وثب إليه مولى له فقال: ألا أطرح ردائى عليك، قال: بلى جزيت خيرا، والله لشق إزارى أشدّ علىّ من الضرب. وكان سبب أخذه أنّ رياحا قال للمنصور: يا أمير المؤمنين، أمّا أهل خراسان فشيعتك، وأمّا أهل العراق فشيعة آل أبى طالب، وأما أهل الشام فو الله ما علىّ عندهم إلا كافر، ولكن محمد بن عبد الله العثمانى لو دعا أهل الشام ما تخلف عنه منهم أحد، فوقعت في نفس المنصور فأمر به فأخذ معهم، وكان حسن الرأى فيه قبل ذلك.
ثم إنّ أبا عون كتب إلى المنصور أنّ أهل خراسان قد تقاعسوا «5»
عنّى، وطال عليهم أمر محمد بن عبد الله العثمانى، فأمر المنصور به فقتل، وأرسل رأسه إلى خراسان، وأرسل معه من يحلف أنه رأس محمد بن عبد الله، وأنّ أمّه فاطمة بنت الحسين بن على، فلما قتل قال أخوه عبد الله بن الحسن: إنّا لله!! إن كنّا لنأمن به في سلطانهم، ثم قد قتل بنا في سلطاننا. قال: ثم سار بهم المنصور من الربذة فمرّ بهم وهو على بغلة شقراء، فناداه عبد الله بن حسن: يا أبا جعفر؛ ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر، فأخسأه «1» أبو جعفر وتغل عليه ومضى، فلما قدموا إلى الكوفة قال عبد الله لمن معه: ألا ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية!! قال:، فلقيه الحسن وعلىّ ابنا «2» حى مشتملين على سيفين، فقالا له: قد جئناك يا ابن رسول الله، فمرنا بالذى تريد، قال: قد قضيتما ما عليكما، ولن تغنيا في هؤلاء شيئا فانصرفا، فانصرفا، ثم إن المنصور أودعهم بقصر ابن هبيرة شرقىّ الكوفة، وأحضر المنصور محمد بن إبراهيم بن حسن، وكان أحسن الناس صورة، فقال له: أنت الديباج الأصغر؟ قال: نعم، قال: لأقتلنّك قتلة لم أقتلها أحدا، ثم أمر به فبنى عليه أسطوانة وهو حىّ، فمات فيها، وهو أول من مات منهم، ثم عبد الله بن حسن، ثم مات على بن حسن؛ وقيل إن المنصور أمر بهم فقتلوا، وقيل بل أمر بهم فسقوا السمّ، وقيل وضع المنصور على عبد الله من قال له: إنّ ابنه محمدا قد خرج وقتل، فانصدع قلبه فمات والله أعلم، ولم ينج