الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه
؟؟؟ كانت هذه الحادثة في سنة ثنتى عشرة وثلاثمائة، وذلك أن أبا طاهر بن أبى سعيد الجنابى القرمطى أنفذ رجلا من جواسيسه إلى مكة في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وقد خرجت قوافل الحاج مع أبى الهيجاء بن حمدان في تلك السنة، فكان الجاسوس يقوم على المحجّة فيقول: يا معشر الناس ادعوا على القرمطى عدوّ الله وعدوّ الاسلام، ويسأل عن أمير الحاج وفي كم هو وكم أرزاقهم، ويسأل عمّن خرج من التجّار وما معهم من الأموال، فكان ذلك دأبه حتى قضى الحج، ثم خرج في أوّل النفر فأسرع إلى سواد باهلة، ثم إلى اليمامة وصار إلى الأحساء في أيام يسيرة، فأخبر سليمان القرمطى بصورة الأمر، فوجّه سليمان من يثلّ «1»
الآبار بينه وبين لبنه «2»
وبعض آبار لبنه ويسوّى حياضها، وورد بعض الأعراب إلى أبى الهيجاء- وهو بعيد ينتظر رجوع الحاج وذلك في آخر ذى الحجة من السنة- فأخبره أنّ آبار لبنه قد ثلت فاستراب بذلك، وجاء بعض الأعراب بجلّة «3»
فيها قطعة من تمر هجّر فتيقّن أمر القرامطة، فشغل ذلك قلبه، وجاءه ما لم يقدره ولا ظنه فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا، وورد حاتم الخراسانى بقافلة
الحاج من مكة ثانى ذلك اليوم، ومعه قافلة عظيمة، فزاد ذلك في شغل قلب أبى الهيجاء لخوفه عليه، ولم يظهر ذلك لحاتم ولا لغيره ثم ارتحل فلم يعترض عليه، فلما صار حاتم بالثعلبيّة أنهى إليه شىء من أخبار القرامطة وأنّهم بلبنه، وكان القرمطى رحل من بلده في ستمائة فارس وألف راجل، وسار حاتم فاجتاز بالهبير ليلا فلم ينزله، وسار حتى نزل الشقوق، وأغذّ السير وسلّمه الله ومن معه، ونزلت بفيد قافلة أخرى من غد رحيل حاتم من الخراسانيّة، ثم ساروا عنها حتى إذا كانوا بالهبير ظهر لهم أبو طاهر سليمان القرمطى، فقتل بعضهم وأفلت البعض حتى وردوا الكوفة، فاشتد خوف الناس بالكوفة على الحاج واضطربوا، إلا أن نفوسهم قويّة بمقام أبى الهيجاء بفيد، وكان أبو الهيجاء قد أنفذ رجلا طائيا يعرف له أخبار القرامطة، يقال له مسبع بن العيدروس من بنى سنبس- وكان خبيرا بالبرّ، وتقدّم إليه أن يسرع إليه بالخبر ويعدل عن الطريق، ومعه جماعة قد أزاح عللهم في الرزق والمحمل، فساروا حتى قربوا من لبنه فنزل إليهم فارسان، فركبوا خيولهم وتلقّوهما فتطاردوا، وقصّرا في الركض وهبطا واديا خلفهما وخرجا منه، ولحقتهم الخيل فساروا على أرض جدب، فدفع عليهم نحو من سبعين فارسا، فلم ينته حتى طعنت فيهم وضربت، فرجع القوم على خيل مطرودة وخيول القرامطة مستريحة، فبالغوا في دفعهم بكل جهد فلم تك إلا ساعة حتى قتلوا جميعا، وأسروا مسبعا دليل القوم فحملوه إلى لبنه، فسأله القرمطى وقال: إن صدقتنى أطلقتك، فلما أخبره أمر بحفظه، قال: ولم بمض لأبى الهيجاء يومان بعد إرسال الطليعة حتى وردت قوافل الحاج
وأصحاب السلطان معها، وفيها من الوجوه أحمد بن بدر، عم السيدة أم المقتدر بالله، وشفيع الخادم، وفلفل الأسود صاحب خزانة السلطان، وإسحاق بن عبد الملك الهاشمى صاحب الموسم وغيرهم، فأعلمهم أبو الهيجا الخبر فأجالوا الرأى، فقال لهم: قد أنفذت رجالا أثق بهم طليعة، وأخذت عليهم ألا يرجعوا حتى يشربوا من لبنه والصواب التوقّف عن الرحيل لننظر ما يأتون به، فعملوا على ذلك وأقاموا بفيد ستة أيام، ونزلت القافلة الوسطى فيد وكثر الناس وغلت الأسعار، ولم يقدروا على حشيش للعل؟؟؟ ولا خبز، فضجّ الناس وأجمعوا على الرحيل فرحلوا عن فيد يوم الأحد، وخلّف أبو الهيجاء ابن أخيه على بن الحسين بن حمدان بفيد، في خيل ينتظرون الحاج الذى مع قافلة الشّمسة؛ قال: وكان الحاج قبل ذلك يسيرون قافلة بعد قافلة لكثرتهم، ومن أراد أن يسير بعد الحاج سمار، ومن أراد أن يتخلّف ليعتمر في الحرم تخلّف، وكان الأمر يحملهم على ذلك فيسيرون قافله بعد قافلة؛ قال: ثم وردت قافلة الشمسة فيد، فجاءهم بعض التجار بخبر ما اتصل بأبى الهيجاء، وكان في القافلة أبو عيسى صالح ابن على الهاشمى، وجماعة من العبّاسيين، وأبو محمد بن الحسن «1»
ابن الحسين العلوى وعمر بن يحيى العلوى وغيرهما من الطالبيين وتجار الكوفة، فتجلّت حقيقة الأخبار من أمر القرامطة، فاجتمعوا في مضرب أبو عيسى وتشاوروا، فاجتمع رأيهم على المقام بفيد إلى أن ترتحل القافلة، ثم ينظروا لأنفسهم في عرب يخرجون معهم إلى الكوفة، فأقام
الناس بفيد يومهم ثم رحلوا بكرة، فلما جاوزوا المنزل افتقد على ابن الحسين بن حمدان من تخلّف من القافلة، فسأل عنهم فأخبر بتخلّفهم فرجع إلى فيد ومعه بعض أصحابه فاجتمع بهم، وسألهم عن تخلّفهم فقالوا بأجمعهم لا تحبّ سلوك هذه الطرق، ودافعوا عن الأخبار بسبب تخلّفهم، وقالوا له: أنت وعمّك بريّان منّا، قال:
اكتبوا إلى خطوطكم بذلك، ففعلوا، وانصرف فسار بالناس فلما وصل إلى عمّه أبى الهيجاء عرّفه ذلك، فلامه عليه وقال: وددت أنّ جميع من ترى كان معهم، قال: ولمّا سارت القافلة مع على بن الحسين بن حمدان أحضر هؤلاء الذين تخلّفوا بفيد ابن نزار وابن توبة تاجرين من أهلها، فعرّفوهم حاجتهم إلى من يسلك بهم إلى الكوفة على غير طريق الحاج، فجمعوا لهم جماعة من سنبس وتوصلوا بهم إلى بنى زبيد من الطائيين، ثم أخذوا ينزلون على العرب يقاتلون من قاتلهم، ويصلون من استرفدهم ويبرّون ويخلعون، فسلّمهم الله حتى وردوا الكوفة، وذلك بعد شدائد عظيمة وقتال في مواضع، ولم يسلم من الحاج غيرهم والقافلة الأولى التى كانت مع حاتم.
قال: ولمّا وصل على بن الحسين بن حمدان إلى عمّه أبى الهيجاء اجتمعت القوافل، وكثر الناس، وتجلّى لهم خبر القرامطة وصحّ، فسار أبو الهيجاء بالناس إلى الخزيميّة ثم إلى الثعلبيّة، ثم ساروا يريدون البطان «1»
، واجتمع الناس من أصحاب السلطان والرؤساء
فتشاوروا، فلم يدع الأمير أبو الهيجاء الاستعاثة بالقوم يقول: ارجعوا ودعونى ألقى القرامطة في أصحابى، فإن أصبت فمعكم من تسيرون معه، وإلا فامضوا إلى وادى القرى أو المدينة أو غير ذلك، وإن ظفرت وجّهت إليكم فعدتم وقد زال المحذور، ولم يزل يردّد عليهم هذا القول من الأجفر إلى الثعلبيّة، فمنهم من أجاب ومنهم من أبى ذلك وقال:
لانفترق، وكان أحمد بن بدر عم السيّدة ممن أبى ذلك وصمّم على الملازمة، فعمل ابن حمدان بما أرادوه دون رأية، وبات الناس على أميال بقيت من البطان والأحمال على ظهور الجمال، وذلك ليلة الأحد لأيام خلت من صفر، فلما أضاء لهم الفجر ارتحلوا، وقدّم أبو الهيجاء ستمائة راجل من الأولياء، كان السلطان أبعدهم لكثرة شغبهم ببغداد فكانوا بين يدى القوافل، وقارب بين القطر ودخل بعض الناس في بعض، وتقدّم نزار بن محمد الضبىّ فكان في أوّل القاملة في أصحابه خلف الرجّالة، وسار أبو الهيجاء في التغالبة والعجم في ميمنة القافلة، وألزم الساقة وميسرة القافلة جماعة من الأولياء مع بعض الأمراء، واحتاط بكل ما أمكن، وسار فلما أضحى النهار أقبلت عليهم خيل القرامطة، والقافلة في نهاية العظم جدا، فكان أوّل من لقيهم رجّالة أبى الهيجاء، فحملت القرامطة عليهم فخالطوهم فقتلوا جميعا إلا نحوا من عشرين رجلا، وحمل نزار في جيشه فضارب بعض خيل القرامطة بالسيوف ساعة، فلحقته ضربة فهوى إلى الأرض واعتنق فرسه، ومضى نحو المشرق وتبعه بقيّة أصحابه، فاستقاموا حتى وصلوا إلى زبالة وساروا إلى الكوفة، فلما سمع الأمير أبو الهيجاء الصوت وعرف الخبر وكان في آخر القافلة أسرع في خيله نحو أوّل
القافلة، فوجد الأمر قد فاته بقتل من كان أمامها، وقويت القرامطة على حربه ووجد الحاج قد أخذوا يمنة ويسرة، فحمل على القرامطة فاستقبلوه فقتل جماعة من أهل بيته صبروا معه، وانهزم وضرب على رأسه ضربة لم تضره إلا أنّه قد نزف منها، وأخذ أسيرا ونزل أبو طاهر القرمطى على غلوتين من القافلة، ورجّالته «1»
نحو من ستمائة على المطى فأنفذهم وفرسانا من فرسانه فأحاطوا بالقافلة «2»
، ومنعوا الناس من الهرب، وكان قد هرب خلق منهم في وقت القتال، فتلف كثير منهم في الطريق عطشا وأخذ بعضهم الأعراب فسلبوهم، وسلم قوم منهم إلى زبالة وساروا إلى الكوفة، وأتى بأبى الهيجاء إلى سليمان فلما نظر إليه تضاحك، وقال: قد جئناك عبد الله ولم نكلّفك قصدنا، فتلطّف له أبو الهيجاء بفضل عقله ودهائه وسعة حيلته وقوّة نفسه، وألان له القول حتى أنس به، فاستأمنه على نفسه فأمّنه فخلّص بذلك ناسا كثيرا، وعمل في سلامة كثير من الحاج عملا كثيرا، ثم أمر القرمطى بتمييز الحاج وإخراجهم من القوافل، وعزل الجمّالين والصنّاع ناحية فظنّوا أنّه إنما أخرجهم للقتل فارتاعوا لذلك، وكانوا قد عطشوا عطشا شديدا، فلما جهنّم الليل ضجر الموكّلون منهم، فأخذوا ما معهم وخلوّهم، فورد من ورد منهم الكوفة بشرّ حال متورّمى الأقدام في صور الموتى، ورحل أبو طاهر من الغد بعد أن أخذ من أبى الهيجاء وحده نحوا من عشرين ألف دينار من الأموال التى لا تحصى كثرة، وقدم كثير من الناس بخبر