المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

قال: ولما أنفذ الموفّق الكتاب إلى صاحب الزنج ولم يرد جوابه، عرض عسكره وأصلح آلاته ورتّب قوّاده، ثم سار هو وابنه أبو العبّاس فى العشرين من شهر رجب سنة سبع وستين إلى مدينة صاحب الزنج، فلما أشرف عليها وتأمّلها ورأى حصانتها بالأسوار والخنادق ووعور الطريق إليها وما أعدّ من المجانيق والعرّادات والقسى وسائر الآلات على سورها مما لم ير مثله ممّن تقدّم من منازعى السلطان، ورأى من كثرة عدد المقاتله ما استعظمه، فلما عاين الزنج أصحاب الموفّق ارتفعت أصواتهم حتى ارتجّت الأرض، فأمر الموفّق ابنه بالتقدّم إلى سور المدينة ورمى من عليه بالسهام، فتقدّم حتى ألصق شذاواته بقصر صاحب الزنج، فكثر الزنج وأصحابهم على أبى العبّاس، وتتابعت سهامهم وحجارة مجانيقهم ومقاليعهم، ورمى عوامّهم بالحجارة عن أيديهم، حتى ما يقع الطرف إلا على سهم أو حجر، وثبت أبو العبّاس، فرأى صاحب الزنج من ثباته وثبات أصحابه ما لا رأى مثله من أحد ممّن حاربهم، ثم أمرهم الموفّق بالرجوع ففعلوا، واستأمن إلى الموفّق مقاتلة من سمارتين فأمّنهم، وخلع على من فيها من المقاتلة والملاحين على أقدارهم ووصلهم، وأمر بادنائهم إلى موضع يراهم فيه نظراؤهم، فكان ذلك من أنجع المكائد، فلما رأوهم الباقون رغبوا في الأمان وتنافسوا فيه وابتدروا إليه، فصار إلى الموفّق في ذلك اليوم عدد كثير من أصحاب السميريّات فعمّهم بالخلع والصلات، فلما رأى صاحب

ص: 152

الزنج ذلك أمر بردّ أصحاب السميريّات إلى نهر أبى الخصيب، ووكل بفوّهة النهر من يمنعهم من الخروج، وأمر بهبوذ- وهو من أشرّ قوّاده، أن يخرج في الشذاوات، فخرج فبرز إليه أبو العبّاس في شذاواته وقاتله، واشتدت الحرب فانهزم بهبوذ إلى فناء قصر صاحب الزنج، وأصابته طعنتان وجرح بالسهام، فولج نهر أبى الخصيب وقد أشفى على الموت، وقتل ممّن كان معه قائد ذو بأس- يقال له عميرة، وظفر أبو العبّاس بشذاة فقتل أهلها، ورجع هو ومن معه سالمين، واستأمن إلى أبى العباس أهل شذاة فأمّنهم وأحسن إليهم وخلع عليهم، ورجع الموفّق ومن معه إلى عسكره بالنهر المبارك، واستأمن إليه عند منصرفه خلق كثير، فأمّنهم وخلع عليهم ووصلهم وأثبت أسماءهم مع أبى العبّاس، وأقام في عسكره يومين ثم نقل عسكره لست ليال بقين من شهر رجب إلى نهر جطّى فنزله، وقام به إلى منتصف شعبان لم يقاتل.

ثم ركب في منتصف شعبان في الخيل والرّجل وأعدّ الشذاوات والسميريّات، وكان معه من الجند والمطّوعة زهاء خمسين ألفا، وكان مع صاحب الزنج أكثر من ثلاثمائة ألف انسان، كلهم ممّن يقاتل بسيف أو رمح أو مقلاع أو منجنيق، وأضعفهم رماة الحجارة من أيديهم وهم النظّارة، والنساء تشركهم في ذلك، فأقام أبو أحمد ذلك اليوم، ونودى بالأمان للناس كافّة إلا صاحب الزنج، وكتب الأمان فى رقاع ورميت في السهام، ووعد فيها الإحسان، فمالت قلوب أصحاب صاحب الزنج فاستأمن من ذلك اليوم خلق كثير، فخلع عليهم ووصلهم، ولم يكن ذلك اليوم حرب.

ص: 153

ثم رحل من نهر جطّى من الغد فعسكر قرب مدينة صاحب الزنج، ورتّب قوّاده وأجناده وعيّن لكل طائفة موضعا يحافظون عليه ويضبطونه، وكتب الموفّق إلى البلاد في عمل السميريّات والشذاوات والزواريق والاكثار منها، ليضبط بها الأنهار لتنقطع الميرة عن صاحب الزنج وأسّس في منزلته مدينة سمّاها الموفّقيّة، وكتب إلى عمّاله في النواحى بحمل الأموال والميرة في البر والبحر إلى مدينته، وأمرهم بانفاذ من يصلح للاثبات في الديوان، وأقام ينتظر ذلك شهرا، فوردت عليه المير متتابعة، وجهّز التجار صنوف التجارات إلى الموفّقيّة، واتخذت فيها الأسواق، ووردتها مراكب البحر، وبنى الموفّق بها المسجد الجامع وأمر الناس بالصلاة فيه، فجمعت هذه المدينة من المرافق وسيق إليها من صنوف الأشياء ما لم يكن في مصر من الأمصار القديمة، وحملت الأموال وأدرّت الأرزاق.

قال «1» : وعبرت طائفة من الزنج فنهبوا أطراف عسكر نصير وأوقعوا به، فأمر الموفّق نصيرا بجمع عسكره وضبطهم، وأمر الموفّق ابنه أبا العبّاس بالمسير إلى طائفة من الزنج كانوا خارج المدينة، فقاتلهم فقتل منهم خلقا كثيرا وغنم ما كان معهم، فصار إليه طائفة منهم بالأمان، فخلع عليهم وأمّنهم ووصلهم، وأقام أبو أحمد يكايد صاحب الزنج، يبذل الأمان لمن صار إليه، ومحاصرة الباقين والتضييق عليهم، وكانت قافلة قد أتت من الأهواز فأسرى إليها

ص: 154

بهبوذ في سميريات، فأخذها فعظم ذلك على الموفّق، وغرم لأهلها ما أخذ منهم، وأمر بترتيب الشذاوات على مخارج الأنهار، وقلّد ابنه أبا العبّاس الشذاوات وحفظ الأنهار بها من البحر إلى المكان الذى هم به.

قال: وفي شهر رمضان من السنة عبرت طائفة من الزنج يريدون الايقاع بنصير، فردّهم الله خائبين، وظفروا بصندل الزنجى، وكان يكشف رؤوس المسلمات ويقلّبهن تقليب الإماء، فلما أتى به أمر الموفّق أن يرمى بالسهام ثم قتله، واستأمن إلى الموفّق من الزنج خلق كثير، فبلغت عدة من استأمن إليه إلى آخر شهر رمضان خمسين آلفا؛ وفي شوّال انتخب صاحب الزنج من عسكره خمسة آلاف من الشجعان والقوّاد، وأمر على بن أبان المهلبىّ بالعبور لكبس عسكر الموفّق، وكان فيهم أكثر من مائتى قائد، فعبروا ليلا واختفوا في آخر النخل، وأمرهم: أنّه إذا ظهر أصحابهم وقاتلوا الموفّق من بين يديه ظهروا وحملوا على عسكره، وهم غارون مشاغيل بحرب من أمامهم، فاستأمن منهم انسان من الملّاحين فأخبر الموفّق، فسيّر ابنه أبا العبّاس لقتالهم وضبط الطرق التى يسلكونها، فقاتلوا قتالا شديدا، وأسر أكثرهم، وغرق منهم خلق كثير، وقتل بعضهم ونجا بعضهم، فأمر أبو العبّاس أن تحمل الأسرى والرؤوس في السميريات، ويعبر بهم على مدينة صاحب الزنج، ففعلوا ذلك، وبلغ الموفّق أنّ صاحب الزنج قال لأصحابه: إن الأسرى والرؤوس من المستأمنة، فأمر بالقاء الرؤوس إليهم في منجنيق، فلما رأوها عرفوها فأظهروا الجزع والبكاء، وظهر لهم كذب صاحبهم.

وفيها أمر صاحب الزنج باتخاذ شذاوات فعملت له، فكانت

ص: 155

خمسين شذاة فقسمها بين ثلاثة من قوّاده، وأمرهم بالتعرض لعسكر الموفّق، وكانت شذاوات الموفّق يومئذ قليلة، لأنّه لم يصل إليه ما أمر بعمله، والتى كانت عنده منها فرّقها على أفواه الأنهار، ليقطع الميرة عن صاحب الزنج، فخافهم أصحاب الموفّق فورد عليهم الشذاوات التى كان الموفّق أمر بعملها، فسيّر ابنه أبا العباس يوردها خوفا عليها من الزنج، فلما أقبل بها رآها الزنج فعارضوها بشذاواتهم، فقصد غلام لأبى العبّاس منعهم وقاتلهم، فانكشفوا بين يديه وتبعهم حتى أدخلهم نهر أبى الخصيب، وانقطع عن أصحابه فعطفوا عليه فأخذوه ومن معه بعد حرب شديدة، فقتلوا وسلمت الشذاوات التى مع أبى العبّاس، وأصلحها ورتّب فيها من يقاتل، ثم أقبلت شذاوات صاحب الزنج على عادتها، فخرج إليهم أبو العبّاس في أصحابه، فقاتلهم فهزمهم وظفر منهم بعدّة شذاوات، فقتل منهم من ظفر به فيها، فمنع صاحب الزنج أصحابه من الخروج عن فناء قصره، وقطع أبو العبّاس الميرة عن الزنج فاشتد جزع الزنج، وطلب جماعة من وجوه أصحاب صاحب الزنج الأمان فأمّنوا؛ وكان منهم محمد ابن الحارث العمّى «1» ، وكان إليه ضبط السور مما يلى عسكر الموفق، فخرج ليلا فأمّنه الموفّق ووصله بصلات كثيرة له ولمن خرج معه، وحمله على عدّة دواب بآلاتها وحليتها، وأراد اخراج زوجته فلم يقدر، وأخذها صاحب الزنج فباعها؛ ومنهم أحمد البرذعى «2» ،

ص: 156