الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبّاس إلى أن حجز بينهم الليل، واستأمن إلى أبى العبّاس رجل، فسأله عن سليمان بن جامع فأخبره أنّه مقيم بطهيثا بمدينته التى سماها المنصورة، فعاد أبو العبّاس إلى أبيه بالخبر، فأمره بالمسير إليه فسار حتى نزل بردوا، فأقام بها لاصلاح ما يحتاج إليه، واستكثر من الآلات التى يسدّ بها الأنهار ويصلح بها الطرق للخيل، وخلّف ببردودا بغراج التركى.
ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا
قال: ولما فرغ الموفّق من الذى يحتاج إليه سار عن بردودا إلى طهيثا لعشر بقين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وستين ومائتين، وكان امسيره على الظهر في خيله، وحدّرت السفن والآلات فنزل بقرية الجوزيّة وعقد جسرا، ثم غدا فعبر خيله عليه ثم عبر بعد ذلك، فسار حتى نزل معسكرا على ميلين من طهيثا فأقام بها يومين، ومطرت لسماء مطرا شديدا فشغل عن القتال، ثم ركب لينظر موضعا للحرب، فانتهى إلى قريب من سور مدينة سليمان بطهيثا- وهى التى سمّاها المنصورة- فتلقّاه خلق كثير وخرج عليه كمناء من مواضع شتى، واشتدت الحرب وترجّل جماعة من الفرسان، وقاتلوا حتى خرجوا عن المضيق الذى كانوا فيه، وأسر من غلمان الموفّق جماعة، ورمى أبو العبّاس ابن الموفّق أحمد بن مهدى «1» الجبّائى بسهم خالط دماغه فسقط، وحمل
إلى صاحب الزنج فلم يلبث أن مات بحضرته، فصلّى عليه وعظمت لديه المصيبة بموته، وكان أعظم أصحابه غناء، وانصرف الموفّق إلى معسكره وقت المغرب، وأمر أصحابه بالتحارس ليلتهم والتأهّب للحرب، فلما أصبحوا- وذلك في يوم السبت لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر- عبىّ الموفّق أصحابه، وجعلهم كتائب يتلو بعضها بعضا فرسانا ورجّالة، وأمر بالشذاوات والسميريّات أن يسار بها إلى النهر، الذى يشقّ مدينة سليمان، وهو النهر المعروف ينهر المنذر، ورتّب أصحابه في المواضع التى يخاف منها، ثم نزل فصلّى أربع ركعات وابتهل إلى الله عز وجل في النصر ثم لبس سلاحه، وأمر ابنه أبا العبّاس أن يتقدّم إلى السور، فتقدّم إليه فرأى خندقا فأحجم الناس عنه، فحرّضهم قوّادهم وترجّلوا معهم فاقتحموه وعبروه، وانتهوا إلى الزنج وهم على سورهم، فلمّا رأى الزنج تسرّعهم إليهم ولّوا منهزمين، واتبعهم أصحاب أبى العبّاس فدخلوا المدينة، وكان الزنج قد حصّنوها بخمسة خنادق، وجعلوا أمام كل خندق سورا، فجعلوا يقفون عند كل سور وخندق فيكشفهم أصحاب أبى العبّاس، ودخلت الشذاوات والسميريّات المدينة من النهر. فجعلت تغرق كل ما مرّت لهم به من سميريّة وشذاة، وقتلوا من بجانبى النهر وأسروا، حتى أجلوهم عن المدينة وعمّا اتصل بها، وكان مقدار العمارة بها فرسخا، وحوى الموفّق ذلك كلّه، وأفلت سليمان بن جامع ونفر من أصحابه، وكثر القتل فيهم والأسر، واستنقذ أبو أحمد من نساء أهل واسط والكوفة والقرى وصبيانهم