المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

ونحن نذكر سبب ظهورهما وما كان من أمرهما وما اتفق لأولاد الحسن رضى الله عنه بسبب ذلك، ثم نذكر ظهور محمد وما اتفق له.

إلى أن قتل، وظهور إبراهيم بعده، وما كان من خبره وحروبه ومقتله، وما يتصل بذلك فنقول:

كان سبب ظهورهما أنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن «1» ابن على هذا، كان يدّعى أنّ أبا جعفر المنصور كان ممّن بايعه، لمّا تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة، عند اضطراب «2» .

أمر مروان بن محمد الحمار، فلما قامت الدولة العباسية وبويع السفاح، واتفق حج المنصور في سنة ست وثلاثين ومائة سأل عنهما، فقال له زياد بن عبيد الله الحارثى: ما يهمك من أمرهما؟ أنا آتيك بهما،

ص: 7

وكان معه بمكة، فردّه المنصور إلى المدينة، فلما استخلف المنصور لم يكن همّه إلا أمر محمد، والمسألة عنه وما يريد، فدعا بنى هاشم رجلا رجلا يسأل كل واحد سرا عنه، فكلهم يقول قد علم أنّك عرفته بطلب هذا الأمر، فهو يخافك على نفسه، وهو لا يريد لك خلافا، وما أشبه هذا الكلام، إلا الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب «1» فإنّه أخبره خبره، وقال: والله ما آمن وثوبه عليك، فإنّه لا ينام عنك، فأيقظ بكلامه «2» من لم ينم عنه، وزاده ذلك حرصا على طلبه، وشدة في طلبه، وكان موسى بن عبد الله بن حسن يقول بعد ذلك: اللهم اطلب حسن بن زيد «3» بدمائنا.

ثم ألحّ المنصور على عبد الله بن حسن في إحضار ابنه محمد سنة حج، فقال عبد الله لسليمان بن على بن عبد الله بن عبّاس: يا أخى بيننا من الصهر «4» والرحم ما تعلم، فما ترى؟ فقال سليمان: والله لكأنّى أنظر إلى أخى عبد الله بن على حين حال الستر «5» بيننا وبينه، وهو يشير إلينا، إن هذا الذى فعلتم بى، فلو كان المنصور عافيا عن أحد عفا عن عمّه، يشير إلى خبر المنصور لما حبس عمه عبد الله بن على،

ص: 8

فقبل عبد الله بن حسن رأى «1» سليمان، وعلم أنه قد صدقه ولم يظهر ابنه.

ثم شرع المنصور في إعمال الفكرة، والتوصل إلى أن يطلع على حقيقة خبر محمد بن عبد الله، وجعل عليه العيون والمراصد، وتوصل بكل طريق «2» ، حتى إنه اشترى رقيقا من رقيق الأعراب، وأعطى الرجل منهم البعير، والرجل البعيرين، والرجل الزود «3» ، وفرّقهم في طلب محمد في ظهر المدينة، فكان الرجل منهم يرد الماء كالمارّ وكالضال فيسألون عنه؛ وبعث المنصور عينا وكتب معه كتابا على ألسن الشيعة إلى محمد، يذكرون طاعتهم ومسارعتهم، وبعث معه بمال وألطاف، فقدم الرجل المدينة فدخل على عبد الله «4» بن حسن، [و] سأله عن ابنه محمد فكتم خبره، فتردّد إليه الرجل وألحّ في المسالة فذكر له أنه في جبل جهينة، وقال له: أمرر بعلى بن حسن، الرجل الصالح الذى يدعى الأغرّ، وهو بذى الإبر، فهو يرشدك إليه، فأتاه فأرشده، وكان للمنصور كاتب على سرّه يتشيع، فكتب إلى عبد الله بن حسن يخبره بخبر ذلك العين، فلما قدم الكتاب ارتاع له، وبعث إلى محمد ابنه وإلى على بن حسن يحذرهما الرجل، وأرسل بذلك أبا هبّار، فخرج أبو هبّار فنزل بعلى بن حسن وأخبره، ثم سار إلى محمد بن عبد الله في

ص: 9

موضعه الذى هو به، فإذا هو جالس في كهف ومعه جماعة من أصحابه، وذلك العين معهم أعلاهم صوتا وأشدّهم انبساطا، فلما رأى أبا هبّار خافه، فقال أبو هبار لمحمد: إنّ لى حاجة، فقام معه فأخبره الخبر، قال: فما الرأى؟ قال: أرى إحدى ثلاث، قال: وما هى؟ قال:

تدعنى أقتل هذا الرجل، قال: ما أنا بمقارف دما إلا مكرها، قال:

أثقله حديدا، وتنقله معك حيث تنقّلت، قال: وهل بنا فراغ مع الخوف والإعجال «1» ؟ قال: تشدّه وتودعه عند بعض أهلك من جهينة قال: هذه إذن، فرجعا فلم يريا الرجل، فقال محمد: أين الرجل؟

قالوا: قام بركوة فيها ماء وتوارى، فطلبوه فلم يجدوه فكأنّ الأرض التأمت عليه، وسعى على قدميه حتى اتصل بالطريق، فمرّ به أعرابى معه حمولة إلى المدينة، فقال له: فرّغ هذه الغرارة وأدخلنيها أكن عدلا لصاحبتها، ولك كذا وكذا ففعل، وحمله حتى أقدمه المدينة، ثم قدم على المنصور فأخبره الخبر كله، ونسى اسم أبى هبّار وكنيته، فقال: وبر «2» ، فكتب أبو جعفر في طلب وبر المرّى، فحمل إليه فسأله عن قصة محمد، فحلف أنه لا يعرف من ذلك شيئا، فأمر به فضرب سبعمائة سوط، وحبس حتى مات المنصور.

ثم أحضر المنصور عقبة بن سلم الأزدى، فقال له: إنى أريدك لأمر أنا به معنى، لم أزل أرتاد له رجلا عسى أن تكونه، وإن كفيتنيه

ص: 10

رفعتك؟ فقال: أرجو أن أصدق ظنّ أمير المؤمنين فيّ، قال: فاخف شخصك واستر أمرك، وأتنى يوم كذا وكذا في وقت كذا، فأتاه في ذلك الوقت، فقال له: إنّ بنى عمّنا قد أبوا إلا كيدا لملكنا واغتيالا له، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا، يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من ألطاف بلادهم، فاخرج بكتبى وبمال وألطاف، حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن أهل هذه القرية، ثم تعلم حالهم فإن كانوا نزعوا «1» عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب، وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك وكنت على حذر، فاشخص حتى تلقى عبد الله ابن حسن متخشعا متقشفا، فإن جبهك- وهو فاعل- فاصبر وعاوده «2» ، حتى يأنس بك وتلين لك ناحيته، فإذا ظهر لك ما قبله فعجّل إلىّ؛ فشخص عقبة حتى قدم على عبد الله بن حسن، فلقيه بالكتاب فأنكره ونهره، وقال: ما أعرف هؤلاء القوم، فلم يزل يتردد إليه حتى قبل كتابه وألطافه وأنس به، فسأله عقبه الجواب فقال: أمّا الكتاب فإنّى لا أكتب إلى أحد، ولكن أنت كتابى إليهم، فأقرهم السلام وأعلمهم أنّ ابنىّ خارجان لوقت كذا وكذا، فرجع عقبة إلى المنصور وأعلمه الخبر، فأنشأ المنصور الحجّ، وقال لعقبة: إذا لقينى بنو حسن فيهم عبد الله بن حسن، فأنا مكرمه ورافع مجلسه وداع بالغذاء، فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائما، فإنه سيصرف بصره عنك، فاستدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك، حتى يملأ عينه منك ثم حسبك، وإياك أن يراك ما دام يأكل؛ وخرج

ص: 11

المنصور إلى الحج، فلما لقيه بنو حسن أجلس عبد الله إلى جانبه، ثم دعا بالغداء فأصابوا منه ثم رفع، فأقبل المنصور على عبد الله بن حسن فقال له: قد علمت ما أعطيتنى من العهود والمواثيق ألا تبغينى سوءا.

ولا تكيد لى سلطانا، قال: فأنا على ذلك يا أمير المؤمنين، فلحظ.

المنصور عقبة بن سلم، فاستدار حتى وقف بين يدى عبد الله، فأعرض عنه، فاستدار حتى قام وراء ظهره فغمزه بأصبعه، فرفع رأسه فملا عينه منه، فوثب حتى قعد بين يدى المنصور، وقال: أقلنى يا أمير المؤمنين أقالك الله، قال: لا أقالنى الله إن أقلتك، ثم أمر بحبسه.

وكان محمد قد قدم قبل ذلك البصرة فنزلها في بنى راسب، يدعو إلى نفسه، وقيل نزل على عبد الله بن شيبان- أحد بنى مرّة بن عبيد، ثم خرج منها، فبلغ المنصور مقدمه البصرة، فسار إليها مجدا «1» .

فلقيه عمرو بن عبيد «2» ، فقال له: يا أبا عثمان، هل بالبصرة أحد نخافه على أمرنا، قال: لا، قال: فأقتصر على قولك وأنصرف؟

قال: نعم، وكان محمد قد سار عنها قبل مقدم المنصور، فرجع المنصور واشتد الخوف على محمد وإبراهيم ابنى عبد الله، فخرجا حتى أتيا عدن، ثم صارا إلى السند ثم إلى الكوفة ثم إلى المدينة.

وكان المنصور حجّ سنة أربعين ومائة، فقسم أموالا عظيمة في آل أبى طالب، فلم يظهر محمد وإبراهيم، فسأل أباهما عبد الله عنهما فقال: لا علم لى بهما، فتغالظا فأمصّه المنصور، فقال امصص كذا وكذا

ص: 12

من أمك!! فقال عبد الله: يا أبا جعفر بأى أمهاتى نمصّنى!! أبفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أم بفاطمة بنت الحسين بن على؟! أم بأم إسحاق بنت طلحة؟! أم بخديجة بنت خويلد؟! قال لا بواحدة منهن، ولكن بالجرباء بنت قسامة بن زهير، وهى امرأة من طيىء «1» ، فقال المسيّب بن زهير «2» : يا أمير المؤمنين دعنى أضرب عنق ابن الفاعلة، فقام زياد بن عبيد الله فألقى عليه رداءه، وقال: هبه لى يا أمير المؤمنين، فأنا أستخرج لك ابنيه، فخلّصه.

وكان محمد وإبراهيم ابنا عبد الله قد تغيّبا حين حجّ المنصور سنة أربعين ومائة عن المدينة، وحجّا أيضا، فاجتمعوا كلهم بمكة وأرادوا اغتيال المنصور، فقال لهم الأشتر عبد الله بن محمد: أنا أكفيكموه، فقال محمد: لا والله لا أقتله عيلة أبدأ حتى أدعوه، فنقض «3» ما كانوا أجمعوا عليه، وكان قد دخل معهم قائد من قواد المنصور من أهل خراسان- اسمه خالد بن حسّان يدعى أبا العساكر- على ألف رجل، فنمى الخبر إلى المنصور فطلب القائد فلم يظفر به، وظفر بأصحابه فقتلهم، وأما القائد فإنه لحق بمحمد بن عبد الله فسيّره إلى خراسان، ومعه ابنه عبد الله بن محمد، ثم إن المنصور حث زياد بن عبيد الله على طلب محمد وإبراهيم، فضمن له ذلك ووعده به، فقدم محمد بن عبد الله المدينة قدمة، فبلغ ذلك زيادا فتلطّف له وأعطاه الأمان، على أن يظهر وجهه للناس، فوعده محمد ذلك، فركب

ص: 13

زياد مغلسا ووعد محمدا سوق الظهر، وركب محمد فتصايح الناس: يا أهل المدينة، المهدىّ المهدىّ، فوقف هو وزياد فقال زياد: يا أيها الناس هذا محمد بن عبد الله بن حسن، ثم قال: إلحق بأى بلاد الله شئت، فتوارى محمد؛ وسمع المنصور الخبر فأرسل أبا الأزهر في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين ومائة إلى المدينة، وأمره: أن يستعمل على المدينة عبد العزيز بن المطّلب، وأن يقبض زيادا وأصحابه ويسير بهم إليه، فقدم أبو الأزهر المدينة ففعل ما أمره، وأخذ زيادا وأصحابه وسار بهم نحو المنصور، وخلّف زياد ببيت مال المدينة ثمانين ألف دينار، فسجنهم المنصور ثم منّ عليهم بعد ذلك.

واستعمل المنصور على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسرى، وأمره بطلب محمد بن عبد الله وبسط يده بالنفقة في طلبه، فقدم المدينة في شهر رجب سنة إحدى وأربعين ومائة، فأخذ المال، ورفع فى محاسبته أموالا كثيرة أنفقها في طلب محمد، فاستبطاه المنصور وأتهمه، فكتب إليه يأمره بكشف المدينة وأعراضها، فطاف ببيوت الناس فلم يجد محمدا، فلما رأى المنصور ما قد أخرج من الأموال ولم يظفر بمحمد استشار أبا السّعلاء «1» - رجلا من قيس عيلان- فى أمر محمد وأخيه، فقال: أرى أن تستعمل رجلا من ولد الزبير أو طلحة فإنهم يطلبونهما بذحل «2» ، ويخرجونهما إليك، فقال: قاتلك الله، ما

ص: 14

أجود ما رأيت!! والله ما خفى علىّ هذا، ولكنّى أعاهد الله ألّا أنتقم من بنى عمى وأهل بيتى بعدوّى وعدوّهم، ولكنّى أبعث عليهم صعيليكا من العرب يفعل بهم ما قلت، فاستشار يزيد بن أسيد «1» السّلمى، وقال له: دلّنى على فتى مقلّ من قيس أغنيه وأشرّفه، وأمكنه من سيد اليمن- يعنى ابن القسرى- «2» ، قال: نعم، رياح بن عثمان بن حيّان المرىّ، فسيّره المنصور أميرا على المدينة في شهر رمضان سنة أربع وأربعين ومائة؛ وقيل إنّ رياحا ضمن للمنصور أن يخرج محمدا وإبراهيم ابنى عبد الله، إن استعمله على المدينة، فاستعمله عليها، فسار حتى دخلها، فلما دخل دار مروان، وهى التى كان ينزلها الأمراء قال لحاجب كان له، يقال له أبو البخترى، هذه دار مروان؟

قال: نعم، قال أما إنّها محلال «3» مظعان، ونحن أول من يظعن منها، فلما تفرّق الناس عنه قال لحاجبه أبى البخترى: خذ بيدى فدخل على هذا الشيخ- يعنى عبد الله بن الحسن- فدخلا عليه، فقال له رياح: أيها الشيخ، إن أمير المؤمنين- والله- ما استعملنى لرحم قريبة، ولا ليد سلفت إليه منّى، والله لا لعبت بى كما لعبت بزياد وابن القسرى، والله لأزهقنّ نفسك أو لتأتينّى بابنيك محمد وإبراهيم، فرفع عبد الله رأسه إليه وقال نعم، أما والله إنّك لأزيرق قيس المذبوح فيها كما تذبح الشاة، قال، أبو البخترى:

ص: 15

فانصرف- والله- رياح آخذا بيدى أجد برديده، وإنّ رجليه لتخطّان الأرض ممّا كلمه، قال:«1» فقلت له: إن هذا ما اطلع على الغيب، قال: إيها ويلك، فو الله ما قال إلا ما سمع، فذبح كما نذبح الشاة، ثم إنه دعا القسرى وسأله عن الأموال، فضربه وسجنه، وجدّ رياح في طلب محمد، فأخبر أنّه في شعب من شعاب رضوى، جبل جهينة، وهو في عمل ينبع، فأمر عامله بطلب محمد.

فطلبه بالخيل والرجل، ففزع منه محمد فهرب راجلا فأفلت، وله ابن صغير ولد في خوفه ذلك، وهو مع جارية له. فسقط من الجبل فتقطع، فقال محمد:

منخرق السربال «2» يشكو الوجى

تنكبه أطراف مرو حداد

شرّده الخوف فأزرى به

كذاك من يكره حرّ الجلاد

قد كان في الموت له راحة

والموت حتم في رقاب العباد

قال «3» : وبينا رياح يسير بالحرّة إذ لقى محمدا، فعدل محمد إلى بئر هناك فجعل يستقى، فقال رياح: قاتله الله أعرابيا ما أحسن ذراعه «4» .

ص: 16