الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد
كان ظهور هذه الدولة في سنة خمسين ومائتين في خلافة المستعين بالله، وأول من ظهر منهم الداعى إلى الحق: الحسن بن زيد بن محمد ابن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب «1» رضى الله عنهما، وكان سبب ظهوره أنّ محمد بن عبد الله بن طاهر لما ظفر بيحيى بن عمر أقطعه المستعين بالله من صوافى السلطان بطبرستان، قطائع منها قطيعة بقرب ثغر الديلم، وهى كلار وسالوس؛ وكان بجوارها أرض يحتطب منها أهل تلك الناحية، وترعى فيها مواشيهم ليس لأحد عليها ملك، إنما هى موتان، وهى ذات عيون وأشجار وكلأ، فوجّه محمد بن عبد الله نائبه لحيازة ما أقطع، وهو جابر بن هارون النصرانى، وكان عامل طبرستان يومئذ سليمان بن عبد الله بن طاهر، خليفة عن محمد بن طاهر، وكان الغالب على أمر سليمان، محمد بن أوس البلخى، وقد فرّق محمد بن أوس هذا أولاده فى مدن طبرستان، وهم أحداث سفهاء فتأذى بهم الرعيّة، وشكوا سوء سيرتهم وسيرة أبيهم وسيرة سليمان، ثم دخل محمد بن أوس بلاد الديلم، وهم مسالمون لأهل طبرستان، فسبى منهم وقتل، وساء ذلك أهل طبرستان، ولما قدم جابر بن هارون لحيازة ما أقطع لمحمد
ابن عبد الله عدا على تلك الأرض المباحة، فحازها إلى كلاروسالوس، وكان في تلك الناحية أخوان لهما بأس ونجدة، مذكوران ببذل الطعام وشدة الطعان، يقال لأحدهما محمد والآخر جعفر ابنا رستم، فأنكرا ما فعل جابر من حيازة الموات، وكانا مطاعين «1» فى تلك الناحية، فاستنهضا من أطاعهما لمنع جابر من حيازة ذلك الموات، فخافهما جابر وهرب منهما ولحق بسليمان بن عبد الله، وخاف محمد وجعفر ومن معهما من عامل طبرستان، فراسلوا من جاورهم من الديلم يذكرونهم العهد الذى بينهم ويعتذرون ممّا فعله محمد بن أوس بهم من السبى والقتل، واتفقوا على المعاونة على حرب سليمان بن عبد الله وغيره، ثم أرسل ابنا رستم إلى رجل من الطالبيين- اسمه محمد بن إبراهيم- كان بطبرستان، يدعونه إلى البيعة له فامتنع من ذلك، وقال: ولكنّى أدلّكم على رجل منّا، هو أقوم بهذا الأمر منى، فدلّهم على الحسن بن زيد وهو إذ ذاك بالرىّ، فوجّهوا إليه برسالة محمد بن إبراهيم يدعونه إلى طبرستان، فشخص إليها وقد اجتمعت كلمة الديلم وأهل كلاروسالوس على بيعته، فبايعوه وطردوا عمّال ابن أوس عنهم، فلحقوا بسليمان.
وانضم إلى الحسن بن زيد أيضا أهل جبال طبرستان، فتقدم الحسن ومن معه نحو مدينة آمل طبرستان. وهى أقرب المدن إليهم.
وأقبل ابن أوس من سارية لدفعهم عنها. والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا.
فتوجه الحسن بن زيد في جماعة إلى آمل فدخلها، فلما سمع ابن أوس
الخبر- وهو مشغول بحرب أصحاب الحسن- لم تكن له همّة إلا النجاة بنفسه، فهرب ولحق بسليمان إلى سارية، واستولى الحسن على آمل، وكثر جمعه وأتاه كل طالب نهب وفتنة. فأقام بآمل أياما ثم سار نحو سارية لحرب سليمان بن عبد الله، فالتقوا خارج مدينة سارية، ونشبت الحرب بينهم، فسار بعض قوّاد الحسن نحو سارية فدخلها، فلما سمع سليمان الخبر انهزم هو ومن معه، وترك أهله وعياله وأثقاله بها، واستولى الحسن وأصحابه على جميع ذلك، وسيّر إليه أولاده وأهله في مركب إلى جرجان، وقيل إنّ سليمان إنّما انهزم اختيارا، لأن الطاهريّة كلها كانت تتشبع، فلما أقبل الحسن نحو طبرستان تأثم «1» سليمان من قتاله لشدة تشيعه، وقال:
نبّئت خيل ابن زيد أقبلت حينا
…
تريدنا لتحسّينا الأمرّينا
يا قوم إن كانت الأنباء صادقة
…
فالويل لى ولجمع الطاهريّينا
أما أنا فإذا اصطفت كتائبهم
…
أكون من بينهم رأس الموّلينا
والعذر عند رسول الله منبسط
…
إذا احتسبت دماء الفاطمّييينا
فلما التقوا انهزم سليمان، قال «2» : ولما اجتمعت طبرستان للحسن بن زيد وجّه إلى الرىّ جندا مع رجل من أهله، يقال له الحسن بن زيد أيضا، فملكها وطرد عامل الطاهرية عنها، واستخلف بها رجلا من العلويين يقال له محمد بن جعفر، وانصرف عنها.
قال: وورد خبر الحسن على المستعين بالله، ومدبّر أمره يومئذ