الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: ثم كانت بين الحسنيين والحسينيين حروب على الإمارة بطبرستان والديلم، إلى أن استقرت الإمارة في بنى الحسين، وأول من قام منهم: الحسن بن على الأطروش.
ذكر أخبار الناصر للحق
هو الحسن بن على بن الحسن بن على بن عمر بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب «1» رضى الله عنه ويعرف بالأطروش، كان استيلاؤه على طبرستان في سنة إحدى وثلاثمائة، وذلك أنه لما قتل محمد ابن زيد استعمل إسماعيل بن أحمد السامانى محمد بن هارون على طبرستان، وأمره بقتل من وجد من العلويّة فهربوا في البلاد، وكان الحسن بن علىّ هذا شيخا من شيوخ الزيدية، شديد الصحبة لمحمد ابن زيد، وكان قد دخل خراسان سرا ليدعو الناس إليه، فجرت عليه مكاره وحبس، ثم هرب من السجن وعاد إلى محمد بن زيد،
وشهد معه الحرب الذى قتل فيها؛ وكان سبب صممه أنّه ضرب في حرب مع محمد بن زيد بسيف على رأسه فطرش.
فلما وقع عليه الطلب وعلى أمثاله هرب، ودخل إلى بلاد الديلم، وأقام عند ملكهم جستان بن وهسوزان بن المرزبان «1» فأكرمه، وأنزله فأخذ في دعاء الديلم إلى الإسلام، فأسلم جمهورهم، وجعل يتنقّل على قراهم ويدعو، ثم دخل إلى بلاد الجيل، ودعاهم فأسلم «2» أكثرهم، ووقعت دعوته على حدّ النهر باسباذروذ «3» ، فاجتمع أهل دعونه عليه، وعاد من بلاد الجيل فيمن جمع، فلما دخل بلاد الديلم وجد جستان على خلاف ما فارقه عليه، لأنّه فارقه على أنّه معلم، يدعو الناس لا طالب مملكة، فمنعه جستان من الأعشار والصدقات، فوقع بينهما حرب كانت الهزيمة فيها على جستان، ثم ألجأه الأمر إلى مسالمة الناصر والدخول في طاعته.
وأقام الناصر في هرسم «4» قاعدة مملكة الديلم، واتفق أنّ محمد
ابن هارون السرخسى- نائب إسماعيل بن أحمد على طبرستان- تخوّف منه، فهرب واستأمن إلى الحسن، وتسلّم طبرستان وجرجان محمد ابن «1» على المعروف بصعلوك السامانى وكان في عسكر كثيف، واتصل السرخسى بالناصر في عسكر قوى فاستظهر به، واجتمعا على لقاء صعلوك، فاحتال عليهما صعلوك، حتى افترقا بحيلة غريبة، فلما افترقا مضى السرخسى إلى نواحى الرىّ، ورجع الناصر إلى بلاد الديلم، ولم يتمّ له أمر، ثم أنفذ كرّة ثانية جيشا مع كالى والحسن بن الفيرزان، فهزمهما صعلوك وقتلا في الوقعة، ثم خرج الناصر بنفسه إلى سالوس، وسار إليه صعلوك ومعه اصفهبد شهريار «2» من الخراسانية، فالتقوا وكان مع الناصر كما ذكر المكثّر عشرة آلاف رجل من الديلم والجيل، وأكثرهم رجّالة ليس معهم من الخيل والأسلحة إلا القليل، وعدّة الخراسانية نيّف وثلاثون ألف رجل على غاية القوّة والمنعة، فهزمهم الناصر وقتل منهم مقتلة عظيمة، وألجأهم إلى بحر طبرستان، فكان من غرق أمثال من قتل، قال الصابى في الكتاب التاجى: يقال إنّ المفقودين كانوا نيّفا على عشرين ألفا، وقال حمزة بن الحسن الأصفهانى: كانوا سبعة آلاف «3» رجل، وكانت الوقعة في سنة ثلاثمائة، ودخل الناصر مدينة آمل في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثمائة.
ولما دخل طبرستان وملكها فوّض أمر الجيش إلى الحسن بن القاسم العلوى، فاستبدّ بالأمر واصطنع الرجال ووسّع عليهم في العطاء، وقبض على الناصر وحبسه، فاستكبر الديلم هذا الفعل، وحضروا إلى القاسم العلوى وطالبوه بإخراجه إليهم، ووثب إليه ليلى بن النعمان وأخوه- وهما من أكبر القوّاد- وقالا له: إن أفرجت عنه الساعة وإلا قتلناك، فأخرجه لهم وهرب إلى بلاد الجيل، فأطاعوه فتلقّب بالداعى، فتكلّم الناس عند الناصر في أن يردّه ويولّيه جيشه وعهده، وكان الناصر قد ولّى ليلى بن النعمان الجيش، فأجاب وعاد الحسن بن القاسم فوفّى له الناصر بذلك، وزوّجه بإبنة ولده على بن الناصر «1» ، واستمرت الحال على ذلك إلى أن توفى الناصر، وكانت وفاته في شعبان سنة أربع وثلاثمائة، وله من العمر تسع وسبعون سنة، وكانت مدة مملكته المستقيمة الدائمة إلى حين وفاته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأياما.
وكان الحسن الناصر شاعرا ظريفا كثير المجون حسن النادرة وهو الذى حرّر مذهب الزيدية وألّف فيه، وكان يقول: بزر القز ليس بمال، والديلم ليسوا بعسكر، أما البزر فلأنّه إذا أقبل الربيع صار بعوضا، وأما الديلم فلسرعة تنقّلهم من عسكر إلى عسكر. وكان يقول لأصحابه: من قتل منكم مقبلا فهو مؤمن، ومن قتل منكم مدبرا فهو كافر، فإذا أتى بجريح جرح مقبلا نثر عليه الكافور المسحوق، فيجد
راحة ويسكن ألمه، وإذا أتى بجريح جرح مدبرا نثر عليه ملحا فيشتد أمره، فيقول: قد بان لكم أن المؤمن ينتفع بالدواء لإيمانه، والكافر لا ينتفع به لكفره.
وكان له من الأولاد أبو الحسن على، وأبو القاسم جعفر، وأبو الحسين أحمد. ولما مات الحسن الناصر قام بالأمر بعده.
الحسن بن القاسم «1» الداعى العلوى
وهو ولى العهد، ولبس القلنسوة، وكان أوّل ما بدأ به أن بعث أبا القاسم جعفر وأبا الحسين أحمد- ولدى الناصر- إلى جرجان لانتزاعها من أيدى الخراسانية، فلقيهما دونهما دونها إلياس بن محمد ابن اليسع الصفدى- والى جيش خراسان- بموضع يقال له سيما له «2» فلما اصطّف الجيشان برزبين الصفّين ودعا إلى المبارزة، فبرز إليه من جيش ولدى الناصر بويه بن فناخسره- جد عضد الدولة- فقتله وانفض جيش الخراسانية، فبعث إليهما بعد ذلك الأمير نصر بن أحمد السامانى جيشا عليه سيمجور الدواتى، فلقياه بحلالين «3» من سواد جرجان فهزماه،
فوقف غير بعيد وتجمّعت الخراسانية كعادتهم في ذلك، فكرّ راجعا إليهم فهزمهم أقبح هزيمة، وقتل الديلم أفظع قتل، وانهزموا وسلكوا مضايق ليأمنوا جولان الخيل، فوصلوا جرجان فتجمّع الديلم بها، وأخلوها قاصدين طبرستان وقد اتفق رأيهم على خلع الداعى، فخلعوه في الطريق وبايعوا أبا القاسم جعفر بن الناصر، وألبسوه القلنسوة، وقيل إن المبايع أبو الحسين أحمد، وبالجملة فالأمير على الجيش أبو الحسين؛ ولما وصلا في جيوشهما إلى آمل لقيهما الداعى دونها، وخرج هاربا إلى بلاد الجيل، وملكا طبرستان مديدة، ثم كرّ راجعا- وقد احتشد- فلقياه فهزمهما، فمضيا إلى بلاد الجيل واحتشدا، وعادا فحاربهما الداعى حربا شديدا ثم انهزم واستوليا على عسكره، وهرب وحيدا متنكرا يريد بلاد الجيل، واخترق بلاده الديلم فأسره بعضهم ثم منّ عليه وأطلقه، فانتهى إلى بلاد الجيل وأقام عندهم.
واتفقت وفاة أبي الحسين فجأة، وتلاه أخوه أبو القاسم بعده، فبقى أمر الديلم بطبرستان بغير مدبّر، فعقدوا الإمرة عليهم لليلى»
ابن النعمان، فقام بأمرهم وهو يدعو للداعى إلى أن قتل بنيسابور «2» ، قتله حمّويه بن على صاحب جيش نصر بن أحمد السامانى، فعقدوا بعده لعلى بن خورشيد فعاجلته المنيّة، فعزموا على الحسن بن كالى، فأشار عليهم بأخيه ماكان بن كالى، وهو أشجع أهل الديلم بالانفاق، فلما ولى عليهم اجتمع هو وأخوه على نصب أبى علىّ محمد بن أبى الحسين
ابن الناصر، فنصبوه فجرى على يده قتل الحسن بن كالى بسارية، وكان ما كان بآمل، ثم سقط بعد ذلك أبو على في الميدان فهلك، ولمّا اتصل بما كان ما جرى على أخيه كاتب الداعى يستدعيه، فوافى في عسكر قوى واجتمع معه وملك طبرستان، ثم سار ومعه ما كان إلى جرجان فملكها، وأقام الداعى بجرجان، وكانت في نفسه حفائظ على الديلم لنصرتهم عليه أولاد الناصر، فعمل دعوة لهم جعل يستدعيهم واحدا واحدا فيقتله، ففطنوا لذلك وهربوا إلى خراسان، ودخلوا في طاعة نصر بن أحمد السامانى، وسوّدوا أعلامهم وقدّموا على أنفسهم أسفار بن شيرويه الجيلى «1» ، وبعث معهم نصر بن أحمد جيشا كثيفا، وساروا فدخلوا جرجان، وسار الداعى منها إلى طبرستان ثم إلى الرىّ، واجتمع فيها بما كان وأمره أن يمضى إلى طبرستان لدفع أسفار عنها، فعلم أنّه لا طاقة له بذلك، فقال له: الرأى أن تمضى أنت فإنك الإمام، ولو قد رأتك الديلم لانفضّوا إليك، فاضطر الداعى إلى ذلك، وسار ووقعت الحرب بينه وبين الخراسانية، فانهزم جيشه وكان مرداويج بن زيار الجيلى يراصده، فأمكنته فرصة منه فرماه فأشواه، وولّى منهزما ودخل آمل واستتر بها، فتتبّع الديلم أثر دمه، وأظهره لهم أهل البلد، فبادروا إلى الدار التى دلوهم عليها وهجموها، فلما رآهم بادر إلى الصلاة فقتلوه، وكان مقتله يوم الثلاثاء لست بقين من شهر رمضان سنة ست عشرة وثلاثمائة في أيام