الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدرة، وهو يحملها إلى الخزانة ولا يجعل له ذنبا لم يعلمه، فقال له عمرو: ما أعقلك من رجل؟ احملها فحملها، ولا شىء أقبح من هذا الفعل، ومع ذلك فقد حكى القاضى «1» عياض بن موسى في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الإمام أبى القاسم القشيرى أنّ عمرا رؤى في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال:
غفر لى، فقيل: بماذا؟ قال: صعدت ذروة جبل يوما فأشرفت على جنودي، فأعجبتنى كثرتهم فتمنّيت أنّى حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعنته ونصرته، فشكر الله لى ذلك وغفر لى.
وانقرضت هذه الدولة بأسر عمرو، وكانت مدتها خمسا وثلاثين ستة، أيام يعقوب ثلاث عشرة سنة وأيام عمرو اثنتين وعشرين سنة.
ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى
وهذه النسبة إلى خجستان وهى من جبال هراة من أعمال باذغيس وكان أحمد بن عبد الله هذا من أصحاب محمد بن طاهر، فلما استولى يعقوب بن الليث على نيسابور ضمّ أحمد هذا إلى أخيه على بن الليث وكان بنو شركب ثلاثة إخوة: إبراهيم وأبو حفص يعمر وأبو طلحة منصور بنو مسلم، وإبراهيم أسنّهم، وكان قد أبلى بين يدى يعقوب
عند مواقعته للحسن بن زيد العلوى بجرجان بلاء حسنا، فقدّمه يعقوب فدخل عليه يوما بنيسابور وكان اليوم شديد البرد، فخلع عليه يعقوب وبرسمّور كان على كتفه، فحسده أحمد الخجستانى وجاء إليه وقال: إن يعقوب يريد الغدر بك، لأنه لا يخلع على أحد من خاص ملبوسه إلا غدر به فقال إبراهيم: فكيف الخلاص؟
فقال: الحيلة أن نهرب جميعا إلى أخيك يعمر، وكان يحاصر بلخ ومعه خمسة آلاف رجل، فاتّفقا على ذلك وتواعدا للخروج في تلك الليلة، فسبقه إبراهيم إلى الموعد وانتظره ساعة فلم يره، فسار نحو سرخس وذهب الخجستانى إلى يعقوب فأعلمه، فأرسل في أثر إبراهيم فأدركوه بسرخس فقتلوه، ومال يعقوب إلى أحمد، فلما أراد يعقوب العود إلى سجستان استخلف على نيسابور عزيز بن السرىّ وولّى أخاه عمرو بن الليث هراة، فاستخلف عمرو وعليها طاهر بن حفص الباذغيسى، وسار يعقوب إلى سجستان في سنة إحدى وستين ومائتين، وأحبّ الخجستانى التخلّف لما كان يحدّث به نفسه، فقال لعلى بن الليث: إن أخويك قد اقتسما خراسان، وليس لك بها ما يقوم بشغلك، وأحبّ أن تردّنى إليها لأقوم بأمورك، فاستأذن أخاه يعقوب فى ذلك فأذن له، فلمّا حضر أحمد لوداع يعقوب أحسن إليه وخلع عليه، فلما ولّى عنه قال: أشهد أن قفاه قفا غادر مستعص، وهذا آخر عهدنا بطاعته، فلما فارقهم جمع نحو مائة رجل فورد بهم بست نيسابور، فحارب عاملها وأخرجه عنها وجباها ثم خرج إلى قومس.
فغلب على بسطام وقتل بها مقتلة عظيمة وذلك في سنة إحدى وستين وسار إلى نيسابور وبها عزيز بن السرى فهرب منها، وأخذ أحمد
أثقاله واستولى على نيسابور، ودعا للطاهريّة وذلك في أول سنة اثنتين وستين.
وكتب إلى رافع بن هرثمة يستقدمه فقدم عليه، فجعله قائد جيشه، وكتب إلى يعمر ابن شركب- وهو يحاصر بلخ- يستقدمه ليتّفقا على تلك البلاد، فلم يثق إليه لما تقدّم له مع أخيه إبراهيم، وسار يعمر إلى هراة فحاربه طاهر بن حفص فقتله واستولى على أعماله فسار إليه أحمد وكان بينهما مناوشات، وكان أبو طلحة منصور ابن شركب غلاما من أحسن الغلمان، وكان عبد الله بن لال «1» يميل إليه وهو أحد قوّاد يعمر، فراسل ابن لال، الخجستانىّ أن يعمل ضيافة ليعمر وأصحابه ويدعوهم إليه وأن يكبسهم أحمد وأنّه يساعده، واشترط عليه أنّه إذا ظفر يسلّم إليه أبا طلحة، فأجابه أحمد إلى ذلك وتواعدا على يوم، وعمل ابن لال ضيافة وحضرها يعمر، فكبسهم أحمد وقبض على يعمر وسيّره إلى نيسابور فقتله، واجتمع لأبى طلحة جماعة من أصحاب أخيه فقتلوا ابن لال، وساروا إلى نيسابور وبها الحسين بن طاهر أخو محمد، وقد وردها من أصفهان طمعا أن أحمد يخطب لهم، كما كان يظهر من نفسه فلم يفعل، فخطب ابن طاهر بها لأبى طلحة وأقام معه، فسار الخجستانى من هراة في اثنى عشر ألف عنان، فأقام على ثلاث مراحل من نيسابور، ووجّه أخاه العبّاس إليها فخرج إليه أبو طلحة وقاتلة، فقتل العبّاس وانهزم أصحابه فعاد أحمد إلى هراة.
ثم كاتبه أهل نيسابور في الحضور إليهم، فسار إليهم وقدم البلد ليلا، ففتحوا له الباب ودخلها، وسار عنها أبو طلحة إلى الحسن ابن زيد، فأمدّه بالجنود فعاد إلى نيسابور فلم يظفر بشىء، فتوجّه إلى بلخ وذلك في سنة خمس وستين، ثم سار الخجستانى لمحاربة الحسن بن زيد لمساعدته لأبى طلحة، فاستعان الحسن بأهل جرجان فأعانوه، فهزمهم الخجستانى وجبى منهم أربعة آلاف ألف درهم وذلك فى شهر رمضان من السنة. وتوفى يعقوب بن الليث في هذه السنة وولى مكانه أخوه عمرو، فوافى الخجستانى نيسابور واقتتلا فهزمه الخجستانى، فرجع إلى هراة وأقام أحمد بنيسابور، ثم سار إلى هراة فى سنة سبع وستين فحصر عمرا ولم يظفر بشىء، ثم كان له حروب مع أبى العبّاس النوفلى وغيره، فظفر بالنوفلى وكان قد جاء لحربه من قبل محمد بن طاهر في خمسة آلاف رجل وقتله، ثم سار إلى أبيورد وجبى خراج مرو، ولم يزل كذلك إلى سنة ثمان وستين ومائتين.
فقتله غلامه زامجور «1» غيلة وكان قد سكر ونام ثم قتل الغلام.
واجتمع أصحاب أحمد الخجستانى وانضمّوا إلى رافع بن هرثمة.
وكان أحمد هذا كريما جوادا شجاعا حسن العشرة كثير البرّ لإخوانه الذين صحبوه قبل إمارته، ولم يتغيّر عليهم ما كان يعاملهم به من التواضع والأدب.