الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية
قال: ولما علم الموفّق أن أصحابه قد تمرّنوا على سلوك تلك الأرض وعرفوها صمّم على العبور إلى محاربة صاحب الزنج من الجانب الشرقى من نهر أبى الخصيب، فجلس مجلسا عاما وأحضر قوّاد المستأمنة وفرسانهم فوقفوا بحيث يسمعون كلامه، ثم عرّفهم ما كانوا عليه من الضلالة والجهل وانتهاك المحارم ومعصية الله عز وجل، وأنّ ذلك قد أحلّ لهم دماءهم، وأنّه غفر لهم زلّتهم وأمّنهم ووصلهم، وأن ذلك يوجب عليهم حقّه وطاعته، وأنّهم لن يرضوا ربّهم وسلطانهم بأكثر من الجدّ في محاربة الخبيث، وأنّهم يخبرون مسالك ذلك العسكر ومضايق مدينته وأولى أن يجتهدوا في الولوج عليه والتوغّل في حصونه حتى يمكنهم الله منه، فإذا فعلوا ذلك فلهم الإحسان والمزيد، ومن قصّر منهم فقد أسقط منزلته، فارتفعت أصواتهم بالدعاء والاعتراف بإحسانه، وبما هم عليه من المناصحة والطاعة وأنهم يبذلون دماءهم في كل ما يقرّبهم منه، وسألوه أن يفردهم بناحية ليظهر من نكايتهم في العدو ما يعرف به إخلاصهم وطاعتهم، فأجابهم إلى ذلك وأثنى عليهم، وكتب في جمع السفن والمعابر من دجلة والبطيحة ونواحيها ليضيفها إلى عسكره، إذ كان ما عنده يقصر عن الجيش لكثرته، وأحصى ما في الشذا والسميريّات وأنواع السفن، فكانوا زهاء عشرة آلاف ملّاح ممّن يجرى عليه الرزق من بيت المال مشاهرة، سوى سفن أهل العسكر التى تحمل فيها الميرة ويركبها الناس في حوائجهم، وسوى ما لكل قائد من السميريات والحربيّات والزواريق، فلما تكاملت السفن تقدّم إلى ابنه أبى العباس
وقوّاده بقصد المدينة الشرقية من جهاتها، فسيّر ابنه إلى ناحية دار المهلبىّ أسفل العسكر، وكان قد شحنها بالرجال والمقاتلة، وأمر جميع أصحابه بقصد دار صاحب الزنج وإحراقها، فإن عجزوا عنها اجتمعوا على دار المهلبىّ، وسارهو في الشذا وهى مائة وخمسون قطعة فيها أنجاد غلمانه، وانتخب من الفرسان والرجّالة عشرة آلاف وأمرهم أن يسيروا على جانبى النهر إذا سار، وأن يقفوا معه إذا وقف، وبكّر يوم الثلاثاء لثمان خلون من ذى القعدة سنة تسع وستين ومائتين، وكانوا قد تقدّموا إليهم يوم الاثنين وواقعوهم، وتقدّمت كلّ طائفة إلى الجهة التى أمرهم بها، فلقيهم الزنج واشتدت الحرب وكثر القتل والجراح في الفريقين، ثم نصر الله عز وجل أصحاب الموفّق بانهزام الزنج، وقتل منهم خلق كثير وأسر من أنجادهم وشجعانهم خلق كثير فأمر الموفّق بضرب أعناق الأسرى في المعركة، وقصد بجمعه الدار التى يسكنها صاحب الزنج، وكان قد لجأ إليها وجمع أبطال أصحابه للمدافعه عنها فلم يغنوا شيئا فانهزموا عنها وأسلموها. ودخلها أصحاب الموفّق، وفيها بقايا ما كان سلم من مال صاحب الزنج وولده وأثاثه فنهب ذلك أجمع وأخذوا حرمه وأولاده وكانوا عشرين «1» ما بين صبى وصبيّة، وهرب صاحب الزنج نحو دار المهلبى لا يلوى على أهل ولا مال، وأحرقت داره وأتى الموفّق بأهل صاحب الزنج وولده فسيّرهم إلى بغداد، وكان أصحاب أبى العبّاس قد قصدوا دار المهلبىّ، وقد لجأ إليها خلق كثير من المنهزمين فغلبوهم عليها واشتغلوا بنهبها وأخذوا ما فيها من حرم المسلمين وأولادهم