المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ذكر صفة الدعوة الأولى] - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

بجهده، ليكون له الفضل في رتبته، وكانت المرأة تجمع إليه كسبها من مغزلها، والصبى أجر نطارته الطير، فلم يملك أحد منهم إلا سيفه وسلاحه، فلما استقام له ذلك كلّه وصبوا إليه وعملوا به، أمر الدعاة أن يجمعوا النساء ليلة معروفة ويختلطن بالرجال، وقال: إنّ ذلك من صحة الودّ والألفة بينهم فربما بذل الرجل لأخيه امرأته متى أحبّ فلما تمكّن من أمورهم ووثق بطاعتهم وتبيّن مقدار عقولهم أخذ في تدريجهم إلى الضلالة، وأتاهم بحجج من مذهب الثنويّة فسلكوا معه في ذلك، حتى خلعهم من الشريعة ونقض عليهم ما كان يأمرهم به في مبدأ أمرهم من الخشوع والورع والتقى، وأباح لهم الأموال والفروج والغنى عن الصوم والصلاة والفرائض، وأنّ ذلك كلّه موضوع عنهم وأن أموال المخالفين ودماءهم حلال لهم، وأنّ معرفة صاحب الحق الذى يدعو إليه يغنى عن كل شىء، ولا يخاف معه إثم ولا عذاب.

‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

[ذكر صفة الدعوة الأولى]

قال الشريف أبو الحسين محمد بن على: أول الدعوة بعد عمل الداعى بالرزق وقوة إجابة المدعو من سائر الأمم أن يسلك به في السؤال عن المشكلات، مسلك الملحدين والشكاك، ويكثر السؤال عن تأويل الآيات ومعانى الأمور الشرعيات، وشىء من الطبائع ووجوه القول في الأمور التى تكثر فيها الشّبه، ولا يصل إليها إلا العالم المبرّز ومن

ص: 195

جرى مجراه، فإن اتّفق له مجيب عارف ممارس جدل سلّم إليه الدّاعى وعظّمه وكرّمه وحشمه وصوّب قوله، وداخله بما يحب من علم شريعته التى يومى إليها، وكل ذلك ليقطع كلامه لئلا يتبيّن ما هو عليه من الحيلة والمكر، وما يدخل به على الناس من أمر الدعوة، وإن اتّفق مغرور مغفّل غليظ الحواسّ ألقى إليه ما يشغل به قلبه، مثل قوله: إنّ الدين لمكتوم وإنّ الأكثر له لمنكرون وبه جاهلون، ولو علمت هذه الأمّة ما خصّ الله به الأئمة من العلم لم تختلف، ويوهم من سمع كلامه أنّ عنده علوما خفيّة لم تصل إليهم، فتطلع نفس المستمع إلى معرفة بيان ما قال، وربما وصل أمره مع من يجالسه- واحدا كان أو جماعة- بشىء من معانى القرآن، وذكر شرائع الدين وتأويل الآيات وتنزيلها وكلام لا يشك المسلم العارف في حقيقته، ويوهم المستمعين منه أنّه قد ظفر بعلم، لو صادف له مستمعا لكان ناجيا منتفعا، وقرّر عندهم أنّ الآفة التى نزلت بالأمة وحيّرت في الديانة وشتّتت الكلمة وأورثت الأهواء المضلّة ذهاب الناس عن أئمة نصبوا لهم، وأقيموا حافظين لشرائعهم يؤدونها على حقائقها، ويحفظون عليهم معانيها وبواطنها، وأنّهم لما عدلوا عنهم ونظروا من تلقاء عقولهم، واتباعهم لمّا حسن في رأيهم وسمعوه من أسلافهم وغلاتهم «1» - اتباع الملوك في طلب الدنيا- وحاملى الغنى ومسمعى الإثم وأجناد الظلمة وأعوان الفسقة الطالبين العاجلة، والمجتهدين في الرياسة على الضعفاء، ومن يكايد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته وغيّر كتابه وبدّل سنّته، وقتل عترته

ص: 196

وخالف دعوته وأفسد شريعته وسلك بالناس غير طريقته، وعاند الخلفاء من بعده، وخلط بين حقّه وباطل غيره فتحيّر وحيّر من قبل منه، وصار الناس إلى أنواع الضلالات به وبأتباعه، وقالوا لهم حينئذ- كالنصحاء الحكماء-: إنّ دين محمد لم يأت بالتحلى ولا بالتمرّى، ولا بأمانىّ الرجال ولا شهوات الخلق، ولا بما خفّ على الألسنة وعرفته دهماء العامّة، وإنما الدين صعب مستصعب، أمر مستثقل وعلم خفى غامض، سيّره الله في حجبه وعظّم شأنه عن ابتذال الأشرار له، فهو سرّ الله عز وجل المكتوم وأمره المستور، الذى لا يطيق حمله ولا ينهض بأعبائه وثقله إلا ملك مقرّب أو نبىّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان، فى أمثال هذا الكلام، ويموّه على من لا يعلم بأنّهم لو أظهروا ما عندهم من العلم لأنكره من يسمعه، وتعجّب منه وكفّر أهله، وهذه مقدّمة يجعلونها في نفوس المخدوعين، ليواطئوهم على ألّا ينكروا ما يسمعونه منهم ولا يدفعوه، فيجعلوا ذلك تأنيسا وتأسيسا لينخلع من الشرائع وترتيب أصولها والحرص على طلبها، وربما قالوا لهم شيئا يموّهون به أن له تفسيرا، وإنما هو تقليد فى الديانة.

فمن مسائلهم: ما معنى رمى الجمار؟ والعدو بين الصفا والمروة؟

ولم قضت الحائض الصيام ولم تقض الصلاة؟ وما بال الجنب يغتسل من ماء دافق لشىء طاهر منه البشر، ولا يغتسل من البول النجس الكثير القذر، وما بال الله تعالى خلق الدنيا في ستة «1» أيام؟ أعجز

ص: 197

عن خلقها في ساعة واحدة؟ وما معنى الصراط المضروب في القرآن مثلا؟ والكاتبين «1» الحافظين؟ وما لنا لا نراهما؟ أيخاف ربنا أن نكابره ونجاحده فأذكى «2» العيون وأقام علينا الشهود؟ وقيّد ذلك بالقرطاس والكتابة؟! وما تبديل الأرض «3» غير الأرض؟ وما عذاب جهنّم؟ وكيف يصحّ تبديل جلد «4» مذنب بجلد لم يذنب يعذب؟! وما معنى: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية «5» ؟

وما إبليس؟ وما ذكرته الشياطين؟ وما وصفوا به، ومقدار قدرهم؟

وما يأجوج ومأجوج؟ وهاروت وماروت؟ وما سبعة أبواب النار؟

وما ثمانية أبواب الجنّة؟ وما شجرة الزقّوم النابتة في الجحيم؟ وما دابّة الأرض؟ ورؤوس الشياطين؟ والشجرة الملعونة في القرآن؟ والتين والزيتون؟ وما الخنّس؟ وما الكنّس؟ وما معنى الم، والمص؟ وما معنى كهيعص؟ وما معنى حم عسق؟ وأمثال هذا من الكلام، ولم جعلت السماوات سبعا والأرضون سبعا؟ والمثانى من القرآن سبع آيات؟ ولم فجّرت العيون اثنتى عشرة عينا؟ ولم جعلت الشهور اثنى عشر شهرا؟ وأمثال هذا من الكلام والأمور، ممّا يوهمون أنّ فيه معانى غامضة وعلوما جليلة.

وقالوا للمغرورين: ما يعمل معكم الكتاب والسنّة ومعانى الفرائض

ص: 198

اللازمة؟ وأين أرواحكم؟ وكيف صورها؟ وأين مستقرّها؟ وما أوّل أمرها؟ والإنسان ما هو؟ وما حقيقته؟ وما فرق بين حياته وحياة البهائم؟ وفرق ما بين حياة البهائم وحياة الحشرات؟ وما بانت به حياة الحشرات من حياة النبات؟ وما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت حوّاء من ضلع آدم» ؟ وما معنى قول الفلاسفة:

الإنسان هو العالم الصغير؟ ولم جعلت قامة الإنسان منتصبة دون الحيوان؟ ولم جعل في أربع أصابع من يدية ثلاثة شقوق وفي الإبهام شقّان؟ ولم جعل في وجهه سبعة ثقب وفي سائر بدنه ثقبان؟ ولم جعل في ظهره اثنتا عشرة عقدة وفي عنقه سبع؟ ولم جعل رأسه في صورة ميم ويداه حاء وبطنه ميما ورجلاه دالا حتى صار لذلك كتابا مرسوما يترجم عن محمد؟ ولم جعلت أعداد عظامكم كذا وأعداد أسنانكم كذا؟ ولم صارت الرؤساء من أعضائكم بكذا وكذا، وسألوا عن التشريح والقول في العروق وفي الأعضاء ووجوه منافع الأعضاء، ويقولون لهم: ألا تفكّرون في حالكم وتعتبرون؟ وتعلمون أنّ الذى خلقكم حكيم غير مجازف، وأنّه فعل جميع ذلك بحكمة، وله في ذلك أغراض باطنة خفيّة، حتى جمع ما جمعه وفرّق ما فرّقه، وكيف الإعراض عن هذه الأمور، وأنتم تسمعون قول الله عز وجل:(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)

«1» وقوله: (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ)

«2» ويقول: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)

«3» ويقول

ص: 199

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)

«1» فأى شىء رآه الكفّار في أنفسهم وفي الآفاق فعرفوا أنّه الحق؟ وأى حق عرفه من جحد الديانة؟ أولا يدلّكم هذا على أنّ الله عز وجل أراد أن يدلّكم على بواطن الأمور الخفيّة وأمور في باطنه، و [لو]«2» عرفتموه لزالت عنكم كل حيرة وشبهة، ووقعت لكم المعارف السنيّة، أولا ترون أنّكم جهلتم أنفسكم؟ التى من جهلها كان حريا بأن لا يعلم غيرها، أوليس الله تعالى يقول (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا)

«3» ، وأمثال هذه الأمور مما يسألون عنه ويعرضون به من تأويل القرآن وتفسير ألفاظ كثيرة من ألفاظ السنن والأحكام، والجواب معان يفسّر بها وضع الشرائع السمعيات فيما رفع منها وما «4» نصب، وكثير من أبواب التعديل والتجويز «5» مما يأتى في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى، فإن أوجب ذلك للمسئول عنه شكا وحيرة واضطرابا وتعلّقت نفسه بالجواب عنه، وتشوّق إلى معرقته فسألهم عنه عاملوه بمثل ما يفعل به صاحب الفأل والزرّاق والقصّاص على العوامّ عند امتلاء صدورهم بما يفخرون به أولا عندهم من أحوال قد عرفوها من أحوالهم، فهم إلى معرفتها أكثر الحاجة وعلقوا بمعرفتها أنفسهم، وعند بلوغ القصاص إلى ما يبلغون إليه يقطعون الحديث، لتعلّق قلوب المستمعين بما يكون

ص: 200

بعده، وهذه صفة الدعاة وحالهم، يقدمون على الكلام والمسائل ثم يقطعون فتتعلق أنفس المغرورين، بما قد تأخّر من القول الذى قدّموا له مقدّمة، فإذا خاطبهم على علم معرفته تأويل البيان قالوا له: لا تعجل، فإنّ دين الله أجلّ وأكبر من أن يبذل لغير أهله، ويجعل عرضا للّعب وما جانسه، ويقولون: قد جرت سنّة الله جلّ وعزّ في عباده عند شرع من نصبه من النبيّين أخذ الميثاق، كما قال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً)

«1» وقال تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)

«2» وقال جلّ ذكره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

«3» وقال (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً)

«4» وقال تعالى (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ

)

«5» فى أمثال هذا خبّر الله عز وجل فيه أنّه لم يملك حقّه إلا لمن أخذ عهده، فأعطنا صفقة يمينك بالتوكيد من أيمانك وعقودك، ألّا تفشى لنا سرا ولا تظاهر علينا أحدا ولا تطلب لنا غيلة، ولا تكلّمنا إلا نصحا ولا توال علينا عدوا، فى أمثال لهذا، وإنّما غرضهم في ذلك كلّه أمور: منها أن يستدلّوا بها بظاهر

ص: 201