الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه
قال الشريف أبو الحسين: كان من الاتّفاق لأبى سعيد أن البلد الذى قصده بلد واسع كثير الناس، ولهم عادة بالحروب، ورجال شداد جهّال غفل القلوب، بعيدون من علم شريعة الإسلام ومعرفة نبوّة أو حلال أو حرام، فظفر بدعوته في تلك الناحية، ولم يناوئه مناوىء، فقاتل بمن أطاعه من عصاه حتى اشتدت شوكته جدا، وكان لا يظفر بقرية إلا قتل أهلها ونهبها، فهابه الناس وأجابه كثير منهم طلبا للسلم، ورحل من البلد خلق كثير إلى نواحى مختلفة وبلدان شتى، خوفا من شرّه، ولم يمتنع عليه إلا هجر، وهى مدينة البحرين ومنزل سلطانها والتجّار والوجوه، فنازلها شهورا يقاتل أهلها، فلما طال عليه أمرها وكل بها جلّ أصحابه من أهل النجدة، ثم ارتفع فنزل الأحساء وبينها وبين هجر ميلان، فابتنى بها دارا وجعلها منزلا، وتقدّم في زراعة الأرض وعمارتها، وكان يركب في الأيام إلى هجر هو ومن يحاصرها، ويعقب من أصحابه في كلّ أيام قوما، ثم دعا العرب فأجابه أوّل الناس، بنو الأضبط من كلاب، لأن عشيرتهم كانوا أصابوا فيهم دما، فساروا إليه بحرمهم وأموالهم فنزلوا الأحساء، وأطمعوه في بنى كلاب وسائر من يقرب منه من العرب، وطلبوا منه أن يضمّ إليهم رجالا ففعل ذلك، فلقوا بهم عشيرتهم فاقتتلوا فهزمتهم القرامطة فأكثروا فيهم القتل، وأقبلوا بالحريم والأموال والأمتعة نحو الأحساء، فاضطر المغلوبين إلى أن دخلوا في طاعته
وصاروا تحت أمره، ثم وجّه أبو سعيد بجيش آخر إلى بنى عقيل فظفر بهم، فقصدوه ودخلوا في طاعته، فملك تلك الفلاة، وتجنّب قتاله كلّ أحد إلا بنى ضبّة، فإنها ناصبته الحرب، فلما اجتمع «1» إليه من اجتمع من العرب وغيرهم خوّفهم ومنّاهم ملك الأرض كلها، فاستجاب بعضهم إلى دعوته فردّ إليهم ما أخذ منهم من أهل وولد، وأجاب آخرون رغبة في دعوته، ولم يردّ على أحد إبلا ولا عبدا ولا أمة وأنزل الجميع معه الأحساء، وأبى قوم دعوته فردّ عليهم حرمهم ومن لم يبلغ من أولادهم أربع سنين وشيئا من الإبل يحملون عليه، وحبش ما سوى ذلك كله، وجمع الصبيان في دور وأقام عليهم قوّاما، وأجرى عليهم ما يحتاجون إليه، ووسم جميعهم على الخدود لئلا يختلطوا بغيرهم، وعرّف عليهم عرفاء، وعلّم من صلح لركوب الخيل والطعان فتشأوا لا يعرفون غيره، وصارت دعوته طبعا لهم، وقبض كل مال في البلد والثمار والحنطة والشعير، وأنفذ الرعاة في الإبل والغنم، وقوما للنزول معها لحفظها والتنقّل معها على نوب معروفة، وأجرى على أصحابه جرايات فلم يكن يصل أحد إلى غير ما يطعمه، وهو لا يغفل مع ذلك عن هجر، فلما أضجروه وطال أمرهم وقد كان بلغ منهم الحصار كل غاية، وأكلوا السنانير والكلاب وكان حصارهم يزيد على عشرين شهرا، ثم جمع أصحابه وحشد لهم وعمل الدبّابات، ومشى بها الرجال إلى السور، فاقتتلوا أشد قتال لم يقتتلوا مثله قبل ذلك، ودام القتال عامّة النهار، وكلّ منتصف من الآخر، وكثرت
بينهم القتلى، ثم رجع إلى الأحساء، ثم باكرهم فناوشوه فانصرف، فلما قرب من الأحساء أمر الرجّالة ومن جرح أن ينصرف، وعاود فى خيل فدار حول هجر، وفكّر فيما يكيدهم به، وإذا لهجر عين عظيمة كثيرة الماء، يخرج من نشز من الأرض غير بعيد منها، ثم يجتمع ماؤها في نهر ويستقيم حتى يمرّ بجانب هجر ملاصقا، ثم ينزل إلى التخيل فيسقيها، فكانوا لا يفقدون الماء في حصارهم، فلما تبيّن له أمر العين انصرف إلى الأحساء، ثم غدا فأوقف على باب المدينة عسكرا، ثم رجع إلى الأحساء وجمع الناس كلّهم وسار في آخر الليل فورد العين بكرة بالمعاول والرمل وأوقار الثياب الخلقان ووبر وصوف وأمر قوما بجمع الحجارة وآخرين ينفذون بها إلى العين، وأعدّ الرمل والحصى والتراب، فلما «1» اجتمع أمر أن يطرح الوبر والصوف وأوقار الثياب في العين، وأن يطرح فوقها الرمل والحصى والتراب «2» والحجارة ففعل ذلك، فقذفته العين ولم يغن ما فعلوه شيئا، فانصرف إلى الأحساء هو ومن معه، وغدا في خيل فضرب في البرّ، وسأل عن منتهى العين فقيل له إنّها تتصل بساحل البحر، وأنّها تنخفض كلّما نزلت، فردّ جميع من «3» كان معه وانحدر على النهر نحوا من ميلين ثم أمر بحفر «4» نهر هناك، ثم أقبل هو وجمعه يأتون في كل يوم، والعمّال يعملون حتى حفره إلى السباخ، ومضى الماء كله عنهم فصبّ في البحر، فلما تمّ له ذلك نزل على هجر وقد انقطع الماء عمّن بها،