المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

«1»

كان ظهوره بالمدينة في ذى القعدة سنة تسع وستين ومائة في خلافة الهادى موسى، وسبب ذلك أن الهادى استعمل على المدينة عمر ابن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فلما وليها أخذ أبا الزفت الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، ومسلم بن جندب الشاعر الهذلى، وعمر بن سلام مولى آل عمر، على شراب لهم، فأمر بهم فضربوا جميعا، وجعل في أعناقهم حبال وطيف بهم في المدينة، فجاء الحسين بن على إلى العمرى، وقال له: قد ضربتهم ولم يكن لك أن تضربهم! لأنّ أهل العراق لا يرون به بأسا، فلم تطوف بهم؟ فأمر بهم فردّوا وحبسهم؛ ثم إن الحسين ابن على هذا ويحيى بن عبد الله بن الحسن كفلا الحسن بن محمد فأخرجه العمرى من الحبس، وكان قد ضمن بعض آل أبى طالب بعضا، وكانوا يعرضون، فغاب الحسن بن محمد عن العرض يومين، فأحضر العمرى الحسين بن على ويحيى بن عبد الله وسألهما عنه وأغلظ لهما، فحلف له يحيى أنه لا ينام حتى يأتيه به، أو يدقّ عليه باب داره حتى يعلم أنه جاءه به، فلمّا خرجا قال له الحسين:

ص: 66

سبحان الله! ما دعاك إلى هذا؟ ومن أين تجد حسنا؟ حلفت له بشىء لا تقدر عليه، فقال: والله لا نمت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف، فقال له الحسين: إن هذا ينقض ما كان بيننا وبين أصحابنا من الميعاد، وكانوا قد تواعدوا على أن يظهروا بمنى أو «1» بمكة في الموسم، فقال يحيى: قد كان ذلك فانطلقا، وعملا في ذلك من ليلتهم، وخرجوا آخر الليل، وجاء يحيى حتى ضرب على العمرى باب داره فلم يجده، وجاعوا فاقتحموا المسجد بعد الصبح، فلما صلى الحسين الصبح أتاه الناس فبايعوه: على كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم، للمرتضى من آل محمد، وجاء خالد البربرى «2» فى مائتين من الجند، وجاء العمرى ووزير بن إسحاق الأزرق ومحمد بن واقد الشّروى ومعهم ناس كثير، فدنا خالد منهم فقام إليه يحيى وإدريس ابنا عبد الله بن حسن، فضربه يحيى على أنفه فقطعه، ودار له إدريس من خلفه فضربه فصرعه ثم قتلاه، وانهزم أصحابه ودخل العمرى في المسودّة، فحمل عليهم أصحاب الحسين فهزموهم من المسجد، وانتهبوا بيت المال وكان فيه بضعة عشر ألف دينار، وقيل سبعون ألفا، وتفرّق الناس وأغلق أهل المدينة أبوابهم، فلما كان الغد اجتمع عليهم شيعة بنى العباس فقاتلوهم، وفشت الجراحات في الفريقين، واقتتلوا إلى الظهر ثم افترقوا، ثم إن مباركا التركى أتى شيعة بنى العباس من الغد- وكان قدم حاجا- فقاتل معهم فاقتتلوا أشد قتال إلى منتصف النهار، ثم تفرّقوا ورجع أصحاب الحسين إلى المسجد،

ص: 67

وواعد مبارك الناس الرواح إلى القتال، فلمّا غفلوا عنه ركب رواحله وانطلق، وراح الناس فلم يجدوه، فقاتلوا شيئا من قتال إلى المغرب ثم تفرّقوا، وقيل إن مباركا أرسل إلى الحسين يقول له: والله لئن أسقط من السماء فيتخطفنى الطير أيسر علىّ من أن تشوكك شوكة، أو تقطع من رأسك شعرة، ولكن لا بدّ من الإعذار، فبيّتنى فإنى منهزم عنك، فوجّه إليه حسين أو خرج إليه في نفر، فلما دنوا من عسكره صاحوا وكبّروا، فانهزم هو وأصحابه، وأقام الحسين وأصحابه أياما يتجهّزون، فكان مقامهم بالمدينة أحد عشر يوما، ثم خرجوا لست بقين من ذى القعدة، فلما خرجوا عاد الناس إلى المسجد، فوجدوا فيه الطعام الذى كانوا يأكلون وآثارهم، فدعوا عليهم.

ولما فارق الحسين المدينة قال: يا أهل المدينة، لا خلف الله عليكم بخير، فقالوا: بل أنت، لا خلف الله عليك بخير، ولا ردّك إلينا، وكان أصحابه يحدثون في المسجد، فغسله أهل المدينة. قال: ولما أتى الحسين مكة فنودى: أيما عبد أتانا فهو حرّ، فأتاه العبيد، فانتهى الخبر إلى الهادى؛ وكان قد حجّ تلك السنة رجال من أهل بيته، منهم سليمان بن المنصور، ومحمد بن سليمان بن على، والعباس ابن محمد بن على، وموسى وإسماعيل ابنا عيسى بن موسى، فكتب الهادى إلى محمد بن سليمان بتوليته على الحرب، وكان قد سار من البصرة بجماعة وسلاح لخوف الطريق، فاجتمعوا بذى طوى، وكانوا قد أحرموا بعمرة، فلما قدموا مكة طافوا وسعوا وحلّوا من العمرة، وعسكروا بذى طوى وانضمّ إليهم من حجّ من شيعتهم ومواليهم وقوّادهم، والتقوا واقتتلوا يوم التروية، فانهزم أصحاب الحسين،

ص: 68

وقتل منهم وجرح، وانصرف «1» محمد بن سلمان ومن معه إلى مكة، ولا يعلمون حال الحسين «2» ، فلما بلغوا ذا طوى لحقهم رجل من أهل خراسان يقول: البشرى، البشرى؛ هذا رأس الحسين فأخرجه وبجبهته ضربة طولا، وعلى قفاه ضربة أخرى، وكانوا قد نادوا الأمان، فجاء الحسن بن محمد بن عبد الله أبو الزفت فوقف خلف محمد بن سليمان والعباس بن محمد، فأخذه موسى بن عيسى وعبد الله ابن العباس فقتلاه، فغضب محمد بن سليمان غضبا شديدا، وأخذ رؤوس القتلى فكانت مائة رأس ونيّفا، وفيها رأس سليمان بن عبد الله ابن حسن بن حسن بن على، وأخذت «3» أخت الحسين فتركت عند زينب بنت سليمان، واختلط المنهزمون بالحاج، وأتى الهادى بستة أسرى، فقتل بعضهم واستبقى بعضهم، وغضب على موسى ابن عيسى كيف قتل الحسن بن محمد، وقبض أمواله فلم تزل بيده حتى مات، وغضب على مبارك التركى، وأخذ ماله وجعله سائس الدوابّ، فبقى كذلك حتى مات الهادى، وأفلت من المنهزمين إدريس ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على «4» ، فأتى مصر وعلى بريدها واضح، مولى صالح بن المنصور، وكان شيعيا فحمله على البريد إلى أرض المغرب، فوقع بأرض طنجة بمدينة وليلة، فاستجاب له من بها من البربر، فضرب الهادى عنق واضح وصلبه، وقيل إن

ص: 69

الرشيد هو الذى قتله، وأن الرشيد دسّ إلى إدريس الشمّاخ اليمامىّ، مولى المهدى، فأتاه وأظهر أنه من شيعتهم وعظمه وآثره على نفسه، فمال إليه إدريس وأنزله عنده، ثم إن إدريس شكا إليه مرضا في أسنانه، فوصف له دواء وجعل فيه سما، وأمره أن يستن «1» به عند طلوع الفجر فأخذه منه، وهرب الشمّاخ ثم استعمل إدريس الدواء فمات منه، فولى الرشيد الشمّاخ بريد مصر. قال: ولما مات إدريس ابن عبد الله خلف مكانه ابنه إدريس بن إدريس، وأعقب بها وملكوها، ونازعوا بنى أميّة في إمارة الأندلس، وقد تقدم ذكر ذلك في أخبار الأندلس فلا فائدة في إعادته. قال: وحملت الرؤوس إلى الهادى، فلمّا وضع رأس الحسين بين يديه قال: كأنّكم قد جئتم برأس طاغوت من الطواغيت!! إنّ أقلّ ما أجزيكم أن أحرمكم جوائزكم، فلم يعطهم شيئا.

قال: وكان الحسين شجاعا كريما، قدم على المهدى فأعطاه أربعين ألف دينار، ففرّقها في الناس ببغداد والكوفة، وخرج من الكوفة لا يملك ما يلبسه، إلا وبرا «2» ليس تحته قميص، وهذا غاية في الجود ونهاية في الكرم والإيثار، رحمه الله تعالى وغفر له.

ص: 70

ذكر ظهور يحيى بن عبد الله بن الحسن «1» ابن الحسن بن على بن أبى طالب

كان ظهوره في خلافة الرشيد بن المهدى في سنة ست وسبعين ومائة ببلاد الديلم، واشتدت شوكته وكثرت جموعه، وأتاه الناس من الأمصار، فاغتمّ الرشيد لذلك، فندب إليه الفضل بن يحيى بن خالد البرمكى في خمسين ألفا، وولاه جرجان «2» وطبرستان والرى وغيرها وحمل معه الأموال، فكاتب يحيى بن عبد الله ولطف به وحذره، وأشار عليه وبسط أمله، ونزل الفضل بالطالقان «3» ، بمكان يقال له أشب، ووالى كتبه إلى يحيى، وكاتب صاحب الديلم وبذل له ألف ألف درهم، على أن يسهّل له خروج يحيى بن عبد الله، فأجاب يحيى إلى الصلح على أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه، يشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجلة بنى هاشم ومشايخهم؛ منهم عبد الصمد بن على، فأجابه الرشيد إلى ذلك، وسرّ به وعظمت منزلة الفضل عنده، وسيّر الأمان مع هدايا وتحف، فقدم يحيى مع الفضل بغداد، فلقيه الرشيد بكل ما أحبّ وأمر له بمال كثير، ثم حبسه الرشيد بعد ذلك فمات في

ص: 71

حبسه؛ وكان الرشيد قد عرض كتاب أمان يحيى على محمد بن الحسن الفقيه وعلى أبى البخترى القاضى، فقال محمد: الأمان صحيح، فحاجّه الرشيد، فقال محمد: وما يصنع بالأمان؟ لو كان محاربا ثم ولّى كان آمنا، وقال أبو البخترى: هذا أمان منتقض من وجه كذا، فمزقه الرشيد، وقد ذكرنا خبر يحيى في حبسه فيما تقدّم من كتابنا هذا، عند ذكرنا لأخبار القبض على البرامكة في أيام الرشيد، وأن الرشيد كان قد حبسه عند جعفر، فأطلقه جعفر بغير أمر الرشيد، وقيل بل أخبره بوفاته، ثم نقله إلى خراسان وأودعه عند أميرها على ابن عيسى بن ماهان، وأوصاه به أن يكون عنده موسعا عليه واستكتمه أمره، فكتب علىّ بذلك إلى الرشيد، فكان ذلك سبب زوال نعمة البرامكة، وقد تقدّم ذكر هذه القصّة هناك مبسوطة، ولا فائدة في تكرار ذلك واعادته، فلنذكر خلافه من أخبار من ظهر من الطالبيين.

ص: 72

ذكر ظهور محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب «1» رضى الله عنه وهو المعروف بابن طباطبا

كان ظهوره بالكوفة لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين ومائة، فى خلافة عبد الله المأمون بن الرشيد هارون، وخرج يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، والعمل بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان القيمّ بأمره في الحرب أبو السرايا السرى بن منصور، وهو من ولد هانىء بن قبيصة ابن هانىء بن مسعود الشيبانى، فلما اشتد أمر محمد أراد أن يستقل بالأمر دون أبى السرايا، فسقاه أبو السرايا سما فمات، فى مسهّل شهر رجب من السنة المذكورة، وقد ذكرنا خبره مبيّنا في أخبار المأمون ابن الرشيد. ولما مات محمد بن إبراهيم نصب أبو السرايا مكانه غلاما أمرد يقال له:

محمد بن محمد بن زيد بن على بن الحسين بن على «2» وصار الحكم لأبى السرايا، واستعمل العمّال على البصرة والأهواز وفارس ومكة واليمن، وانتشر الطالبيون في البلاد وقوى أمرهم، إلى أن قتل أبو السرايا وذلك في المحرم سنة مائتين، فاستعيدت البلاد من الطالبيين على ما قدّمناه في أخبار أبى السرايا في خلافة المأمون.

ص: 73

ذكر ظهور ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ابن على بن الحسين «1» بن على بن أبى طالب وما كان من أمره

كان ظهوره بمكة في سنة مائتين في خلافة المأمون، وكان أبو السرايا قد ولاه اليمن، فأتاه الخبر بمقتل أبى السرايا وهو بمكة، فسار إلى اليمن وبها إسحاق بن موسى بن عيسى عاملا للمأمون، فلمّا بلغه قرب إبراهيم من صنعاء سار نحو مكة، واستولى إبراهيم على اليمن، وكان يسمى الجزار لكثرة من قتل باليمن، وسبى وأخذ الأموال، ولم يتمّ أمره ولا أمر غيره ممّن كان أبو السرايا استعملهم، وقد «2» ذكرنا خبر الحسين بن الحسن الأفطس ومحمد بن جعفر وما كان من أمرهما بمكة في أخبار المأمون، ولا فائدة في اعادته «3» ، وقد ذكرنا أيضا خبر محمد بن القاسم بن عمر بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب وخروجه بالطالقان، وما كان من أمره في أخبار المعتصم بالله بن الرشيد في سنة تسع عشرة ومائتين.

ص: 74

ذكر ظهور يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين «1» ابن زيد بن على بن الحسين بن على ابن أبى طالب وهو المكنى بأبى الحسين

وكان ظهوره بالكوفة في سنة خمسين ومائتين في خلافة المستعين بالله، وسبب ظهوره أنه نالته ضائقة، ولزمه دين ضاق به ذرعا، فلقى عمر بن فرج وهو يتولى أمر الطالبيين، فكلمه في صلته فأغلظ له عمر، وحبسه فلم يزل محبوسا حتى كفله أهله، فأطلق وسار إلى بغداد، فأقام بها سنة ثم رجع إلى سامرّا، فلقى وصيفا فكلمه في رزق يجريه له، فأغلظ له وصيف وقال: لأى «2» شىء يجرى على مثلك؟

فانصرف إلى الكوفة وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان الهاشمى، عامل محمد بن عبد الله بن طاهر، فجمع أبو الحسين جمعا كثيرا كثيرا من الأعراب وأهل الكوفة، وأتى الفلّوجة فكتب صاحب البريد بخبره إلى محمد بن عبد الله، فكتب محمد بن عبد الله إلى أيوب «3» وعبد الله بن محمود السرخسى، عامله على معاون السواد، يأمرهما بالاجتماع على حرب يحيى. قال: ومضى يحيى بن عمر إلى بيت مال الكوفة فأخذ ما كان فيه، وهو ألفا دينار وسبعون ألف درهم، وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجون وأخرج من فيها،

ص: 75

وأخرج العمّال عن الكوفة، فلقيه عبد الله بن محمود السرخسى فيمن معه، فضربه يحيى على وجهه ضربة أثخنه بها، فانهزم عبد الله، وأخذ أصحاب يحيى ما كان معهم من الدوابّ والمال، وخرج يحيى إلى سواد الكوفة، وتبعه جماعة من الزيدية وغيرهم إلى ظهر واسط، وأقام بالبستان فكثر جمعه، فوجّه محمد بن عبد الله إلى محاربته الحسين «1» بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب في جمع من أهل النجدة والقوّة، فسار إليه ونزل في مقابلته ولم يقدم عليه، وسار يحيى والحسين فى أثره حتى نزل الكوفة، ولقيه عبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الفلس قبل دخولها، فقاتلة فانهزم عبد الرحمن إلى ناحية شاهى فوافاه الحسين بها، واجتمعت الزيدية إلى يحيى بن عمر، ودعا بالكوفة إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، واجتمع الناس إليه، وتولاه العامّة من أهل بغداد، ولا يعلم أنّهم تولوا أحدا من أهل بيته سواه، وبايعه جماعة من أهل الكوفة ممّن له تدبير وبصيرة في تشيعهم، ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم، وأقام الحسين بشاهى فأراح واستراح، واتصلت به الأمداد، ويحيى بالكوفة يعدّ الرجال ويصلح السلاح، فأشار عليه جماعة من الزيدية ممّن لا علم لهم بالحرب بمعاجله الحسين بن إسماعيل، وألحّوا عليه فزحف إليه في ليلة الإثنين لثلاث عشره ليلة خلت من شهر رجب من السنة، ومعهم الهيضم العجلى وغيره، ورجاله من أهل الكوفة ليس لهم علم بالحرب

ص: 76

ولا شجاعة، وأسروا ليلتهم وصبّحوا حسينا وهو مستريح، فثاروا بهم فى الغلس، فركب أصحاب الحسين وحملوا عليهم فانهزموا، ووضعوا فيهم السيف وأسروا منهم، فكان أوّل من أسر الهيضم العجلى، وانكشف العسكر عن يحيى وعليه جوشن، وقد تقطر «1» به فرسه، فوقف عليه ابن لخالد بن عمران يقال له خير «2» ، فلم يعرفه وظنه من أهل خراسان لما رأى عليه الجوشن، فأمر رجلا فنزل إليه وأخذ رأسه، فعرفه رجل وسيّر الرأس إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، وادعى قتله غير واحد، فبعث محمد الرأس إلى المستعين، فنصب بسامرّا ثم حط وسيّر إلى بغداد لينصب بها، فلم يقدر محمد بن طاهر على ذلك لكثرة من اجتمع من الناس، فلم ينصبه وخاف أن يأخذوه، فجعله في صندوق في بيت السلاح، ووجّه الحسين بن إسماعيل رؤوس من قتل ومن أسر إلى بغداد فحبسوا بها، وكتب محمد بن عبد الله فيهم فأمر بتخليتهم ودفن الرؤوس.

قال: ولما ورد الخير بقتل يحيى على محمد بن عبد الله جلس ليهنأ بذلك، فدخل عليه داود بن الهيثم الجعفرى فقال: أيها الأمير، إنّك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا لعزى به، فما ردّ محمد عليه شيئا، وأكثر الشعراء المراثى في يحيى، لما كان عليه من حسن السيرة والديانة، فمن ذلك قول بعضهم:

بكت الخيل شجوها بعد يحيى

وبكاه المهند المصقول

ص: 77