الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ
«1»
كان ظهوره بالمدينة في ذى القعدة سنة تسع وستين ومائة في خلافة الهادى موسى، وسبب ذلك أن الهادى استعمل على المدينة عمر ابن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فلما وليها أخذ أبا الزفت الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، ومسلم بن جندب الشاعر الهذلى، وعمر بن سلام مولى آل عمر، على شراب لهم، فأمر بهم فضربوا جميعا، وجعل في أعناقهم حبال وطيف بهم في المدينة، فجاء الحسين بن على إلى العمرى، وقال له: قد ضربتهم ولم يكن لك أن تضربهم! لأنّ أهل العراق لا يرون به بأسا، فلم تطوف بهم؟ فأمر بهم فردّوا وحبسهم؛ ثم إن الحسين ابن على هذا ويحيى بن عبد الله بن الحسن كفلا الحسن بن محمد فأخرجه العمرى من الحبس، وكان قد ضمن بعض آل أبى طالب بعضا، وكانوا يعرضون، فغاب الحسن بن محمد عن العرض يومين، فأحضر العمرى الحسين بن على ويحيى بن عبد الله وسألهما عنه وأغلظ لهما، فحلف له يحيى أنه لا ينام حتى يأتيه به، أو يدقّ عليه باب داره حتى يعلم أنه جاءه به، فلمّا خرجا قال له الحسين:
سبحان الله! ما دعاك إلى هذا؟ ومن أين تجد حسنا؟ حلفت له بشىء لا تقدر عليه، فقال: والله لا نمت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف، فقال له الحسين: إن هذا ينقض ما كان بيننا وبين أصحابنا من الميعاد، وكانوا قد تواعدوا على أن يظهروا بمنى أو «1» بمكة في الموسم، فقال يحيى: قد كان ذلك فانطلقا، وعملا في ذلك من ليلتهم، وخرجوا آخر الليل، وجاء يحيى حتى ضرب على العمرى باب داره فلم يجده، وجاعوا فاقتحموا المسجد بعد الصبح، فلما صلى الحسين الصبح أتاه الناس فبايعوه: على كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم، للمرتضى من آل محمد، وجاء خالد البربرى «2» فى مائتين من الجند، وجاء العمرى ووزير بن إسحاق الأزرق ومحمد بن واقد الشّروى ومعهم ناس كثير، فدنا خالد منهم فقام إليه يحيى وإدريس ابنا عبد الله بن حسن، فضربه يحيى على أنفه فقطعه، ودار له إدريس من خلفه فضربه فصرعه ثم قتلاه، وانهزم أصحابه ودخل العمرى في المسودّة، فحمل عليهم أصحاب الحسين فهزموهم من المسجد، وانتهبوا بيت المال وكان فيه بضعة عشر ألف دينار، وقيل سبعون ألفا، وتفرّق الناس وأغلق أهل المدينة أبوابهم، فلما كان الغد اجتمع عليهم شيعة بنى العباس فقاتلوهم، وفشت الجراحات في الفريقين، واقتتلوا إلى الظهر ثم افترقوا، ثم إن مباركا التركى أتى شيعة بنى العباس من الغد- وكان قدم حاجا- فقاتل معهم فاقتتلوا أشد قتال إلى منتصف النهار، ثم تفرّقوا ورجع أصحاب الحسين إلى المسجد،
وواعد مبارك الناس الرواح إلى القتال، فلمّا غفلوا عنه ركب رواحله وانطلق، وراح الناس فلم يجدوه، فقاتلوا شيئا من قتال إلى المغرب ثم تفرّقوا، وقيل إن مباركا أرسل إلى الحسين يقول له: والله لئن أسقط من السماء فيتخطفنى الطير أيسر علىّ من أن تشوكك شوكة، أو تقطع من رأسك شعرة، ولكن لا بدّ من الإعذار، فبيّتنى فإنى منهزم عنك، فوجّه إليه حسين أو خرج إليه في نفر، فلما دنوا من عسكره صاحوا وكبّروا، فانهزم هو وأصحابه، وأقام الحسين وأصحابه أياما يتجهّزون، فكان مقامهم بالمدينة أحد عشر يوما، ثم خرجوا لست بقين من ذى القعدة، فلما خرجوا عاد الناس إلى المسجد، فوجدوا فيه الطعام الذى كانوا يأكلون وآثارهم، فدعوا عليهم.
ولما فارق الحسين المدينة قال: يا أهل المدينة، لا خلف الله عليكم بخير، فقالوا: بل أنت، لا خلف الله عليك بخير، ولا ردّك إلينا، وكان أصحابه يحدثون في المسجد، فغسله أهل المدينة. قال: ولما أتى الحسين مكة فنودى: أيما عبد أتانا فهو حرّ، فأتاه العبيد، فانتهى الخبر إلى الهادى؛ وكان قد حجّ تلك السنة رجال من أهل بيته، منهم سليمان بن المنصور، ومحمد بن سليمان بن على، والعباس ابن محمد بن على، وموسى وإسماعيل ابنا عيسى بن موسى، فكتب الهادى إلى محمد بن سليمان بتوليته على الحرب، وكان قد سار من البصرة بجماعة وسلاح لخوف الطريق، فاجتمعوا بذى طوى، وكانوا قد أحرموا بعمرة، فلما قدموا مكة طافوا وسعوا وحلّوا من العمرة، وعسكروا بذى طوى وانضمّ إليهم من حجّ من شيعتهم ومواليهم وقوّادهم، والتقوا واقتتلوا يوم التروية، فانهزم أصحاب الحسين،
وقتل منهم وجرح، وانصرف «1» محمد بن سلمان ومن معه إلى مكة، ولا يعلمون حال الحسين «2» ، فلما بلغوا ذا طوى لحقهم رجل من أهل خراسان يقول: البشرى، البشرى؛ هذا رأس الحسين فأخرجه وبجبهته ضربة طولا، وعلى قفاه ضربة أخرى، وكانوا قد نادوا الأمان، فجاء الحسن بن محمد بن عبد الله أبو الزفت فوقف خلف محمد بن سليمان والعباس بن محمد، فأخذه موسى بن عيسى وعبد الله ابن العباس فقتلاه، فغضب محمد بن سليمان غضبا شديدا، وأخذ رؤوس القتلى فكانت مائة رأس ونيّفا، وفيها رأس سليمان بن عبد الله ابن حسن بن حسن بن على، وأخذت «3» أخت الحسين فتركت عند زينب بنت سليمان، واختلط المنهزمون بالحاج، وأتى الهادى بستة أسرى، فقتل بعضهم واستبقى بعضهم، وغضب على موسى ابن عيسى كيف قتل الحسن بن محمد، وقبض أمواله فلم تزل بيده حتى مات، وغضب على مبارك التركى، وأخذ ماله وجعله سائس الدوابّ، فبقى كذلك حتى مات الهادى، وأفلت من المنهزمين إدريس ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على «4» ، فأتى مصر وعلى بريدها واضح، مولى صالح بن المنصور، وكان شيعيا فحمله على البريد إلى أرض المغرب، فوقع بأرض طنجة بمدينة وليلة، فاستجاب له من بها من البربر، فضرب الهادى عنق واضح وصلبه، وقيل إن
الرشيد هو الذى قتله، وأن الرشيد دسّ إلى إدريس الشمّاخ اليمامىّ، مولى المهدى، فأتاه وأظهر أنه من شيعتهم وعظمه وآثره على نفسه، فمال إليه إدريس وأنزله عنده، ثم إن إدريس شكا إليه مرضا في أسنانه، فوصف له دواء وجعل فيه سما، وأمره أن يستن «1» به عند طلوع الفجر فأخذه منه، وهرب الشمّاخ ثم استعمل إدريس الدواء فمات منه، فولى الرشيد الشمّاخ بريد مصر. قال: ولما مات إدريس ابن عبد الله خلف مكانه ابنه إدريس بن إدريس، وأعقب بها وملكوها، ونازعوا بنى أميّة في إمارة الأندلس، وقد تقدم ذكر ذلك في أخبار الأندلس فلا فائدة في إعادته. قال: وحملت الرؤوس إلى الهادى، فلمّا وضع رأس الحسين بين يديه قال: كأنّكم قد جئتم برأس طاغوت من الطواغيت!! إنّ أقلّ ما أجزيكم أن أحرمكم جوائزكم، فلم يعطهم شيئا.
قال: وكان الحسين شجاعا كريما، قدم على المهدى فأعطاه أربعين ألف دينار، ففرّقها في الناس ببغداد والكوفة، وخرج من الكوفة لا يملك ما يلبسه، إلا وبرا «2» ليس تحته قميص، وهذا غاية في الجود ونهاية في الكرم والإيثار، رحمه الله تعالى وغفر له.
ذكر ظهور يحيى بن عبد الله بن الحسن «1» ابن الحسن بن على بن أبى طالب
كان ظهوره في خلافة الرشيد بن المهدى في سنة ست وسبعين ومائة ببلاد الديلم، واشتدت شوكته وكثرت جموعه، وأتاه الناس من الأمصار، فاغتمّ الرشيد لذلك، فندب إليه الفضل بن يحيى بن خالد البرمكى في خمسين ألفا، وولاه جرجان «2» وطبرستان والرى وغيرها وحمل معه الأموال، فكاتب يحيى بن عبد الله ولطف به وحذره، وأشار عليه وبسط أمله، ونزل الفضل بالطالقان «3» ، بمكان يقال له أشب، ووالى كتبه إلى يحيى، وكاتب صاحب الديلم وبذل له ألف ألف درهم، على أن يسهّل له خروج يحيى بن عبد الله، فأجاب يحيى إلى الصلح على أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه، يشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجلة بنى هاشم ومشايخهم؛ منهم عبد الصمد بن على، فأجابه الرشيد إلى ذلك، وسرّ به وعظمت منزلة الفضل عنده، وسيّر الأمان مع هدايا وتحف، فقدم يحيى مع الفضل بغداد، فلقيه الرشيد بكل ما أحبّ وأمر له بمال كثير، ثم حبسه الرشيد بعد ذلك فمات في
حبسه؛ وكان الرشيد قد عرض كتاب أمان يحيى على محمد بن الحسن الفقيه وعلى أبى البخترى القاضى، فقال محمد: الأمان صحيح، فحاجّه الرشيد، فقال محمد: وما يصنع بالأمان؟ لو كان محاربا ثم ولّى كان آمنا، وقال أبو البخترى: هذا أمان منتقض من وجه كذا، فمزقه الرشيد، وقد ذكرنا خبر يحيى في حبسه فيما تقدّم من كتابنا هذا، عند ذكرنا لأخبار القبض على البرامكة في أيام الرشيد، وأن الرشيد كان قد حبسه عند جعفر، فأطلقه جعفر بغير أمر الرشيد، وقيل بل أخبره بوفاته، ثم نقله إلى خراسان وأودعه عند أميرها على ابن عيسى بن ماهان، وأوصاه به أن يكون عنده موسعا عليه واستكتمه أمره، فكتب علىّ بذلك إلى الرشيد، فكان ذلك سبب زوال نعمة البرامكة، وقد تقدّم ذكر هذه القصّة هناك مبسوطة، ولا فائدة في تكرار ذلك واعادته، فلنذكر خلافه من أخبار من ظهر من الطالبيين.
ذكر ظهور محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب «1» رضى الله عنه وهو المعروف بابن طباطبا
كان ظهوره بالكوفة لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين ومائة، فى خلافة عبد الله المأمون بن الرشيد هارون، وخرج يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، والعمل بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان القيمّ بأمره في الحرب أبو السرايا السرى بن منصور، وهو من ولد هانىء بن قبيصة ابن هانىء بن مسعود الشيبانى، فلما اشتد أمر محمد أراد أن يستقل بالأمر دون أبى السرايا، فسقاه أبو السرايا سما فمات، فى مسهّل شهر رجب من السنة المذكورة، وقد ذكرنا خبره مبيّنا في أخبار المأمون ابن الرشيد. ولما مات محمد بن إبراهيم نصب أبو السرايا مكانه غلاما أمرد يقال له:
محمد بن محمد بن زيد بن على بن الحسين بن على «2» وصار الحكم لأبى السرايا، واستعمل العمّال على البصرة والأهواز وفارس ومكة واليمن، وانتشر الطالبيون في البلاد وقوى أمرهم، إلى أن قتل أبو السرايا وذلك في المحرم سنة مائتين، فاستعيدت البلاد من الطالبيين على ما قدّمناه في أخبار أبى السرايا في خلافة المأمون.
ذكر ظهور ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ابن على بن الحسين «1» بن على بن أبى طالب وما كان من أمره
كان ظهوره بمكة في سنة مائتين في خلافة المأمون، وكان أبو السرايا قد ولاه اليمن، فأتاه الخبر بمقتل أبى السرايا وهو بمكة، فسار إلى اليمن وبها إسحاق بن موسى بن عيسى عاملا للمأمون، فلمّا بلغه قرب إبراهيم من صنعاء سار نحو مكة، واستولى إبراهيم على اليمن، وكان يسمى الجزار لكثرة من قتل باليمن، وسبى وأخذ الأموال، ولم يتمّ أمره ولا أمر غيره ممّن كان أبو السرايا استعملهم، وقد «2» ذكرنا خبر الحسين بن الحسن الأفطس ومحمد بن جعفر وما كان من أمرهما بمكة في أخبار المأمون، ولا فائدة في اعادته «3» ، وقد ذكرنا أيضا خبر محمد بن القاسم بن عمر بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب وخروجه بالطالقان، وما كان من أمره في أخبار المعتصم بالله بن الرشيد في سنة تسع عشرة ومائتين.
ذكر ظهور يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين «1» ابن زيد بن على بن الحسين بن على ابن أبى طالب وهو المكنى بأبى الحسين
وكان ظهوره بالكوفة في سنة خمسين ومائتين في خلافة المستعين بالله، وسبب ظهوره أنه نالته ضائقة، ولزمه دين ضاق به ذرعا، فلقى عمر بن فرج وهو يتولى أمر الطالبيين، فكلمه في صلته فأغلظ له عمر، وحبسه فلم يزل محبوسا حتى كفله أهله، فأطلق وسار إلى بغداد، فأقام بها سنة ثم رجع إلى سامرّا، فلقى وصيفا فكلمه في رزق يجريه له، فأغلظ له وصيف وقال: لأى «2» شىء يجرى على مثلك؟
فانصرف إلى الكوفة وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان الهاشمى، عامل محمد بن عبد الله بن طاهر، فجمع أبو الحسين جمعا كثيرا كثيرا من الأعراب وأهل الكوفة، وأتى الفلّوجة فكتب صاحب البريد بخبره إلى محمد بن عبد الله، فكتب محمد بن عبد الله إلى أيوب «3» وعبد الله بن محمود السرخسى، عامله على معاون السواد، يأمرهما بالاجتماع على حرب يحيى. قال: ومضى يحيى بن عمر إلى بيت مال الكوفة فأخذ ما كان فيه، وهو ألفا دينار وسبعون ألف درهم، وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجون وأخرج من فيها،
وأخرج العمّال عن الكوفة، فلقيه عبد الله بن محمود السرخسى فيمن معه، فضربه يحيى على وجهه ضربة أثخنه بها، فانهزم عبد الله، وأخذ أصحاب يحيى ما كان معهم من الدوابّ والمال، وخرج يحيى إلى سواد الكوفة، وتبعه جماعة من الزيدية وغيرهم إلى ظهر واسط، وأقام بالبستان فكثر جمعه، فوجّه محمد بن عبد الله إلى محاربته الحسين «1» بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب في جمع من أهل النجدة والقوّة، فسار إليه ونزل في مقابلته ولم يقدم عليه، وسار يحيى والحسين فى أثره حتى نزل الكوفة، ولقيه عبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الفلس قبل دخولها، فقاتلة فانهزم عبد الرحمن إلى ناحية شاهى فوافاه الحسين بها، واجتمعت الزيدية إلى يحيى بن عمر، ودعا بالكوفة إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، واجتمع الناس إليه، وتولاه العامّة من أهل بغداد، ولا يعلم أنّهم تولوا أحدا من أهل بيته سواه، وبايعه جماعة من أهل الكوفة ممّن له تدبير وبصيرة في تشيعهم، ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم، وأقام الحسين بشاهى فأراح واستراح، واتصلت به الأمداد، ويحيى بالكوفة يعدّ الرجال ويصلح السلاح، فأشار عليه جماعة من الزيدية ممّن لا علم لهم بالحرب بمعاجله الحسين بن إسماعيل، وألحّوا عليه فزحف إليه في ليلة الإثنين لثلاث عشره ليلة خلت من شهر رجب من السنة، ومعهم الهيضم العجلى وغيره، ورجاله من أهل الكوفة ليس لهم علم بالحرب
ولا شجاعة، وأسروا ليلتهم وصبّحوا حسينا وهو مستريح، فثاروا بهم فى الغلس، فركب أصحاب الحسين وحملوا عليهم فانهزموا، ووضعوا فيهم السيف وأسروا منهم، فكان أوّل من أسر الهيضم العجلى، وانكشف العسكر عن يحيى وعليه جوشن، وقد تقطر «1» به فرسه، فوقف عليه ابن لخالد بن عمران يقال له خير «2» ، فلم يعرفه وظنه من أهل خراسان لما رأى عليه الجوشن، فأمر رجلا فنزل إليه وأخذ رأسه، فعرفه رجل وسيّر الرأس إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، وادعى قتله غير واحد، فبعث محمد الرأس إلى المستعين، فنصب بسامرّا ثم حط وسيّر إلى بغداد لينصب بها، فلم يقدر محمد بن طاهر على ذلك لكثرة من اجتمع من الناس، فلم ينصبه وخاف أن يأخذوه، فجعله في صندوق في بيت السلاح، ووجّه الحسين بن إسماعيل رؤوس من قتل ومن أسر إلى بغداد فحبسوا بها، وكتب محمد بن عبد الله فيهم فأمر بتخليتهم ودفن الرؤوس.
قال: ولما ورد الخير بقتل يحيى على محمد بن عبد الله جلس ليهنأ بذلك، فدخل عليه داود بن الهيثم الجعفرى فقال: أيها الأمير، إنّك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا لعزى به، فما ردّ محمد عليه شيئا، وأكثر الشعراء المراثى في يحيى، لما كان عليه من حسن السيرة والديانة، فمن ذلك قول بعضهم:
بكت الخيل شجوها بعد يحيى
…
وبكاه المهند المصقول