الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الناس، وجنى جالس قبل ذلك على كرسى حديد يبيّن أنّه لا يقاتل وكأنّه يريد قتاله بعد الناس فأسروه، وقاتله ثمل وقاومه وهو منهزم على محاملة ومدافعة، إلى أن تخلصّ وسلم جعفر بن ورقاء وكثير من أصحابه، وقتل كثير من العامّة وغيرهم في الطرقات، ووصل أبو طاهر إلى البلد فرفع السيف ونهب منازل الناس، وأقام بالكوفة ستة أيام بظاهرها يدخل البلد نهارا ويقيم بجامعها إلى الليل، ثم يخرج فيبيت بعسكره، وحمل منها ما قدر على حمله، ودخل المنهزمون بغداد ولم يحجّوا في هذه السنة، وخاف أهل بغداد وانتقل الناس إلى الجانب الشرقى.
قال: ورحل أبو طاهر عن الكوفة في يوم الاثنين لعشر بقين من ذى القعدة، وقتل يوم دخوله أبو موسى العبّاسى صاحب صلاة الكوفة ورحل مؤنس المظفر من بغداد بجيش السلطان عند اتّصال الأخبار ببغداد، فسار منها حتى دخل الكوفة، فكان وصوله إليها بعد رحيل القرامطة عنها، فأقام بها ثلاثة أيام ثم رحل عنها، ثم عاد القرمطى في سنة خمس عشرة.
ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج
قال: وفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة سار أبو طاهر من هجر إلى الكوفة، وكان المقتدر بالله قد استعمل يوسف بن أبى الساج على حرب القرامطة، فاستصعب ابن أبى الساج المسير إلى بلد القرامطة، وثقل مسيره في أرض قفر لكثرة من معه من العساكر، فاحتال على
أبى طاهر وكتب إليه واطمعه في بغداد، وأظهر له المواطأة والتزم بمعاضدته فغرّه بذلك، حتى رحل بعيال وحشم واتباع وصبية، وجيشه على أقوى عدّة تمكّنه، وأقبل يريد الكوفة وعمّيت أخباره عن أهلها، إنّما هى أراجيف، ورحل يوسف بن أبى الساج بجيشه من واسط يريد الكوفة، فسبقه أبو طاهر إليها ودخلها في يوم الخميس لسبع خلون من شوّال من هذه السنة، وأخذ ما يحتاج إليه ونزل عسكره خارج الكوفة ما بين الحيرة إلى ناحية الخورنق، وأقبلت جيوش ابن أبى الساجّ تسيل من كل وجه على غير تعبئة، وأقبل هو في جيشه ورجاله حتى نزل في غربىّ الفرات، وعقد عليه جسرا محاذيا لأبى طاهر، وعبر إليه مستهينا بأمره مستحقرا له لا يرى أنّه يقوم به، وذلك في يوم الجمعة، فأرسل إلى أبى طاهر يدعوه إلى طاعة الخليفة المقتدر بالله أو الحرب في يوم الأحد، فقال:
لا طاعة إلا لله والحرب غدا، فلما كان في يوم السبت لتسع خلون من شوّال سنة خمس عشرة التقوا واقتتلوا قتالا شديدا عامّة النهار، وكثير من عسكر ابن أبى الساج لم يستتم نزوله، وهو جيش يضيق عنه موضعه ولا يملك تدبيره، وقد تفرّق عنه عسكره تفرّقا منتشرا في فراسخ كثيرة، وركبوا من نهب القرى وأذى الناس وإظهار الفجور ما؟؟؟ يمنى كثير من الناس هلاكهم. قال الشريف أبو الحسين: ولمّا لقيه بظهر الكوفة ما بين الحيرة والخورنق والنهرين من الفرات اتّفق له تلول وأنهار وموضع يضيق عن جيشه ولا يتمكّن معه الإشراف عليه، فقدّم بين يديه رجّالة بالرماح والتراس
مع قائد يعرف بابن الزرئيخى «1»
، فأقبل القرمطى نحوه في أربعة آلاف فقاومته الرجّالة طويلا، ثم دخلتها الخيل وتعطفت عليها واضطرب الناس، فوضع فيهم السيف؛ قال الشريف: وأخبرنى بعض الجند قال: كنت والله قبل الهزيمة أريد أن أضرب دابّتى بالسوط فلا يمكننى ذلك لضيق الموضع، ووصل كثير من عسكر القرمطى إلى ابن أبى الساج في مصافه على أتمّ عدّة، فلما التقوا اقتتلوا كأعظم قتال شوهد، وكثرت القتلى والجراح في القرامطة جدا، وقتل رجّالة ابن أبى الساج، وخلص إليه فانهزم الناس وقتلوا قتلا ذريعا، حتى صاروا في بساط واحد نحو فرسخين أو أرجح، فلما كان عند غروب الشمس انهزم أصحاب ابن أبى الساج بعد صبر عظيم، وأسر هو وجماعة كثيرة من أصحابه، وذلك في وقت المغرب من يوم السبت، فوكل به أبو طاهر طبيبا يعالج جراحه، واحتوى القرامطة على عسكر ابن أبى الساج، ولم تكن فيهم قوّة على جمع ما فيه لضعفهم وقتل من قتل منهم، فمكث أهل السواد من الأكرة وغيرهم ينهبون القتلى نحو أربعين يوما، ووصل المنهزمون إلى بغداد بأسوأ حال، فخاف الخاص والعام ببغداد من القرامطة، وكان أبو طاهر القرمطى يظن أن مؤنسا المظفّر لا يتأخّر عن حربه، وكان على وجل منه، فلمّا لم يخرج إليه اشتد طمعه وظن أنّه لا يلقاه أحد ولا يقاومه، وأنّ ما كان قد خدع به من أنّ ببغداد من يظاهره على أمره، وينتظر وصوله إليه من الرؤساء- حق، فخرج يريد بغداد،
فلما قرب من نواحى الأنبار وقصر ابن هبيرة ونزل بسواده وكل بهم جندا ليست بالكثير، وركب في جيشه فوافى الأنبار واحتال إلى أن عبر الفرات وصار من الجانب الغربى، وتوجّه بين الفرات ودجلة يريد مدينة السلام، وعرف الناس ذلك فكثر اضطرابهم وجزعهم، فبرز مؤنس المظفّر الخادم من بغداد للمسير إلى الكوفة، فبلغه أنّ القرامطة قد ساروا إلى عين التمر، فأرسل من بغداد خمسمائة سمارية فيها المقاتلة لتمنع من عبور الفرات، وسيّر جماعة من الجيش لحفظ الأنبار، وقصد القرامطة الأنبار فقطع أهلها الجسور، فنزلوا غرب الفرات وأنفذ أبو طاهر أصحابه إلى الحديثة، فأتوه بسفن فعبر فيها ثلاثمائة من القرامطة، فقاتلوا عسكر الخليفة وقتلوا منهم جماعة واستولوا على الأنبار؛ قال: ولما ورد الخبر بذلك إلى بغداد خرج نصر الحاجب في عسكر جرّار، ولحق بمؤنس المظفّر فاجتمعا في نيّف وأربعين ألفا سوى الغلمان ومن يريد النهب، وكان في العسكر أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته وأصحابهم، فلما أشرف القرامطة على عسكر الخليفة هرب منه خلق كثير إلى بغداد من غير قتال؛ قال ابن الأثير «1»
: كان عسكر القرامطة ألف فارس وسبعمائة فارس وثماثمائة راجل؛ قال: وقيل كانوا ألفين وسبعمائة فارس.
قال الشريف: وسار مؤنس المظفّر حتى نازل القرامطة على قنطرة
نهر زبارا «1»
، على نحو ثلاثة فراسخ من بغداد، وشحن الموضع بالجيش، وأشار أبو الهيجاء بن حمدان بقطع القنطرة خوفا من عبور القرمطى، وإن اتفق أدنى جولة مع امتلاء صدور الجيش من القرامطة فلا يملك البلد لشدة اضطرابه وكثرة أهله، ففعل مؤنس ذلك وقطعها وقاتل عليها نفر من القرامطة قتالا شديدا، لا يمنعهم كثرة النشاب ولا غيره، وشحن مؤنس الفرات ما بين بغداد إلى الأنبار بسماريّات، فيها رماة ناشبة تمنع أحدا من القرامطة من شرب الماء إلا بجهد، فضلا عن تمكن من العبور، وكان أحد من نصب لذلك إسحاق بن إبراهيم بن ورقاء، وكان شيخا ذا دين وبصيرة ونيّة في الخير، فأقام على حصاره لأبى طاهر وكان لا يقدر على مذهب لا إلى وجهه ولا إلى جوانبه، ومتى دنا من الماء أخذته السهام؛ قال الشريف: فحدثنى من حضر يومئذ وقد ورد كتاب المقتدر بالله، يأمر مؤنسا بمعاجلته القتال ويذكر ما لزم من الأموال إلى وقت وصوله، فكتب مؤنس كتابا ظاهرا- جواب كتاب الخليفة- يمليه على كاتبه والناس يسمعون، يقول: إن في مقامنا، أطال الله بقاء مولانا نفقة المال، وفي لقائنا نفقة الرجال، ونحن اخترنا نفقة المال على نفقة الرجال، قال: ثم انفذ المظفر مؤنس رسولا إلى القرمطى يقول: ويلك! تظن أننى كمن لقيك، أبرز لك رجالى والله ما يسرّنى أن أظفر بك بقتل رجل مسلم من أصحابى، ولكنّنى أطاولك وأمنعك مأكولا ومشروبا حتى آخذك أخذا بيدى إن شاء الله؛ قال:
وأنفذ المظفّر حاجيه يلبق في ستة آلاف مقاتل إلى القرامطة، الذين بقصر ابن هبيرة مع سواده، ليوقعوا بهم ويخلّصوا يوسف بن أبى الساج، فعلم أبو طاهر بذلك فاضطرب واجتهد في عبور الفرات فعجز.
ثم اتّفق له طوف حطب فعبر عليه في نفر يسير، وصار إلى سواده الذى خلفه، وجاء يلبق فواقعه أبو طاهر في نفر يسير، فكرّ يلبق راجعا منهزما وسلم السواد وذلك بعد قتال شديد.
ونظر أبو طاهر إلى ابن أبى الساج- وقد خرج من الخيمة، ينظر ويرجو الخلاص، وقد ناداه أصحابه: أبشر بالفرج، فلما تمّت الهزيمة أحضره أبو طاهر وقتله وقتل من معه من الأسرى «1»
، وقصد القرامطة مدينة هيت وكان المقتدر قد سيّر إليها سعيد بن حمدان وهارون بن غريب، فسبقوا القرامطة إليها وقاتلوهم عند السور، فقتل من القرامطة جماعة فعادوا عنها، فرجع مؤنس إلى بغداد وسار أبو طاهر إلى الدالية من طريق الفرات، فقتل من أهلها جماعة ثم سار إلى الرّحبة فدخلها في ثامن عشر المحرم سنة ست عشرة وثلاثمائة، بعد أن حاربه أهلها فظفر بهم ووضع السيف فيهم، فراسله أهل قرقيسيا يطلبون الأمان فأمّنهم على ألا يظهر أحد منهم بالنهار، فأجابوا إلى ذلك، وخافه الأعراب وهربوا من بين يديه، فقرّر عليهم أتاوة عن كل رأس دينار يحملونه إلى هجر، ثم صعد من الرحبة إلى الرقّة فدخل أصحابه إلى نصيبين، وقتلوا بها ثلاثين رجلا وقتل من القرامطة جماعة، وقاتلوا ثلاثة أيام ثم انصرفوا في آخر