الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره
قال: ولما اتّصل الخبر بزكرويه كان القاسم بن أحمد عنده، فردّه إليهم لمعرفتهم به، فلما ورد عليهم جمعهم ووعظهم، وقال: أنا رسول وليّكم وهو عاتب عليكم فيما أقدم عليه الذيب بن القائم، وأنّكم قد ارتددتم عن الدين، فاعتذروا وحلفوا ما كان ذلك بمحبّتهم، وذكروا ما جرى بينهم وبين أهلهم من الخلف والقتل والبعد بهذا السبب، فقال لهم: قد جئتكم الآن بما لم يأتكم به أحد تقدّمنى، وليّكم يقول لكم: قد حضر أمركم وقرب ظهوركم، وقد بايع له من أهل الكوفة أربعون ألفا ومن أهل سوادها أكثر، وموعدكم اليوم الذى ذكره الله، يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى، فأجمعوا أمركم وسيروا إلى الكوفة، فإنه لا دافع لكم عنها، ومنجز وعدى الذى جاءتكم به رسلى، فسرّوا بذلك سرورا كثيرا وارتحلوا نحو الكوفة، فلما وردوا إلى القطقطانة، وهى قرية خراب في البرّ، بينها وبين الكوفة ستة وثلاثون ميلا، وذلك يوم الأربعاء قبل يوم عرفه بيوم من سنة ثلاث وتسعين ومائتين، خلّفوا بها الخدم والأموال ثم أمرهم أن يلحقوا به عين الرحبة على ستة أميال من القادسية، ثم شاور الوجوه من أصحابه فى أى وقت يأتى الكوفة؟ فقال قائل ليلا فلا يتحرك أحد إلا قتلناه، ويخرج إلينا واليها في قلة فنأخذه ونقتله، وقال آخر: نمهل إلى أن ندخلها عشاء في يوم العيد، والجند سكارى والبلد خال، فنقصد باب إسحاق وهو غافل فنأخذه ونقف على بابه، فلا يأتينا أحد إلا
قتلناه، فإنهم لا يأتونا إلا نفر بعد نفر، وكانت شحنة الكوفة يومئذ سبعة آلاف رجل، إلا أن المقيم بالكوفة يومئذ أربعة آلاف من الدميانية والمصريين وغيرهم، والناس فيها أحياء «1» والبلد على غاية الاجتماع والحسن وكثرة الناس، وقال آخرون: نسير ليلتنا ثم نكمن في النجف في شعابه فنريح الخيل والإبل وننام، ونركب عمود الصبح فنشنّها غارة على أهل المصلّى، وقد نزل الجند للصلاة وركب غلمانهم الدوابّ، ونضع السيف وجل أهل البلد هناك، فقال اللعين: هذا هو الرأى، فركبوا وساروا حتى حصلوا في بعض المواضع فناموا، فلم يوقظهم إلا مسّ الشمس يوم العيد، لطفا من الله تعالى بالناس؛ قال: وقد كان أحد ما شغلهم أنهم اجتازوا بقوم من اليهود يدفنون ميتا لهم بالنّخيلة، فشغلهم قتلهم فلم يصلوا إلى الكوفة إلا وقد صلى إسحاق بن عمران بالناس «2» العيد، وانصرف والناس متبدّدون في ظاهر الكوفة ومنهم من قد انصرف، ولاسحاق بن عمران «3» طلائع تتفقد، وكان ذلك لأمور قد أرجف الناس بها فى البلد، من فتن تحدث من غير جهة القرامطة، وقيل كانت عدّتهم ثمانمائة فارس وأربعمائة راجل: وهم يقاتلون على طمع وشبهة، فأقبلوا يقدمهم هذا المكنى بأبى الحسين. قال: وكان أحد الألطاف أنّ إسحاق بن عمران قد أحدث مصلى بالقرب من طرف البلد فصلى فيه، وكان الرجوع منه إلى البلد سهلا، فقصدت القرامطة المصلى العتيق، على ما كانوا يقدرون من اجتماع الناس فيه، فلم بصادفوا فيه أحدا،
فأقبلت خيل منهم من تلك الجهة، فدخلوا الكوفة من يمينها، فوضعوا السيف حتى وصلوا إلى حبسها ففتحوه، وقتلوا كثيرا من الناس وأخرجوا خلقا، فارتجت الكوفة وخرج الناس بالسلاح، وتكاثر الناس على من دخل الكوفة من القرامطة، فقذفوهم بالحجارة فقتل منهم جماعة، وأقبل جل القوم نحو الخندق فقتلوا ناسا، وناوشهم طوائف من الجند تخلفوا بالصحراء وبعض ما كان أنفذ إسحاق بن عمران طليعة، فقتلوا بعضهم وأفلت بعضهم إلى البلد، وكان إسحاق بن عمران قد انصرف في أحسن زى وأجمله، فلما صار قرب داره تفرّق الجيش عنه إلا خواصا، كان قد عمل لهم سماطا في داره، فلما سار في بعض الطريق لحقه فارس من بنى أسد على فرس له بلقاء، قد طعنت في عنقها ودمها سائل على كتفها إلى الحافر، فشق الجند وزاحم غلمانه وجاوز إسحاق بن عمران، ثم قلب رأس فرسه إليه فوقف له، فقال: جاءتنا أيها الأمير خيل من الأعراب، فقتلت وسلبت وخرجت إلى الصحراء، فلما رددناهم طعنت فرسى، فقلب إسحاق بن عمران فرسه راجعا، وأمر بإخراج الجند نحو الخندق، وبين يدى إسحاق بن عمران نحو من ستين راجلا، ومعه غلمانه ونفر يسير من الجند، حتى إذا صار عند قصر عيسى بن موسى ومعه أبو عيسى صالح بن على بن يحيى الهاشمى يسايره فالتفت إليه، وقال: خذ هؤلاء الرجّالة وامض إلى قنطرة بنى عبد الوهاب- وهى إحدى قناطر الخندق- فاكشفها، فأخذهم ومضى، وتقدّم إلى عبد الله الحسين بن عمر العلوى أن يدور في البلد ويسكّن الناس، فدار وعليه السواد فسكن الناس، وخرج كثير
من الناس بالسلاح، وتفرّق من دخل الكوفة من القرامطة لمّا رماهم أهلها، وقتل بعض القصابين رجلا منهم بساطور، وكان فيمن تفرّق منهم رجل من كلب يعرف بالمقلقل، وهو أحد رجالهم وشجعانهم في جمع معه، فأفضى به الطريق إلى دار عيسى بن على، فلقيهم أحد الفرسان من الجند يعرف بالوردانى، قد ركب لمّا سمع الصيحة، فلم يشك أنّهم من الجند لما رأى من كثرة الجواشن عليهم والدروع، فقال لهم: سيروا يا أصحابنا، فأمسكوا عنه حتى توسّطهم ثم عطفوا عليه بالسيوف فقتلوه، وأخذوا دابّته وساروا نحو الخندق للقاء أصحابهم، فلما صاروا بالصحراء من الكوفة نظر إليهم أبو عيسى، فلم يشك أنّهم من أصحاب السلطان، ثم نظر إليهم وقد لقوا جماعة من العامّة، فأقبلوا يسلبونهم، فتبيّن أمرهم فحمل عليهم فعدلوا عن سلب أولئك، وحمل فارسهم المقلقل- وكان رجلا عظيما جسيما- وفي يده سيف عريض، فالتقى هو وأبو عيسى فطعنه أبو عيسى تحت ثندوته «1» فصرعه، فحذفه المقلقل بالسيف فأصاب جحفلة «2» فرسه فعقره، وأمر أبو عيسى بعض الرجّالة فاحتزّ رأسه ووجّه به إلى إسحاق بن عمران، وقد رفع رأسه، فكان ذلك أحد ما كسرهم؛ قال: واجتمعت الخيل والرجّالة فقاتلهم إسحاق بمن معه- وليسوا بالكثيرين- قتالا شديدا، فى يوم صائف شديد الحرّ طويل إلى الزوال، وخرج الناس من العامّة فانصرف القرامطة مكدودين