الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه
كان خروجه في شوّال سنة خمس وخمسين ومائتين- فى خلافة المهتدى بالله- بفرات البصرة، وزعم أنّه على بن محمد بن أحمد بن على بن عيسى بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، وجمع الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ، وعبر دجلة فنزل الدينارى.
قال أبو جعفر «1» الطبرى: وكان اسمه على بن محمد بن عبد الرحيم، ونسبه في عبد القيس، وأمّه ابنة «2» على بن رحيب بن محمد بن حكيم من أهل الكوفة، وهو أحد الخارجين على هشام بن عبد الملك، مع زيد بن على بن الحسين، فلما قتل زيد هرب والتحق بالرى، فجاء إلى قرية ورزنين فأقام بها، وجدّه عبد الرحيم رجل من عبد القيس، كان مولده بالطالقان وقدم العراق، واشترى جارية فأوكدها محمدا أباه.
قال: وكان صاحب الزنج هذا في ابتداء أمره متصلا بجماعة من حاشية المنتصر، منهم غانم الشطرنجى وسعيد الصعير، وكان معاشه منهم ومن أصحاب السلطان، وكان يمدحهم ويستميحهم بشعره، ثم إنّه شخص من سامرّا سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين، فادعى
بها أنّه على بن عبد الله «1» بن محمد بن الفضل بن حسن بن عبيد الله ابن عباس بن على بن أبى طالب، ودعا الناس بهجر إلى طاعته، فاتبعة جماعة كثيره من أهلها ومن غيرها، فجرى بين الطائفتين عصبيّة قتل فيها جماعة.
قال: وكان أهل البحرين قد أخلّوه محل نبى، وجبا الخراج ونفذ فيهم حكمه، وقاتلوا أصحاب السلطان بسببه، ثم تنكّر له منهم جماعة، فانتقل عنهم إلى الأحسّاء، ونزل على قوم يقال لهم بنو الشمّاس من بنى سعد بن تميم فأقام فيهم، وفي صحبته جماعة من البحرين، منهم يحيى بن محمد الأزرق البحرانى، وسليمان بن جامع- وهو قائد جيشه وكان ينتقل في البادية فذكر عنه أنه قال: أوتيت في تلك الأيام آيات من آيات إمامتى، ظاهرة للناس، منها إنى لقّنت سورا من القرآن فجرى بها لسانى، فى ساعة واحدة وحفظتها في دفعة واحدة، منها سبحان «2» والكهف وص، ومنها أنى فكرت في الموضع الذى أقصده حيث نبت بى البلاد فأظلتنى غمامة، وخوطبت منها فقيل لى: اقصد البصرة، وقيل عنه إنه قال لأهل الباديه إنّه يحيى بن عمر أبو الحسين، المقتول بالكوفه، فخدع أهلها فأتاه منهم جماعة كثيرة، فزحف بهم إلى الرّدم «3» من البحرين، فكانت بينهم وقعة عظيمة، وكانت الهزيمة عليه وعلى أصحابه، قتلوا قتلا ذريعا فتفرّقت الأعراب عنه، فسار ونزل البصرة
فى بنى ضبيعة، فاتبعه منهم جماعة منهم على بن أبان المهلبى، وكان قدومه البصرة في سنة أربع وخمسين ومائتين، وعاملها يوم ذاك محمد ابن رجاء الحضارىّ.
فوافق قدومه فتنة أهل البصرة، بالبلالية والسعديّة، فطمع في إحدى الطائفتين أن تميل إليه، فأرسل إليهم يدعوهم فلم يجبه «1» من أهل البلد أحد، وطلبه ابن رجاء فهرب، فأخذ جماعة ممن كانوا يميلون إليه وحبسهم، وكان ممّن حبس ابنه وابنته وزوجته وجارية له حاملا منه، وسار يريد بغداد ومعه من أصحابه محمد بن سلم، ويحيى بن محمد، وسليمان بن جامع، وبريش «2» القريعى، فلما صار بالبطيحة نذر به وبأصحابة، فدخل بغداد فأقام بها حولا، فانتسب إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد، فزعم بها أنه ظهر له آيات عرف بها ما في ضمائر أصحابه، وما يفعله كل واحد منهم، فاستمال جماعة من أهل بغداد منهم جعفر بن محمد الصّوحانى، ومحمد بن القاسم، ومشرق ورفيق غلاما يحيى بن عبد الرحمن، فسمّى مشرفا حمزة وكناة أبا أحمد، وسمّى رفيقا جعفرا وكنّاه أبا الفضل، واتفق عزل محمد بن رجاء عن البصرة، فوثب رؤساء البلالية والسعدية فأخرجوا من كان في الحبس، فخلص أهله فيهم، فلما بلغه خلاص أهله رجع إلى البصرة، وكان رجوعه في شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين، ومعه على بن
أبان ويحيى بن محمد وسليمان ومشرق ورفيق، فوافوا البصرة فنزل بقصر القرشى على نهر يعرف بعمود ابن المنجّم، وأظهر أنّه وكيل لولد الواثق في بيع السباخ.
قال «1» : وذكر ريحان، أحد غلمان الشورجيين وهو أوّل من صحبه منهم، قال: كنت موكّلا بغلمان مولاى أنقل لهم الدقيق فأخذنى أصحابه فصاروا بى إليه، وأمرونى أن أسلّم عليه بالإمرة ففعلت، فسألنى عن الموضع الذى جئت منه فأخبرته، وسألنى عن أخبار البصرة فقلت لا علم لى، وسألنى عن غلمان الشورجيين وعن أحوالهم وما يجرى لهم فأعلمته، فدعانى إلى ما هو عليه فأجبته، فقال: إحتل فيمن قدرت عليه من الغلمان فأقبل بهم، ووعدنى أن يقوّدنى على من آتيه به، واستحلفنى ألّا أعلم أحدا بموضعه وأن أرجع إليه، وخلّى سبيلى وعدت إليه من الغد، وقد أتاه جماعة من غلمان الدبّاسين، فكتب في حريرة (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
…
الآية) «2» ورفعها علما، وما زال يدعو غلمان أهل البصرة وهم يقبلون إليه، للخلاص من الرق والتعب، حتى اجتمع عنده خلق كثير، فخطبهم ووعدهم أن يقوّدهم ويملّكهم، وحلف لهم الأيمان ألّا يغدر بهم ولا يخذلهم، ولا يدع شيئا من الإحسان إلا أتى به إليهم، فأتاه مواليهم وبذلوا له عن كل عبد خمسة دنانير، ليسلّم إليه عبده، فبطح أصحابهم وأمر كل عبد أن يضرب مولاه أو وكيل
مولاه خمسمائة شطب «1» ، ثم أطلقهم فمضوا نحو البصرة.
ثم ركب في سفن هناك فعبر دجيلا إلى نهر ميمون، فأقام هناك والسودان تجتمع إليه إلى يوم الفطر، فخطبهم وصلّى بهم وذكرهم ما كانوا فيه من الشقاء وسوء الحال، وأنّ الله تعالى أنقذهم من ذلك، وأنّه يريد أن يرفع أقدارهم ويملّكهم العبيد والأموال، فلما كان بعد يومين رأى أصحابه الحميرىّ، فقاتلوه حتى أخرجوه من دجلة، فاستأمن إلى صاحب الزنج رجل يكنى بأبى صالح ويعرف بالقصير، فى ثلاثمائة من الزنج، فلما كثروا جعل القوّاد منهم، وقال لهم: من أتى منكم برجل فهو مضموم إليه، وكان ابن أبى عون قد نقل من واسط إلى ولاية الأبلة وكور دجلة، وسار قائد الزنج إلى المحمديّة، فلما نزلها وافاه أصحاب ابن أبى عون، فصاح الزنج: السلاح!! وقاموا وكان منهم فتح الحجّام، فقام وأخذ طبقا كان بين يديه، فلقيه رجل من الشورجيين يقال له بلبل، فلما رآه فتح حمل عليه وحذفه بالطبق الذى بيده، فرمى سلاحه وولّى هاربا، وانهزم أصحابه وكانوا أربعة آلاف، وقتل منهم جماعة ومات بعضهم عطشا، وأسر منهم فضرب أعناقهم، ثم سار إلى القادسيّة فنهبها أصحابه بأمره، وما زال يتردّد إلى أنهار البصرة، فوجد بعض السودان دارا لبعض بنى هاشم فيها سلاح فانتهبوه، فصار معهم ما يقاتلون به.
فأتاه وهو بالسّيب جماعة من أهل البصرة يقاتلونه، فوجّه يحيى
ابن محمد في خمسمائة رجل فلقوا البصريين، فانهزم «1» البصريون منهم وأخذوا سلاحهم، ثم قاتل طائفة أخرى عند قرية تعرف بقرية اليهود «2» فهزمهم أيضا، وأثبت أصحابه في الصحراء، ثم أسرى إلى الجعفريّة فوضع في أهلها السيف، فقتل أكثرهم وأتى منهم بأسرى فأطلقهم، ولقى جيشا كبيرا للبصريين مع رميس وعقيل، فهزمهم وقتل منهم خلقا كثيرا، وكان معهم سفن فهبّت ريح فألقتها إلى الشط، فنزل الزنج وقتلوا من وجدوا فيها وغنموا ما فيها، وكان مع رميس سفن فركبها ونجا، فأنفذ صاحب الزنج فأخذها ونهب ما فيها، ثم نهب القرية المعروفة بالمهلبيّة وأحرقها، وعاث في الأرض وأفسد، ثم لقيه قائد من قواد الأتراك، يقال له أبو هلال في أربعة آلاف مقاتل، فاقتتلوا على نهر الريّان، فحمل السودان عليهم حملة صادقة، فقتلوا صاحب علمه فانهزم أبو هلال وأصحابه، وتبعهم السودان فقتلوا من أصحاب أبى هلال أكثر من ألف وخمسمائة رجل، وأخذوا منهم أسرى فأمر صاحب الزنج بقتلهم، ثم أتاه من أخبره أنّ الزينبى قد أعدّ له الجند والمتطوّعة والبلاليّة والسعديّة، وهم خلق كثير، وأنّهم قد أعدّوا الحبال لتكتيف من يأخذونه من السودان، وأنّ المقدّم عليهم أبو منصور أحد «3» موالى الهاشميين، فأرسل على بن أبان في مائة أسود ليأتيه بخبرهم، فلقى طائفة منهم فهزمهم، وصار من معهم من العبيد إلى على بن أبان، وأرسل طائفة أخرى من أصحابه، إلى موضع فيه ألف
وتسعمائة سفينة ومعها من يحفظها، فلما رأوا الزنج هربوا عنها، فأخذ الزنج السفن وأتوا صاحبهم بها، فلما أتوه جلس على نشز من الأرض، وكان في السفن قوم حجّاج أرادوا أن يسلكوا طريق البصرة، فناظرهم فصدقوه في قوله، وقالوا له: لو كان معنا فضل نفقة لأقمنا معك فأطلقهم، وأرسل طليعة تأتيه بخبر ذلك العسكر فأتاه بخبرهم: أنّهم قد أتوه بخلق كثير، فأمر محمد بن سلم «1» وعلى بن أبان أن يعقدوا لهم بالنخيل، وقعد هو على جبل مشرف، فلم يلبث أن طلعت الأعلام والرجال، فأمر الزنج فكبّروا وحملوا عليهم، فحملت الخيول فتراجع الزنج حتى أتوا لجبل، ثم حملوا فثبتوا لهم، وقتل من الزنج فتح الحجّام، وصدق الزنج الحملة فأخذوهم بين أيديهم، وجرح محمد بن سلم، وحملوا عليهم فقتلوا منهم، وانهزم الناس وذهبوا كل مذهب، وتبعهم السودان إلى نهر بيان فوقعوا في الوحل، فقتلهم السودان وغرق كثير منهم، وأتى الخبر إلى الزنوج بأنّ لهم كمينا، فساروا إليه فإذا الكمين في ألف من المغاربة، فقاتلوهم قتالا شديدا، ثم حمل السوان عليهم فقتلوهم أجمعين وأخذوا سلاحهم، ثم وجّه أصحابه فرأوا مائتى سفينة، فيها دقيق فأخذوه ومتاع فنهبوه، ونهب المعلّى بن أيوب «2» ، ثم سار فرأى مسلحة الزينبى فقاتلوه، فقاتلهم فقتلهم أجمعين، وكانوا مائتين، ثم سار فنهب قرية منذران «3» ، ورأى فيها جمعا من الزنج
ففرقهم على قوّاده، ثم سار فلقيه ستمائة فارس مع سليمان؛ ابن أخى الزينبىّ، ولم يقاتله فأرسل من ينهب، فأتوه بغنم وبقر فذبحوا وأكلوا، وفرّق أصحابه في انتهاب ما هناك.
ثم سار صاحب الزنج يريد البصرة، حتى إذا قابل النهر المعروف بالرياحى، أتاه قوم من السودان، فأعلموه أنّهم رأوا في الرياحى بارقة، فلم يلبث إلا يسيرا حتى تنادى السودان: السلاح السلاح!! فأمر على بن أبان بالعبور إليهم، فعبر في ثلاثمائة رجل، وقال له:
إن احتجت إلى مدد فاستمدنى، فلما مضى على بن أبان صاح الزنج، السلاح السلاح!! لحركة رأوها في جهة أخرى، فوجّه محمد بن سلم بجمع فحاربهم من وقت الظهيرة إلى وقت العصر، ثم حمل الزنوج حملة صادقة فهزموهم، وقتلوا من أهل البصرة والأعراب زهاء خمسمائة، ورجعوا إلى صاحبهم، ثم أقبل على بن أبان في أصحابه- وقد هزموا من بإزائهم وقتلوا منهم، ومعه رأس ابن أبى الليث «1» البلالى القواريرى من أعيان البلالية، ثم سار من الغد عن ذلك المكان، ونهى أصحابه عن دخول البصرة، فتسرّع بعضهم فلقيهم أهل البصرة في جمع عظيم، وانتهى الخبر إليه فوجّه محمد بن سلم وعلى بن أبان ومشرقا وخلقا كثيرا، وجاء هو يسايرهم فلقوا البصريين، فأرسل إلى أصحابه ليتأخروا عن المكان الذى هم فيه، فتراجعوا فأكبّ عليهم أهل البصرة فانهزموا، وذلك عند العصر «2» ، ووقع الزنوج في نهر كبير، وقتل
منهم جماعة وغرق جماعة وتفرّق الباقون، وتخلّف صاحبهم عنهم وبقى في نفر يسير فنجا، تم لحقهم وهم متحيّرون لفقده، وسأل عن أصحابه فإذا ليس معه منهم إلا خمسمائة رجل، فأمر بالنفخ في البوق الذى يجتمعون إليه، فنفخ فيه فلم يأته أحد، وكان أهل البصرة قد انتهبوا السفن التى كانت للزنوج وبها متاعهم، فلما أصبح رأى أصحابه في ألف رجل، فأرسل محمد بن سلم إلى أهل البصرة يعظهم ويعلّمهم: ما الذى دعاه إلى الخروج؟ فقتلوه، فلما كان يوم الاثنين لأربع «1» عشرة خلت من ذى القعدة سنة خمس وخمسين ومائتين جمع أهل البصرة وحشدوا، لما رأوا من ظهورهم عليه، وانتدب لذلك رجل يعرف بحمّاد «2» الساجىّ وكان من غزاة البحر، وله علم في ركوب السفن، فجمع المطوّعة ورماة الأهداف وأهل المسجد الجامع ومن خفّ معه من البلاليّة والسعديّة وغيرهم، وشحن ثلاثة مراكب مقاتلة، ومضى جمهور الناس رجّالة، منهم من معه سلاح ومنهم نظّارة، فدخلت المراكب في المدّ والرجّالة على شاطىء النهر، فلما علم صاحب الزنج بذلك وجّه طائفة من أصحابه مع زريق «3» الأصفهانى كمينا في شرفىّ النهر، وطائفة مع شبل وحسين الحمّامى فى غربيّه كمينا، وأمر على بن أبان أن يلقى أهل البصرة وأن يتستر هو ومن معه- بتراسهم، ولا يقاتل حتى يظهر أصحابه، وتقدّم إلى
الكمينين- إذا جازوهم «1» أهل البصرة- أن يخرجوا ويصيحوا بالناس، وبقى هو في نفر يسير من أصحابه، وقد هاله ما رأى من كثرة الجمع، فثار أصحابه إليهم وظهر الكمينان من جانبى النهر وراء السفن والرجّالة، فضربوا من ولّى من الرجّالة والنظّارة، فغرقت طائفة وقتلت طائفة وهرب الباقون إلى الشط، فأدركهم السيف فمن ثبت قتل، ومن ألقى نفسه في الماء غرق، فهلك أكثر ذلك الجمع فلم ينج إلا الشريد، وكثر المفقودون من أهل البصرة، وعلا العويل من نسائهم، وهذا اليوم يسمى يوم الشذا «2» - وهو يوم أعظمه الناس، وكان فيمن قتل جماعة من بنى هاشم وغيرهم في خلق كثير لا يحصى، وجمعت الرؤوس لصاحب الزنج، فأتاه جماعة من أولياء المقتولين فأعطاهم ما عرفوا، وجمع الرؤوس التى لم تطلب في جريبيّة «3» وأطلقها، فوافت البصرة فجاء الناس وأخذوا كلّ ما عرفوه منها، وقوى صاحب الزنج بعد هذا اليوم، وتمكّن الرعب في قلوب أهل البصرة وأمسكوا عن حربه، وكتب الناس إلى الخليفة بخبر ما كان، فوجّه إليهم جعلان التركى مددا، وأمر بالأحوص «4» الباهلى بالمصير إلى الأبلّة والبا، وأمدّه بقائد من الأتراك يقال له جريح، وانصرف
صاحب الزنج بأصحابه في آخر النهار إلى سبخة- وهى سبخة أبى قرّة- وبثّ أصحابه يمينا وشمالا للغارة والنهب.
ووصل جعلان إلى البصرة في سنة ست وخمسين ومائتين، ونزل بمكان بينه وبين صاحب الزنج فرسخ، وخندق عليه وعلى أصحابه وأقام ستة أشهر في خندقه، وجعل يوجّه الزينبىّ وبنى هاشم ومن خفّ لحرب الزنج، ثم سار جعلان للقائه فلم يكن بينهم إلا الرمى بالحجارة والسهام، ولا يجد جعلان إلى لقائه سبيلا لضيق المكان عن مجال الخيل، وكان أكثر أصحاب جعلان خيّالة، فلما طال مقامه في خندقه أرسل صاحب الزنج أصحابه إلى مسالك الخندق، فبيّتوا جعلان وقتلوا من أصحابه جماعة، وخاف الباقون خوفا شديدا، وكان الزينبىّ قد جمع البلاليّة والسعديّة ووجّه بهم من مكانين، وقاتلوا صاحب الزنج فظفر بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، فترك جعلان خندقه وسار إلى البصرة، وظهر عجزه للسلطان فصرفه عن حرب الزنج، وأمر سعيد الحاجب بمحاربتهم، وتحوّل صاحب الزنج بعد ذلك من السبخة- التى كان فيها- ونزل بنهر أبى الخصيب، وأخذ أربعة وعشرين مركبا من مراكب البحر، وأخذ منها أموالا عظيمة لا تحصى، وقتل من فيها وأنهبها أصحابه ثلاثة أيام، وأخذ لنفسه بعد ذلك من النهب.