المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

قال ابن الأثير «1»

وكان بجكم الرايقى قد بذل لهم فيه خمسين ألف دينار، فلم يردّوه وردّوه الآن بغير شىء، وذلك في ذى القعدة من السنة، فكان مكثه عندهم اثنتين وعشرين سنة إلا أياما، وحكى ابن الأثير «2»

في سبب ردّه: أنّ عبيد الله المنعوت بالمهدى القائم ببلاد المغرب والمستولى عليها كتب إلى القرمطى ينكر فعله ويلومه ويلعنه، ويقول أخفقت علينا سعينا وأشهرت دولتنا بالكفر والإلحاد بما فعلت، ومتى لم ترد على أهل مكة ما أخذته وتعيد الحجر الأسود إلى مكانه وتعيد كسوة الكعبة فأنا برىء منك في الدنيا والآخرة. فلما وصل هذا الكتاب أعيد الحجز إلى مكة شرّفها الله تعالى.

‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

قال الشريف أبو الحسين رحمه الله تعالى: وفي سنة ستين وثلاثمائة سار الحسن بن أحمد بن أبى سعيد الجنّابى، وهو الذى انتهى إليه أمر القرامطة، من بلده إلى الكوفة، وعزم على قصد الشام وسبب ذلك أنّه كان قد تقرّر للقرامطة في الدولة الاخشيديّة من مال دمشق في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، فلما ملك المعز لدين الله العبيدى الديار المصرية، واستولى جعفر بن فلاح على الشام، علموا أن ذلك يفوّتهم، فسار الحسن بن أحمد إلى الكوفة، وراسل بختيار الديلمى

ص: 304

أحد ملوك الدولة البويهية، في طلب السلاح والمساعدة، فأنفذ إليه خزانة سلاح من بغداد وسبب له على أبى تغلب بن ناصر الدولة بن حمدان بأربعمائة ألف درهم، فرحل الحسن من الكوفة حتى أتى الرحبة وعليها أبو تغلب بن حمدان، فحمل إليه المال المسبّب له به عليه وحمل إليه العلوفة، وأرسل إليه يقول: هذا شىء كنت أردت أن أسير أنا فيه بنفسى، وأنت تقوم مقامى فيه، وأنا مقيم في هذا الموضع إلى أن يرد علىّ خبرك، فإن احتجت إلى مسيرى سرت إليك، ونادى في عسكره: من أراد المسير من الجند الإخشيدية وغيرهم إلى الشام مع الحسن بن أحمد فلا اعتراض عليه، فقد أذنّا له في المسير والعسكران واحد، فخرج إلى عسكر القرمطى جماعة من عسكر أبى تغلب، وكان فيه كثير من الإخشيدية الذين كانوا بمصر وفلسطين، صاروا إليه لما انهزموا من المغاربة عند ملكهم الديار المصريّة بعد الدولة الإخشيدية؛ قال: وسبب مظاهرة ابن حمدان للقرمطى أنّه كان قد وقع بينه وبين جعفر بن فلاح مراسلات، أغلظ جعفر فيها على أبى تغلب وتهدّده بالمسير إليه، فلما أرسل ابن جعفر إلى الحسن ابن أحمد هذه الرسالة ومكّن الجند من المسير معه سرّه ذلك وزاد قوّة، وسار عن الرّحبة وقرب من أرض دمشق ووصل إلى ضياع المرج فظفرت خيله برجل مغربى يقال له على بن مولاه، فقتلوه وقتلوا معه جماعة من المغاربة فوقعت الذلّه على المغاربه، وكان ظالم بن موهوب العقيلى على مقدّمة القرامطة في جمع من بنى عقيل وبنى كلاب، فلقى المغاربة في صحراء المزّة وأقبل شبل بن معروف العقيلى معينا لظالم، ولم يزل القتال بينهم إلى أن أقبل الحسن بن أحمد القرمطى فقوى العقيليون،

ص: 305

وتشمّرت المغاربة ولم يزل القتال إلى العصر، ثم حمل ظالم ومن معه فانهزمت المغاربة وأخذهم السيف وتفرّقوا، وقتل جعفر بن فلاح ولم يعرف، واشتغلت العرب بنهب العسكر، وكانت هذه الوقعة في يوم الخميس لست خلون من ذى القعدة سنة ستين وثلاثمائة، فلما كان بعد الوقعة عثر بجعفر بن فلاح من عرفه وهو مقتول مطروح على الطريق، فاشتهر خبره في الناس، ثم نزل الحسن بن أحمد بعد الوقعة على ظاهر المزّة فجبى مالا من البلد وسار يريد الرملة، وكان جوهر القائد قد أنفذ من مصر رجلا من المغاربة يقال له سعادة بن حيّان ذكر أنّه في أحد عشر ألفا، فلما بلغ ابن حيّان أن ابن فلاح قد قتل وجاءه بعد ذلك قوم من المنهزمين فأخبروه بخبر الواقعة، تحيّر وتقطّعت به الأسباب، فلم تكن له جهة غير الدخول إلى يافا، ولم يكن له بها عدّة ولا دار، فلما دخل إليها جاءه الحسن بن أحمد فنزل عليها، واجتمعت إليه عرب الشام فنازلها وناصبها بالقتال، حتى اشتدّ الحصار وقلّ ما بها جدا، وكان يدخل إليها شىء سرا فجعل عليها حرسا، فمن وجد معه شىء من الطعام يريد الدخول به إلى يافا ضربت عنقه، فلما طال بهم الأمر أكلوا دوابّهم وجميع ما عندهم من الحيوان، ثم هلك أكثرهم من الجوع، وكان الحسن بن أحمد قد سار عن يافا نحو مصر، وخلّف على حصارها أبا المنجّى وظالما العقيلى ونزل على مصر يوم الجمعة مسّتهلّ شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وثلاثمائة، فقاتل المغاربة على الخندق الّذى لمدينتهم، وقتل كثيرا منهم خارج الخندق وحاصرهم شهورا، ثم رحل عنها إلى الأحساء ولم يعلم الناس ما كان السبب في ذلك، فلما تيقنت المغاربة أنّه قد رحل

ص: 306

إلى بلده أنفذ جوهر القائد ابن أخته نحو يافا، وبلغ من عليها يحاصرها أن الحسن بن أحمد رحل عن مصر، وأنّ إبراهيم ابن أخت جوهر خارج يريد يافا، فسار القوم عنها وتوجّهوا نحو دمشق، فنزلوا بعسكرهم على ظاهرها، فجرى بين ظالم وأبى المنجّى كلام وخلاف ذكر أنّه بسبب أخذ الخراج، وكان كل واحد منهما يريد أخذه للنفقة في رجاله، وكان أبو المنجى كبيرا عند القرمطى يستخلفه على تدبير أحواله.

قال: ولما رحل القوم عن يافا إلى دمشق جاءها إبراهيم ابن أخت جوهر القائد، فأخرج من كان بها وسار بهم إلى مصر، ورجع الحسن ابن أحمد فنزل الرمله، ولقيه أبو المنجّى وظالم فذكر أبو المنجّى للحسن ابن أحمد ما جرى من ظالم وما تكلّم به، فقبض عليه ولم يزل محبوسا حتى ضمنه شبل بن معروف فخلّى سبيله، فهرب إلى شط الفرات إلى حصن كان له في منزل بنى زياد، ثم إنّ الحسن بن أحمد طرح مراكب في البحر وجعل فيها رجالا مقاتلة، وجمع كل من قدر عليه من العرب وغيرهم وتأهّب للمسير إلى مصر، وكان جوهر يكتب إلى المعز لدين الله إلى القيروان بما جرى على عسكره، من القتل والحصار والقتل، أن الحسن بن أحمد يقاتلهم على خندق عسكرهم، وقد أشرف على أخذ مصر فقلق من ذلك قلقا شديدا، وجمع من يقدر عليه وسار إلى مصر، وهو يظن أنها تؤخذ قبل أن يصل إليها، فدخلها في يوم الثلاثاء لخمس خلون من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وكان شديد الخوف من الحسن بن أحمد، فلما نزل مصر عزم على أن يكتب إلى الحسن بن أحمد كتابا يعرّفه فيه أن المذهب واحد،

ص: 307

وأنهم منهم استمدوا، وأنّهم ساداتهم في هذا الأمر، وبهم وصلوا إلى هذه المرتبة وترهّب عليه، وكان غرض المعز لدين الله العبيدى في ذلك أن يعلم من جواب القرمطى ما في نفسه، وهل خافه لما وافى مصر أم لا؟ قال: والحسن بن أحمد يعرف أنّ المذهب واحد، لأنّه يعلم الظاهر من مذهبهم والباطن، لأن الجميع اتّفقوا على تعطيل الخالق وإباحة الأنفس والأموال وبطلان النبوّة، فهم متفقون على المذهب، وإذا تمكّن بعضهم من بعض يرى قتله ولا يبقى عليه.

قال الشريف: وكان عنوان الكتاب:

من عبد الله ووليّه وخيرته وصفيّه معدّ أبى تميم بن إسماعيل المعزّ الدين الله أمير المؤمنين، وسلالة خير النبيّين ونجل علىّ أفضل الوصيّين إلى الحسن بن أحمد، ونسخة الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم- رسوم النطقاء ومذاهب الأئمة والأنبياء ومسالك الرسل والأوصياء، السالف والآنف منّا صلوات الله علينا وعلى آبائنا، أولى الأيدى والابصار في متقدّم الدهور والأكوار وسالف الأزمان والأعصار عند قيامهم بأحكام الله، وانتصابهم لأمر الله، بالابتداء بالإعذار والانتهاء بالإنذار، قبل إنفاذ الأقدار في أهل الشقاق والإصرار، لتكون الحجّة على من خالف وعصى، والعقوبة على من بان وغوى، حسبما قال الله جلّ وعزّ (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)

«1»

(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ)

«2»

وقوله سبحانه

ص: 308

(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

«1»

(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ)

«2»

، أما بعد أيها الناس:

فإنا نحمد الله بجميع محامده ونمجّده بأحسن مماجدة، حمدا دائما أبدا ومجدا عاليا سرمدا، على سبوغ نعمائه وحسن بلائه، ونبتغى إليه الوسيلة بالتوفيق والمعونة، على طاعته والتسديد في نصرته، ونستكفيه ممايلة الهوى والزيغ عن قصد الهدى، ونستزيد منه إتمام الصلوات وإفاضة البركات وطيب التحيات، على أوليائه الماضين وخلفائه التالين، منّا ومن آبائنا الراشدين المهديين المنتخبين، الذين قضوا بالحقّ وكانوا به يعدلون.

أيها الناس (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها)

«3» ليتذكّر من تذكر وينذر من أبصر واعتبر. أيها الناس: إن الله جلّ وعزّ إذا أراد أمرا قضاه، وإذا قضاه أمضاه، وكان من قضائه فينا قبل التكوين أن خلقنا أشباحا، وأبرز أرواحنا بالقدرة مالكين، وبالقوّه قادرين، حين لاسماء مبنيّة، ولا أرض مدحيّة، ولا شمس تضىء، ولا قمر يسرى، ولا كوكب يجرى، ولا ليل يجنّ، ولا أفق يكنّ، ولا لسان ينطق ولا جناح يخفق، ولا ليل، ولا نهار، ولا فلك دوّار، ولا كوكب سيّار، فنحن أوّل الفكرة، وآخر العمل بقدر ومقدور، وأمر في القدم مبرور، فعند ما تكامل الأمر وصحّ العزم

ص: 309

أنشأ الله جلّ وعز المنشآت فأبدأ الأمّهات من هيولانا، فطبعنا أنوارا وظلمة وحركة، وسكونا، فكان من حكمه السابق في عمله ما ترون من فلك دوّار، وكوكب سيّار، وليل ونهار، وما في الآفاق من آثار معجزات، وأقدار باهرات، وما في الأقطار «1» من الآثار، وما في النفوس من الأجناس والصور والأنواع، من كثيف ولطيف، وموجود ومعدوم وظاهر وباطن، ومحسوس وملموس، ودان وشاسع، وهابط وطالع كل ذلك لنا ومن أجلنا، دلالة علينا وإشارة إلينا، يهدى الله ما كان له لب سجيح، ورأى صحيح، قد سبقت له منّا الحسنى، فدان بالمعنى، ثم إنه جلّ وعلا أبرز من مكنون العلم ومخزون الحكم آدم وحوّاء أبوين ذكرا وأنثى، سببا لإنشاء البشرية «2» ، ودلالة لاظهار القدرة القويّة الكونيّة «3» ، وزوّج بينهما فتوالدا الأولاد، وتكاثرت الأعداد، ونحن ننقل في الأصلاب الزكيّة والأرحام الطاهرة المرضية، كلّما ضمّنا من صلب ورحم أظهر منّا قدرة وعلما وهلم جرا إلى آخر الجد الأول والأب الأفضل سيد المرسلين وإمام النبيين أحمد ومحمد صلوات الله عليه وعلى آله في كل ناد ومشهد، فحسن آلاؤه وبان غناؤه، وأباد المشركين وقصم الظالمين، وأظهر الحق واستعمل الصدق، وبان بالأحديّة ودان بالصمديّة، فعندها سقطت الأصنام وانعقد الإسلام، وظهر الإيمان وبطل السخر والقربان، وارتفع الكفر والطغيان، وخمدت بيوت

ص: 310

النيران وهربت عبدة الأوثان، وأتى بالقرآن شاهدا بالحق والبرهان فيه خير ما كان وما يكون إلى يوم الوقت المعلوم، مبينا عن كتب تقدّمت في صحف قد نزلت، تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة ونورا وسراجا منيرا، وكل ذلك دلالات لنا ومقدّمات بين أيدينا، وأسباب لإظهار أمرنا، هدايات وآيات وشهادات، وسعادات قدسيات إلاهيات أوّليات كائنات، منشآت مبديات معيدات وما من ناطق نطق ولا نبىّ بعث ولا وصّى ظهر إلا قد أشار إلينا، ولوّح بنا ودلّ علينا في كتابه وخطابه، ومنار أعلامة ومرموز كلامه، ما هو موجود غير معدوم وظاهر وباطن، يعلمه من سمع الندا أو شاهد ورأى، من الملأ الأعلى، فمن أغفل منكم أو نسى أو ضلّ أو غوى فلينظر في الكتب الأولى «1» والصحف المنزّلة، وليتأمل آى القرآن وما فيه من البيان، وليسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم، فقد أمر الله عز وجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) *

«2» .

قال: وهذا الكتاب طويل جدا لا طائل فيه، قطعناه ههنا وسنذكر جملة من هذا الكتاب في أخبار المعز لدين الله غير ما في هذا الموضع، على ما نقف عليه إن شاء الله تعالى في موضعه «3» .

قال «4» : والجواب من الحسن بن أحمد القرمطى الأعصم:

وصل إلينا كتابك الذى كثر تفصيله وقلّ تحصيله، ونحن سائرون على أثره والسلام.

ص: 311

وسار الحسن بن أحمد بعد ذلك إلى مصر، فنزل بعسكره عين شمس، وناشب المغاربة القتال، وانبثت سراياه في أرض مصر وبعث عمّالا إلى الصعيد تجبى الأموال، وضيّق على المغاربة ودوامهم القتال على خندق مدينتهم، يعنى الشريف بمدينتهم القاهرة المعزيّة، قال: فذكر أنّه هزمهم حتى عبر الخندق فامتنعوا منه بالسور، وعظم ذلك على المعز لدين الله وتحيّر في أمره، ولم يجسر أن يخرج بعسكره خارج الخندق، قال: وكان ابن الجرّاح الطائى في جمع عظيم مع الحسن بن أحمد القرمطى، وكان قوة لعسكره ومنعة ومقدّمة، فنظر القوم فإذا ليس لهم بالحسن بن أحمد طاقة، ففكّروا في أمره فلم يجدوا لهم حيلة غير فلّ عسكره، وعلموا أنّه لا يقدر على فلّه إلا بابن الجراح، وأنّ ذلك لا يتمّ إلا ببذل ما يطلبه من المال، فراسلوا ابن الجرّاح وبذلوا له مائة ألف دينار، على أن يفلّ لهم عسكر القرمطى فأجابهم إلى ذلك، ثم إنهم فكروا في أمر المال فاستعظموه، فعملوا دنانير من النحاس وطلوها بالذهب وجعلوها في أكياس، وجعلوا على رأس كل كيس منها دنانير يسيرة من الذهب تغطى ما تحتها وشدّوها وحملت لابن الجراح بعد أن استوثقوا منه، وعاهدوه ألا يغدر بهم إذا وصل إليه المال، فلما وصل إليه المال عمل على فلّ عسكره، وتقدم إلى كبراء أصحابه بأن يتبعوه إذا تواقف العسكران، وقامت الحرب فلما اشتدّ القتال ولىّ ابن الجرّاح منهزما، واتّبعه أصحابه في جمع كثير، فلما نظر إليه القرمطى قد انهزم بعد الاستظهار تحيّر ولزمه أن يقاتل هو ومن معه فاجتهد في القتال حتى تخلص، ولم تكن له بهم طاقة وكانوا قد بادروه من كل جانب، فخشى على نفسه وانهزم

ص: 312

واتّبعوه [قومه] ودخل [المغاربة] معسكره، فظفروا باتباع وباعة «1» نحو من ألف وخمسمائة رجل، فأخذوهم أسرى وانتهبوا العسكر وضربوا أعناقهم، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، ثم جرّدوا خلف الحسن بن أحمد، أبا محمود إبراهيم بن جعفر في عشرة آلاف رجل من المغاربة، فسار خلفه وتباطأ في السير خوفا من أن يعطف عليه، وسار الحسن فنزل أذرعات وأنفذ أبا المنجّى في طائفة كثيرة من الجند إلى دمشق، وكان ابنه قبل ذلك واليا عليها، ثم سار القرمطى في البريّة إلى بلده وفي نيّته العود، وكانت المغاربة، لمّا سمعوا بقصّة ظالم، وقبض القرمطىّ عليه لما جرى بينه وبين أبى المنجّى ما ذكرناه، وهربه إلى حصنه، راسلوه ليأتى القرمطىّ من خلفه، فسار يريد بعلبك فلقيه الخبر بهزيمة القرمطى ونزول أبى المنجّى على دمشق، فسار ظالم نحو دمشق ونزل أبو محمود أذرعات، وذكر أنّه كان بينه وبين ظالم مراسلة واتّفقا على أبى المنجّى، وبلغ أبو المنجّى مسير ظالم إليه وكان في شرذمة يسيرة، وأبو المنجّى بدمشق في نحو ألفى رجل، وكان قد ورد إليه الخبر في أن ظالما يصبح من غد في عقبة دمّر، وكان الجند قبل ذلك قد طلبوا منه الرزق، فقال: ما معى مال، فلما ورد إليه خبر ظالم أعطى الجند على السّرج دينارين لكل رجل، ثم إنّ ظالما أصبح من غد ذلك اليوم في عقبة دمّر، فخرج أبو المنجّى وابنه بمن معهما إلى الميدان للقتال، فذكر أنّ ظالما أنفذ إلى أبى المنجّى رسولا يقول له: إنما جئت مستأمنا إليكم، وقد كان

ص: 313