الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخل في الدعوة منه ناس كثير أو قليل، من بنى عايش وذهل وغيره وبنى عنز وتيم الله وثعل وغيرهم، وفيهم نفر يسير من بنى شيبان، فقوى قرمط بهم وزاد طمعه فأخذ في جمع أموالهم.
ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم
كان أول ما ابتدأ به أن فرض عليهم وامتحنهم بتأدية درهم واحد، وسمى ذلك الفطرة من كل رأس من الرجال والنساء والصبيان فسارعوا إلى ذلك، فتركهم مديدة ثم فرض عليهم الهجرة، وهو دينار على كل رأس أدرك الحنث، وتلا عليهم قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
«1» ، وقال: هذا تأويل هذا، فدافعوا ذلك مبادرين به إليه، وتعاونوا عليه فمن كان فقيرا أسعفوه، فتركهم مديدة ثم فرض عليهم البلغة: وهى سبعة دنانير، وزعم أنّ ذلك هو البرهان بقوله تعالى (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) *
«2» ، وزعم أنّ ذلك بلاغ من يريد الإيمان والدخول في السابقين السابقين- «أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»
، وصنع لهم طعاما طيبا حلوا لذيذا وجعله على قدر البنادق، يطعم كلّ من أدّى إليه سبعة دنانير واحدة منها، وزعم أنّه طعام أهل الجنّة نزل إلى الإمام، واتخذ ذلك كالخواتيم ينقل إلى
الداعى منها مائة بلغة ويطالبه بسبعمائة دينار، فلما توطأ له هذا الأمر فرض عليهم أخماس ما يملكون وما يتكسبون، وتلا عليهم قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
…
)
الآية «1» فقوّموا جميع ما يملكونه من ثوب وغيره وأدّوا خمسه إليه، حتى كانت المرأة تخرج خمس ما تغزل، والرجل خمس ما يكسب، فلما تمّ ذلك له واستقرّ فرض عليهم الألفة، وهو أن يجمعوا أموالهم في موضع واحد وأن يكونوا في ذلك أسوة واحدة، لا يفضل أحد منهم صاحبه وأخاه في ملك يملكه، وتلا عليهم قوله تعالى (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً)
«2» ، وتلا عليهم قوله تعالى (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
«3» ، وعرّفهم أنّه لا حاجة بهم إلى أموال تكون معهم، لأنّ الأرض بأسرها ستكون لهم دون غيرهم، وقال لهم: هذه محنتكم التى امتحنتم بها ليعلم كيف تعملون، وطالبهم بشراء السلاح واعداده، وذلك كلّه في سنة ست وسبعين ومائتين.
وأقام الدعاة في كل قرية رجلا مختارا من ثقانها، يجمع عنده أموال أهل قريته من بقر وغنم وحلى ومتاع وغيره، فكان يكسو عاريهم وينفق عليهم ما يكفيهم، ولا يبقى فقيرا بينهم ولا محتاجا ضعيفا، وأخذ كل رجل منهم بالانكماش في صناعته والتكسب