المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس والعشرون

- ‌تقديم

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب السابع فى أخبار من نهض في طلب الخلافة من الطالبيين فى مدة الدولتين الأموية والعباسية

- ‌محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب وأخوه ابراهيم

- ‌ذكر حبس أولاد الحسن

- ‌ذكر حملهم الى العراق

- ‌ذكر ظهور محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب

- ‌ذكر مسير عيسى بن موسى لقتال محمد بن عبد الله بن حسن وقتل محمد

- ‌ذكر تسمية المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله بن حسن

- ‌ذكر ظهور ابراهيم بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب أخى محمد

- ‌ذكر مسير ابراهيم ومقتله

- ‌ذكر ظهور الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو المقتول بفخ

- ‌ذكر ظهور الحسين بن محمد

- ‌ذكر خبر اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على

- ‌ذكر ظهور على بن زيد العلوى بالكوفة وخروجه عنها

- ‌ذكر أخبار الدولة العلويه بطبرستان الداعى الى الحق الحسن بن زيد

- ‌ثم ظهر بالرى في سنة خمسين ومائتين أيضا

- ‌وفي سنة احدى وخمسين ومائتين

- ‌ذكر ملك الحسن بن زيد جرجان

- ‌وفي سنة تسع وخمسين ومائتين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن زيد وشىء من أخباره وسيرته

- ‌ذكر أخبار محمد بن زيد

- ‌وفي سنة خمس وسبعين ومائتين

- ‌ذكر مقتل محمد بن زيد وشىء من أخباره

- ‌ذكر أخبار الناصر للحق

- ‌ملك أسفار جرجان

- ‌ذكر ظهور أبى عبد الله محمد بن الحسين الحسنى المعروف بابن الداعى

- ‌الباب الثامن من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار صاحب الزنج والقرامطة والخوارج ببلاد الموصل

- ‌ذكر أخبار صاحب الزنج وابتداء أمره وسبب خروجه

- ‌ذكر دخول الزنج الأبله

- ‌ذكر أخذ الزنج الأهواز

- ‌ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب وغلبة الزنج

- ‌ذكر انهزام الزنج بالأهواز

- ‌ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها

- ‌ذكر مسير المولد لحرب صاحب الزنج وانتصار صاحب الزنج

- ‌ذكر الحرب بين منصور الخياط والزنج وقتل منصور

- ‌ذكر مسير أبى أحمد الموفق لقتال الزنج وقتل مفلح

- ‌ذكر مقتل يحيى بن محمد البحرانى

- ‌ذكر عود أبى أحمد الموفق الى سامرا واستخلافه محمد المولد على حرب الزنج

- ‌ذكر دخول الزنج الأهواز ومسير موسى بن بغا لحربهم

- ‌ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر دخول الزنج واسط وما تقدم ذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر وقائع كانت بين الزنج وبين أحمد بن ليثويه وتكين البخارى وأغرتميش فى سنة خمس وسنة ست وستين ومائتين

- ‌ذكر دخول الزنج رامهرمز

- ‌ذكر مسير أبى العباس بن الموفق وهو المعتضد بالله الى حرب الزنج وانتزاعه عامة ما كان بيد سليمان ابن جامع والزنج من أعمال دجلة

- ‌ذكر مسير الموفق لقتال الزنج وفتح المنيعة

- ‌ذكر استيلاء أبى أحمد الموفق على طهيثا

- ‌ذكر مسير الموفق الى الأهواز واجلاء الزنج عنها

- ‌ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة

- ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

- ‌ذكر ايقاع أبى العباس بن الموفق بالأعراب وانقطاع الميرة عن الزنج ومقتل بهبوذ بن عبد الوهاب

- ‌ذكر احراق قصر صاحب الزنج وما يتصل بذلك من الحروب والوقائع

- ‌ذكر غرق نصير صاحب الشذا

- ‌ذكر احراق قنطرة صاحب الزنج

- ‌ذكر انتقال صاحب الزنج الى الجانب الشرقى واحراق سوقه

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الغربية

- ‌ذكر استيلاء الموفّق على مدينة صاحب الزنج الشرقية

- ‌ذكر مقتل صاحب الزنج

- ‌ذكر أخبار القرامطة وابتداء أمرهم وما كان من أخبارهم وما استولوا عليه من البلاد وغير ذلك من أخبارهم

- ‌ذكر ما فرضه قرمط على من دخل في دعوته واستجاب له وكيف نقلهم في استئصال أموالهم من اليسير إلى الكثير حتى استقام له أمرهم

- ‌ذكر دعوة القرامطة وعهدهم الذين كانوا يأخذونه على من يغرونه، ويستميلونه الى مذهبهم، وكيف ينقلونه من مرتبة الى أخرى، حتى ينسلخ من الدين ويخلع ربقة الاسلام من عنقه

- ‌[ذكر صفة الدعوة الأولى]

- ‌ذكر صفة الدعوة الثانية

- ‌ذكر صفة الدعوة الثالثة

- ‌ذكر صفة الدعوة الرابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الخامسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السادسة

- ‌ذكر صفة الدعوة السابعة

- ‌ذكر صفة الدعوة الثامنة

- ‌ذكر صفة الدعوة التاسعة

- ‌ذكر العهد الذى يؤخذ على المخدوعين في مبدأ الدعوة الخبيثة

- ‌ذكر ابتداء دعوة القرامطة

- ‌ذكر انتفاض الدعوة عن حالتها الأولى ومقتل عبدان وما كان من أمر زكرويه بعده

- ‌ذكر أخبار أبى سعيد الجنابى وظهوره بالبحرين

- ‌ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة أصحاب أبى سعيد وأهل عمان

- ‌ذكر الحرب بين القرامطة وعسكر المعتضد بالله وانتصار القرامطة

- ‌ذكر مقتل أبى سعيد الجنابى

- ‌ذكر أخبار أبى القاسم الصناديقى ببلاد اليمن

- ‌ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم

- ‌ذكر الحرب بين محمد بن سليمان وبين القرامطة وانهزام القرامطة والظفر بالحسن بن زكرويه صاحب الشام وأصحابه وقتلهم

- ‌ذكر خبر ارسال زكرويه بن مهرويه محمد بن عبد الله الى الشام وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر ارسال زكرويه بن مهرويه القاسم بن أحمد ودخوله الكوفة وما كان من أمره

- ‌ذكر ظهور زكرويه بن مهرويه وقتاله عساكر الخليفة وأخذه الحاج وما كان من أمره الى أن قتل

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بعد مقتل زكرويه بن مهرويه

- ‌ذكر أخبار أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى

- ‌ذكر أخذ أبى طاهر الحاج وأسره ابن حمدان وما كان من أمره في اطلاقه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الكوفة ورجوعه

- ‌ذكر دخول أبى طاهر القرمطى الى العراق وقتل يوسف بن أبى الساج

- ‌ذكر أخبار من ظهر من القرامطة بسواد العراق في أثناء وقائع أبى طاهر الجنابى

- ‌ذكر مسير أبى طاهر الى مكة شرفها الله ونهبها وأخذ الحجر الاسود واعادته وما كان من أخباره في خلال ذلك

- ‌ذكر وفاة أبى طاهر بن أبى سعيد الجنابى وأخيه وقيام أخويهما بعده

- ‌ذكر اعادة القرامطة الحجر الأسود الى الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذكر ملك القرامطة دمشق وسيرهم الى الديار المصرية ومحاصرة من بها ورجوعهم عنها

- ‌ذكر عود القرامطة الى الشام ووفاة الحسن بن أحمد

- ‌ذكر استيلاء القرامطة على الكوفة وخروجهم عنها

- ‌ذكر ظفر الأصغر بالقرامطة

- ‌ذكر أخبار الخوارج ببلاد الموصل مساور ومن بعده

- ‌ذكر قتل مساور بندارا الطبرى متولى طريق خراسان

- ‌ذكر استيلاء مساور على الموصل وخروجه منها

- ‌ذكر اختلاف الخوارج على مساور وانتصاره على من خالفه وقتاله عساكر الخليفة

- ‌ذكر وفاة مساور وخبر من قام بعده الى أن قام هارون البجلى

- ‌ذكر محاربة محمد بن خرزاد هارون بن عبد الله وما كان من خبر خرزاد ومقتله واستقلال هارون بالأمر بمفرده

- ‌ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجى

- ‌ذكر انهزام هارون من عسكر الموصل

- ‌ذكر مقتل هارون

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الخامس فى اخبار من استقل بالملك والممالك بالبلاد الشرقية والشمالية في خلال الدولة العباسية وهم ملوك خراسان وما وراء النهر والجبال وطبرستان وغزنه والغور وبلاد السند والهند والدولة السامانية والدو

- ‌ذكر أخبار الدولة السامانية وقيامها بما وراء النهر ونسب ملوكها وابتداء أمرهم

- ‌ذكر وفاة نصر وقيام أخيه اسماعيل

- ‌ذكر ملك اسماعيل خراسان

- ‌ذكر ملكه طبرستان

- ‌ذكر القبض على محمد بن هارون ووفاته

- ‌ذكر وفاة اسماعيل وولاية ابنه أحمد

- ‌أبو نصر أحمد بن اسماعيل

- ‌ذكر استيلاء أحمد بن اسماعيل على سجستان

- ‌أبو الحسن نصر بن أحمد

- ‌ذكر خروج اسحاق بن أحمد وابنه الياس

- ‌ذكر مخالفة منصور بن اسحاق

- ‌ذكر خروج الياس بن اسحاق بن أسد ثانيا

- ‌ذكر استيلاء السعيد على الرى

- ‌ذكر مخالفة جعفر بن أبى جعفر بن أبى داود وعوده

- ‌ذكر خروج أبى زكريا وأخويه ببخارى

- ‌ذكر ولاية محمد بن المظفر خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير السعيد نصر بن أحمد وشىء من سيرته

- ‌نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد وهو الخامس من الملوك السامانية

- ‌ذكر مخالفة أبى على بن محتاج على الأمير الحميد

- ‌ذكر استعمال منصور بن قراتكين على خراسان

- ‌ذكر عود أبى على الى خراسان

- ‌ذكر وفاة الأمير الحميد نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد وهو السادس من الملوك السامانية

- ‌ذكر ولاية منصور بن نوح بن نصر بن أحمد وهو السابع من الملوك السامانية

- ‌ذكر الصلح بين الأمير منصور وبين بنى بويه

- ‌ذكر وفاة الامير منصور

- ‌ذكر ولاية المنصور أبى القاسم نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو الثامن من الملوك السامانية

- ‌ذكر ملك الترك بخارى وشىء من أخبارهم وخروج الأمير نوح منها وعوده اليها

- ‌ذكر عود نوح الى بخارى ووفاة بغراخان وقيام ايليك الخان

- ‌ذكر ما كان من أخبار أبى على بن سيمجور وفايق واستعمال محمود بن سبكتكين على خراسان

- ‌ذكر وفاة الامير نوح بن منصور

- ‌ذكر ولاية أبى الحارث منصور بن نوح بن منصور بن نوح ابن نصر بن أحمد بن اسماعيل بن أحمد، وهو التاسع من الملوك السامانية

- ‌ذكر القبض على الأمير منصور بن نوح وسمله

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن نوح بن منصور

- ‌ذكر انقراض الدولة السامانية

- ‌ذكر ظهور اسماعيل بن نوح وما اتفق له بخراسان

- ‌ذكر أخبار الدولة الصفارية وابتداء أمرها

- ‌ذكر ملك يعقوب هراة وبوشنج

- ‌ذكر استيلائه على كرمان

- ‌ذكر ملكه فارس

- ‌ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها

- ‌ذكر ملكه نيسابور

- ‌ذكر دخوله طبرستان

- ‌ذكر عود يعقوب الى بلاد فارس والحرب بينه وبين محمد بن واصل

- ‌ذكر الحرب بين الموفق ويعقوب

- ‌ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

- ‌ذكر وفاة يعقوب بن الليث وولاية أخيه عمرو

- ‌ذكر ولاية عمرو بن الليث

- ‌ذكر أسر عمرو بن الليث وقتله وانقراض الدولة الصفارية

- ‌ذكر أخباره وشىء من سيرته

- ‌ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستانى

- ‌ذكر أخبار رافع بن هرثمة

- ‌مراجع التحقيق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

وكان من أشجع رجال صاحب الزنج، فخلع عليه وعلى غيره ممّن أتاه ووصلهم بصلات كثيرة. قال: ولما انقطعت الميرة والمواد عن صاحب الزنج أمر شبلا وأبا الندا وهما رؤساء قوّاده- وكان يثق بهم- بالخروج إلى البطيحة في عشرة آلاف من ثلاثة وجوه للغارة وقطع الميرة عن الموفّق، فسيّر الموفّق إليهم زيرك في جمع من أصحابه، فلقيهم بنهر ابن عمر فرأى كثرتهم فراعه ذلك، ثم استخار الله تعالى في قتالهم فحمل عليهم وقاتلهم، فقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم فانهزموا، فوضع فيهم السيف وقتل منهم مقتلة عظيمة، وغرق منهم مثل ذلك وأسر خلقا كثيرا، وأخذ من سفنهم ما أمكنه أخذه، وغرق منها ما غرق، وكان ما أخذه من سفنهم نحو أربعمائة سفينة، وأقبل بالأسرى والرؤوس إلى مدينة الموفّق.

‌ذكر عبور الموفق الى مدينة صاحب الزنج وخروجه عنها وعوده اليها

قال: وفي ذى الحجّة سنة سبع وستين أيضا عبر الموفّق مدينة صاحب الزنج لست بقين من الشهر، وكان سبب ذلك أنّ جماعة من قوّاد صاحب الزنج، لما رأوا ما حلّ بهم من البلاء، من قتل من يظهر منهم، وشدّة الحصار على من لزم المدينة، وحال من خرج بالأمان، جعلوا يهربون من كل وجه ويخرجون إلىّ الموفّق، فلما رأى ذلك صاحب الزنج جعل على الطريق التى يمكنهم الهرب منها من يحفظها، فأرسل جماعة من القوّاد إلى الموفّق يطلبون الأمان، وأن يوجّه لمحاربة صاحبهم جيشا ليجدوا طريقا إلى المصير إليه، فأمر ابنه أبا العبّاس بالمصير إلى النهر

ص: 157

الغربى- وبه علىّ بن أبان- ففعل، واشتدت الحرب فاستظهر أبو العباس على الزنج، فأمّدهم صاحبهم بسليمان بن جامع في جمع، واتصلت الحرب من أوّل النهار إلى العصر، وكان الظفر لأبى العبّاس وصار إليه القوم الذين كانوا طلبوا الأمان منه، واجتاز أبو العبّاس بمدينة صاحب الزنج عند نهر الأتراك، فرأى قلّة الزنج هناك، فطمع فيهم فقصدهم وقد انصرف أكثر أصحابه إلى الموفقيّة، فدخل البلد بمن بقى معه، وندب صاحب الزنج أصحابه لحربهم، فلما رأى أبو العباس اجتماعهم وقلّة أصحابه رجع، وأرسل إلى أبيه الموفّق يستمدّه فأتاه من خف من الغلمان وظهروا على الزنج وهزموهم، وكان سليمان ابن جامع لما رأى ظهور أبى العبّاس سار في النهر مصعدا في جمع كثير فأتى أصحاب أبى العبّاس «1» من خلفهم وهم يحاربون من بإزائهم، وخفقت طبوله فانكشف أصحاب أبى العبّاس «2» ، ورجع عليهم من كان انهزم عنهم من الزنج، فأصيب جماعة من غلمان الموفّق، وأخذ الزنج عدة أعلام وحامى أبو العبّاس عن أصحابة فسلم أكثرهم ثم انصرف وطمع الزنج بهذه الوقعة وشدّت قلوبهم، فأجمع الموفّق على العبور إلى مدينتهم بجميع جيوشه، وأمر الناس بالتأهّب وجمع المعابر والسفن وفرّقها عليهم، ودخل يوم الأربعاء لست بقين من الشهر، وفرّق أصحابه على المدينة ليضطر صاحبها إلى تفرقة أصحابه، وقصد الموفّق إلى ركن من أركان المدينة وهو أحصن ما فيها، وقد أنزله صاحب الزنج ابنه انكلاى وسليمان بن جامع وعلىّ بن أبان، وعليه من المجانيق

ص: 158

وآلات القتال ما لا يحدّ، فلما التقى الجمعان أمر الموفّق غلمانه بالدنوّ منه، وبينهم وبين ذلك السور نهر الأتراك، وهو نهر عريض كثير الماء فأحجموا عنه، فصاح بهم الموفّق وحرّضهم على العبور، فعبروا سباحة والزنج ترميهم بالمجانيق والمقاليع والحجارة والسهام، فصبروا حتى جاوزوا النهر وانتهبوا إلى السور، ولم يكن معهم من الفعلة من كان أعدّ لهدم السور، فتولّى الغلمان تشعيث السور بما كان معهم من السلاح، وسهّل الله تعالى ذلك وكان معهم بعض السلاليم، فصعدوا على ذلك إلى السور، ونصبوا علما من أعلام الموفّق، فانهزم الزنج عنه وسلّموه بعد قتال شديد، وقتل من الفريقين خلق كثير، ولما علا أصحاب الموفّق السور أحرقوا ما كان عليه من مجانيق وآلات وغير ذلك، وكان أبو العبّاس قصد ناحية أخرى، فمضى على بن أبان لقتاله فهزمه أبو العبّاس وقتل جمعا كثيرا من أصحابه، ولحق أصحاب أبى العبّاس بالسور فثلموا فيه ثلمة، ودخلوه فلقيهم سليمان ابن جامع فقاتلهم حتى ردّهم إلى مواضعهم، ثم إن الفعلة وافوا السور فهدموه في عدة مواضع، وعملوا على الخندق جسر فعبر الناس عليه من ناحية الموفّق، فانهزم الزنج عن سور ثان «1» كانوا قد اعتصموا به، وجعل أصحاب الموفّق يقتلونهم حتى انتهوا إلى نهر ابن سمعان، وقد صارت دار ابن سمعان في أيدى أصحاب الموفّق فأحرقوها، وقاتلهم الزنج هناك ثم انهزموا حتى بلغوا ميدان صاحبهم، فرجع في جمع من أصحابه فانهزم أصحابه عنه، وقرب منه بعض رجّالة الموفّق، فضرب

ص: 159

وجه فرسه بترسه وذلك مع مغيب الشمس، فأمر الموفّق الناس بالرجوع فرجعوا، ومعهم من رؤوس أصحابه شىء كثير، وقد استأمن إلى أبى العباس أوّل النهار نفر من قوّاد صاحب الزنج، فتوقف عليهم حتى حملهم في السفن.

وأظلم الليل وهّبت ريح عاصف وقوى الجزر، فلصق أكثر السفن بالطين، فخرج جماعة من الزنج فنالوا من أصحابه، وقتلوا منهم نفرا، وكان بهبوذ بازاء مسرور البلخى فأوقع بأصحاب مسرور، وقتل منهم وأسر جماعة، فكسر ذلك من نشاط أصحاب الموفّق، وكان بعض أصحاب صاحب الزنج قد انهزم على وجهه نحو نهر الأمير وعبّادان، وهرب جماعة من الأعراب إلى البصرة، فأرسلوا يطلبون الأمان فأمّنهم الموفّق، وخلع عليهم وأجرى عليهم الأرزاق، وكان ممّن رغب في الأمان من قوّاده ريحان بن صالح المغربى- وكان من رؤساء أصحابه، فأرسل يطلب الأمان وأن يرسل جماعة إلى مكان ذكره ليخرج إليهم، ففعل الموفّق فصار إليه فخلع عليه وأحسن إليه ووصله، ثم ضمّه إلى أبى العبّاس، ثم استأمن بعده جماعة من أصحابه، وكان خروج ريحان إليه لليلة بقيت من ذى الحجّة من هذه السنة.

وفي سنة ثمان وستين ومائتين في المحرّم خرج إلى الموفّق من قوّاد صاحب الزنج جعفر بن إبراهيم المعروف بالسجّان، وكان من ثقات أصحابه فارتاع لذلك، وخلع عليه الموفّق وأحسن إليه، وحمله في سميرية إلى ازاء قصر صاحبه، وأخبرهم أنّهم في غرور وأعلمهم بما وقف عليه من كذب الخبيث وفجوره، فاستأمن في ذلك اليوم خلق كثير من قوّاد الزنج وغيرهم، فأحسن إليهم الموفّق وتتابع الناس في

ص: 160

طلب الأمان، ثم أقام الموفّق لا يحارب ليريح أصحابه إلى شهر ربيع الآخر من السنة.

فلما انتصف الشهر قصد الموفّق مدينة الزنج، وفرّق قوّاده على جهاتها، وجعل مع كل طائفة منهم من النقّابين جماعة لهدم السور، وتقدّم إلى جميعهم ألا يزيدوا على هدم السور ولا يدخلوا المدينة، وتقدّم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه، فتقدموا إلى المدينة من سائر جهاتها، ووصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة، ودخل أصحاب الموفّق المدينة من تلك الثلم، وجاء أصحاب صاحب الزنج فقاتلوهم فهزمهم أصحاب الموفّق، وتبعوهم حتى أوغلوا فى طلبهم، واختلفت بهم طرق المدينة، فبلغوا أبعد من الموضع الذى وصلوا إليه في المرّة الأولى وأحرقوا وأسروا، وتراجع الزنج عليهم وخرج الكمناء من مواضع يعرفونها ويجهلها أصحاب الموفّق، فتحيّروا ودافعوا عن أنفسهم وتراجعوا نحو دجلة، بعد أن قتل منهم جماعة وأخذ الزنج أسلابهم، ورجع الموفّق إلى مدينته وأمر بجمع أصحابه، ولامهم على مخالفته في دخولهم وافساد رأيه وتدبيره، وأمر باحصاء من فقد من أصحابه، وأقر ما كان لهم من الرزق على أولادهم وأهليهم، فحسن موقع ذلك عندهم، وزاد في صحة نيّاتهم وصدق عزائمهم.

ص: 161