الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر انتداب أبى أحمد الموفق لحرب الزنج وما شغله عن ذلك واستعماله مسرورا البلخى على حربهم وما كان في خلال ذلك من أخبارهم
وفي سنة إحدى وستين ومائتين ولّى المعتمد على الله أخاه أبا أحمد العهد بعد ابنه جعفر، ولقّبه الناصر لدين الله الموفّق، وولّاه من الأعمال ما قدّمنا ذكره في أخباره الدولة العباسية، وولّى موسى بن بغا إفريقية على ما قدمناه، وأمر المعتمد على الله أخاه الموفّق بحرب الزنج، فولّى الموفّق الأهواز والبصرة وكور دجلة- وذلك من جملة ما هو مضاف إلى ولايته- مسرورا البلخى، وسيّره على مقدمته في ذى الحجة من السنة وعزم على المسير بعده، فحدث من أمر يعقوب بن الليث الصفّار ما منعه عن المسير على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى في أخبار الدولة الصفارية، ثم رجع مسرور البلخى لقتال يعقوب، فخلت البلاد من العساكر السلطانية، فبثّ صاحب الزنج سراياه في تلك البلاد تنهب وتحرق وتخرّب، وذلك في سنة اثنتين وستين ومائتين، وأتته الأخبار بخلوّ البطيحة من جند السلطان، فأمر سليمان بن جامع وجماعة من أصحابة بالمسير إلى الحوانيت، وأمر سليمان بن موسى بالمصير إلى القادسية، وقدم أبّا «1» التركى في ثلاثين شذاة يريد عسكر الزنج فنهب وأحرق، فكتب صاحب الزنج إلى سليمان بن موسى يأمره بمنعه من العبور، فأخذ سليمان عليه الطريق، فقاتلهم
شهرا حتى تخلّص، وانحاز إلى سليمان بن جامع من مذكورى البلاليّة وأنجادهم جمع كثير في خمسين ومائة سميرية، وكان مسرور البلخى قد وجّه قبل مسيره عن واسط جماعة من أصحابة في شذاة إلى سليمان، فأشار الباهليون على سليمان أن يتحصّن في عقر ما وراء «1» طهيثا والأدغال التى فيها، وكرهوا خروجه عنهم لموافقته في فعله وخافوا السلطان، فسار فنزل إليه بقربة مروان بالجانب الشرقى من نهر طهيثا، وجمع إليه رؤساء الباهليين، وكتب إلى صاحب الزنج يعلمه بما صنع، فكتب إليه يصوّب رأيه ويأمره بانفاذ ما عند من ميرة ونعم، فأنفذ ذلك إليه.
وورد الخبر على سليمان أنّ أغرتميش وخشيشا قد أقبلا في الخيل والرجال «2» والسميريات والشذاة يريدون حربه، فجزع جزعا شديدا، فلما أشرفوا عليه ورآهم أخذ جمعا من أصحابه، وسار راجلا واستدبر أغرتميش، وجدّ أغرتميش في المسير إلى عسكر سليمان، وكان سليمان قد أمر الذي استخلفه في جيشه ألّا يظهر منهم أحد لأصحاب أغرتميش، وأن يخفوا أنفسهم ما قدروا إلى أن يسمعوا أصوات طبولهم، فإذا سمعوها خرجوا عليه، وأقبل أغرتميش إليهم فجزع أصحاب سليمان جزعا شديدا فتفرّقوا، ونهضت شرذمة منهم فواقعوهم وشغلوهم عن دخول العسكر، وجاء سليمان من خلفهم وضرب طبوله، وألقوا أنفسهم في الماء للعبور إليهم، فانهزم أصحاب أغرتميش وظهر من كان
من السودان بطهيثا، ووضعوا السيوف فيهم فقتل خشيش وانهزم أغرتميش، وتبعه الزنوج إلى عسكره فنالوا حاجتهم منه، وأخذوا شذاوات فيها مال وغيره، فعاد أغرتميش إليهم فانتزعها من أيديهم، وعاد سليمان وقد ظفر وغنم، وكتب إلى صاحب الرنج بالخبر وسيّر إليه رأس خشيش، فسيّره إلى علىّ بن أبان وهو بنواحى الأهواز، وسيّر سليمان سريّة فظفروا باحدى عشرة شذاة وقتلوا أصحابها.
ثم كانت للزنج وقعة عظيمة انهزموا فيها في سنة اثنتين وستين أيضا وكانت هذه الوقعة مع أحمد بن ليثويه، وكان سببها أن مسرورا البلخى وجّه أحمد بن ليثويه إلى كور الأهواز، فنزل السوس وكان يعقوب الصفّار- المستولى على خراسان- قد قلّد محمد بن عبيد الله ابن هزار «1» مرد الكردى كور الأهواز، فكاتب محمد قائد الزنج يطمعه في الميل إليه، وأوهمه أنّه يتولى له كور الأهواز، وكان محمد يكاتبه قديما، وعزم على مداراة الصفّار وقائد الزنج، حتى يستقيم له الأمر فيها، فكاتبه صاحب الزنج يجيبه إلى ما سأل، على أن يكون على بن أبان المتولّى للبلاد، ومحمد بن عبيد الله يخلفه عليها، فقبل محمد ذلك، فوجّه إليه على بن أبان جيشا وأمدّهم محمد بن عبيد الله، فساروا نحو السوس فمنعهم أحمد بن ليثويه ومن معه من جند الخليفة عنها، وقاتلهم فقتل خلقا كثيرا وأسر جماعة، وسار أحمد حتى جندى «2» سابور، وسار على بن أبان من الأهواز منجدا محمد بن
عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فلقيه محمد «1» فى جيش كثير من الأكراد والصعاليك، ودخل محمد تستر، فانتهى إلى أحمد بن ليثويه الخبر بتضافرهما على قتاله، فخرج عن جندى سابور إلى السوس، وكان محمد قد وعد علىّ بن أبان أن يخطب لصاحبه قائد الزنج يوم الجمعة على منبر تستر، فلما كان يوم الجمعة خطب للمعتمد على الله وللصفّار، فلما علم على بن أبان ذلك انصرف إلى الأهواز، وهدم قنطرة كانت هناك لئلا تلحقه الخيل، وانتهى أصحاب علىّ إلى عسكر مكرم فنهبوها، وكانت داخلة في سلم صاحب الزنج فغدروا بها، وساروا إلى الأهواز، فلما علم أحمد ذلك أقبل إلى تستر، فأوقع بمحمد بن عبيد الله ومن معه، فانهزم محمد ودخل أحمد تستر، وأنت الأخبار على بن أبان أنّ أحمد على قصده، فسار إلى لقائه ومحاربته فالتقيا واقتتل العسكران، فاستأمن جماعة من الأعراب، الذين كانوا مع علىّ بن أبان- إلى أحمد بن ليثويه، فانهزم باقى أصحاب علىّ وثبت معه جماعة يسيرة، فاشتد القتال وترجّل على بن أبان وباشر القتال راجلا، فعرفه بعض أصحاب أحمد فأنذر به، فلما عرفوه انصرف هاربا، وأتاه بعض أصحابه بسميريّة فركب فيها ونجا مجروحا، وقتل من أصحابه جماعة كثيرة، وعاد إلى الأهواز ولم يقم بها، ومضى إلى عسكر صاحبه يداوى جراحه، واستخلف على عسكره بالأهواز، فلما برئت جراحه عاد إلى الأهواز، ووجّه أخاه الخليل بن أبان في سنة ثلاث وستين ومائتين في جيش كثيف إلى